<!--
<!--<!--<!--
داء العطب قديم
التاريخ: مايو 30، 2016
فلاش بريس : يونس جنوحي
هناك أمور في الحياة لا تملك إلا أن تعلقها على ظهر الغيب. مثلا، لا يمكن أن تفهم لماذا سمي المصعد كذلك، مع العلم أنه يمكن أن يهبط أيضا. ورغم ذلك لم يفكروا في اختيار اسم آخر يدل على نزوله تماما مثلما يصعد. وقس على ذلك.. والأمر ليس مقتصرا على اللغة العربية وحدها، فهناك لغات كثيرة، من بينها الإنجليزية التي يحبها وزير التعليم العالي، تطلق على «المصعد» اسما لا يدل على نزوله وتكتفي بصعوده فقط. وأشك أن هناك لغة تتحدث عن هذه الآلة وتسميها اعتمادا على حركة النزول وليس الصعود.
مثلا.. لماذا سُمي الوزراء كذلك ولم يختاروا لهم اسما آخر، رغم أنهم لا يكونون وزراء في بعض الحالات ويتحولون إلى «أشياء» أخرى. ونحتاج معهم دائما إلى صبر السنين، إلى أن يصبحوا كائنات غير صالحة للاستعمال، لنسمع عن كواليس اشتغالهم في الوزارات التي أنيطت إليهم وكيف أن أغلبهم لم يكونوا يفهمون إلا في ديكورات مكاتبهم وسياراتهم.
فعندما توفي الجنرال مولاي حفيظ العلوي، الذي كان حارسا لبوابة الملك الحسن الثاني، بدأنا نسمع عن علاقته بالوزراء السابقين وكيف أنه كان يرتبهم في صف وكأنهم مجموعة من التلاميذ الكسالى ينتظرون الدخول المدرسي، بينما كانوا في الحقيقة يتأبطون ملفات تعيينهم كوزراء ليقفوا رسميا بين يدي الملك ليكلفهم بمهامهم الوزارية. وهكذا، مع هذه الرواية التاريخية التي لم تعد جديدة اليوم، بدا واضحا أن أكثر الوزراء الذين أحاطوا أنفسهم بكثير من الحصانة ولم يقدموا شيئا يذكر لأبناء هذا الشعب طوال الفترات المتكررة التي كانوا في وزراء للتعليم والصحة والمالية وهلم جرّا.. لم يكونوا في الحقيقة إلا تلاميذ كسالى، ورغم ذلك أطلقنا عليهم لقب «الوزراء» وجعلنا لهم وزارات، رغم أن آخر ما كانوا يفكرون فيه عند تعيينهم هو الرؤية الوزارية.
نحتاج في الحقيقة إلى رباعة من المتخصصين لتشريح واقع الحال المغربي، لأن الوضع لم يعد يحتمل أبدا أن يتم التغاضي عنه. فالتسيب الحاصل في عدد من المجالات أفرز لنا وصول بعض المستحاثات إلى مناصب المسؤولية، لا أهلية لهم إلا التزكيات التي تتاجر فيها بعض الأحزاب السياسية التي لا تجد أبدا أي حرج يذكر في ترشيح شخص لا شيء يشفع في سجله لكي يصبح وزيرا أو حتى قياديا في الحزب الذي يفترض أنه ينتمي إليه.
وها أنتم ترون، مع اقتراب الاستحقاقات المقبلة، كيف أن بعض السياسيين قد بدؤوا فعلا في عمليات التسخينات، قبل الأوان، ليلعبوا مباراة العمر حتى يتفاوضوا على الحقائب، وكأنهم يقتسمون «البالات» وليس المسؤوليات.
لم ننس بعد ذلك المخاض العسير الذي مرت منه حكومة عبد الإله بنكيران مرتين، خلال الخمس سنوات الأخيرة، وكيف كان يخرج من الاجتماع المغلق ليدخل إلى آخر، وتصدر التسريبات في الجرائد بين الفينة والأخرى، وكأنهم يختارون لجنة للصعود إلى القمر، وفي الأخير خرجوا بتشكيلة حكومية، قرأها الفاهمون على أنها تضمنت الكثير من التنازلات، ولم تعمر التجربة طويلا ليخرج حزب الاستقلال، ويدخل التجمع الوطني للأحرار.. وبدخوله يكون الحزب الحاكم، كما يحلو لمريديه أن يلقبوه، وقصته شبيهة تماما بقصة المصعد، قد بدأ يعوّد أنصاره على مفهوم «السياسة»، والتي تقتضي حزب النظرية المغربية أن تسب الخصم وتصفه بالعجز وتطعن في نزاهته، وتشكل معه الحكومة في اليوم الموالي.
يبدو أن مصعد المبادئ السياسية قد تعطل. والحال أنه يتعطل دائما في هذه المناسبات.. السياسيون اكتشفوا أن المبادئ ثقيلة جدا، ومصعد السياسة الذي أوصلهم، لا يمكنه أن يقل المبادئ أيضا، لأن اصطحابها في المصعد، الذي يكون غالبا في وضعية النزول، سيتسبب في حمولة زائدة، قد تمزق الحبال، ويصعد المصعد.. لا قدّر الله.
«داء العطب قديم» وهو الكتاب الذي ألّفه المولى عبد الحفيظ عندما غادر الحكم وجلس يتفرج على المغرب من طنجة التي كانت دولية ويشخص فيه مكامن الخلل، ويخلص إلى أن السبب قديم. هذا كل ما يمكن قوله بخصوص ما وقع خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الحكومة. أصيبت بنفس اللوثة التي جعلت الحكوميين الحاليين يهاجمون، وبشراسة، وزراء الأمس وحكومييه. واكتشفوا أن التفرج على البحر وهو يمرح بأمواجه يختلف تماما عن ركوبها، أو هكذا قال رئيس الحكومة، ذات اعتراف، بأن داء العطب قديم.. قديم جدا. جربوا الصعود على الأقدام، فالمصعد الذي طالما ركبتموه لم يكن معطلا، كان هناك فقط خطأ في التسمية، فقد كان دائما في وضعية النزول.
ساحة النقاش