<!--
<!--<!--<!--
المسجد الأقصى محاصر .. بالأموال الإماراتية!
+
Breaking News:عاجل-الأخبار-عبد الرحمن نصار
27 أيار ، 2016
لا يبدو، بالنسبة إلى دول خليجية ومعها شخصيات فلسطينية نافذة باتت تعمل ضمن أطرها، أن أهل القدس تكفيهم ما تفعله إسرائيل بحقهم في معركة البقاء ليل نهار، والهدف هو تكرار نكبة شبيهة بنكبة فلسطين، التهجير عن القدس. في سبيل ذلك، تتحول حياة الناس هنا إلى سلسلة من الصعوبات اللامتناهية، ويبادر أولئك إلى "تعزيز" الصمود المقدسي بطريقتهم التي تلبي الهدف الإسرائيلي، أي تحويل المدينة المحتلة إلى عاصمة إسرائيلية ديموغرافيا... لعل ذلك ينهي أحد أهم الملفات العالقة في طريق التسوية، أو قل بيع أهمّ ما تبقى من فلسطين.
من المضحك المبكي أن إحدى الخطوات العربية لـ"تعزيز" صمود أهل القدس هي تسهيل ومساعدة سماسرة أو شخصيات فلسطينية ناشطة على شراء عقارات من مقدسيين، تحت عنوان أن شراءها من الذين باتوا لا يستطيعون العيش في البلدة القديمة، مثلا، سيساهم في الصمود بوجه التوسع الاستيطاني، وعلى حين غرة تباع لجمعيات إسرائيلية في وقت مناسب، فيستيقظ أهل الحيّ على وجود المستوطنين بينهم بدعوى أنهم صاروا ملاكا قانونيين. تماما كما حدث مع نحو ثلاثين شقة، في وادي حلوة في سلوان، قبل قرابة عامين، أو مثل ما يحدث في حالات بيع مباشرة (الأسبوع الأول من أيار 2016) بعدما بات الأمر سهلا ولا أحد يلاحق أو يحاسب.
في تلك الأيام(2014)،سارعت"الحركة الإسلامية"(الجناح الشمالي)، في الأراضي المحتلة، إلى توجيه أصابع الاتهام بصوت عالٍ إلى الإمارات بصفتها واقفة خلف تمويل هذه العملية، واعدة بتقديم دلائل "تكشفها الأيام". كذلك هددت السلطة الفلسطينية بملاحقة المشترين الفلسطينيين (الطرف الثالث)، دون أن تشير إلى من يقف وراءهم، أو ماذا تفعل مع من تمسكه منهم... ومنذ ذلك اليوم، يبدو أن هناك من سَكت وهناك من أُسكت.
تكشف وثائق تفصيلية،حصلت عليها "الأخبار" بشأن بيع أحد العقارات المقدسية في البلدة القديمة في القدس، عن فضيحة كبيرة تطاول أطرافا عدة. في البداية، كانت فرضيات هذا التحقيق مبنية على وقائع سابقة، أي أن الوثائق والعقود والسجلات التي تثبت عملية بيع جرت بين شخص فلسطيني يحمل الهوية الإسرائيلية،وإحدى العائلات المقدسية الشهيرة،ثم تنازل هذا الشخص عما اشتراه لشركة إماراتية،جعلنا نصرخ:"حصلنا على الأوراق التي قد تثبت بيع القدس لإسرائيليين بأموال إماراتية". لكن الذي اكتشفناه خلال البحث والتحري، والفرضيات الناتجة منه، كانت أكبر من ذلك بكثير؛ فالعقار (محلّ البيع) لم يسلم لمستوطنين حتى صدور التحقيق، برغم أن عملية بيعه جرت في الخامس من تشرين الثاني 2014، أي بعد شهر واحد من حادثة اقتحام المستوطنين شقق سلوان (30 أيلول - 5 تشرين الأول 2014). كما أن الوسيط الذي اشترى العقار أشهر من نار على علم لدى كل من السلطة وإسرائيل والجمهور الفلسطيني، وسبب دخوله شخصيا في هذه الصفقة كان مثار استفهام ومن الأسئلة المحيّرة، في ظل أن مشغّله يستفيد منه في أمور، بالنسبة إليه، أصعب من بيع بيوت القدس لإسرائيل!
بالتدقيق أكثر في العقار والعناوين المقدمة في عقود البيع،والشركة التي تقف خلف عملية البيع، كان الباب يفتح وراءه عشرة أبواب، والأسماء تتوالى. برغم ذلك،فإن الأسئلة في هذا التحقيق بقيت أكثر من الإجابات،ما اضطرنا إلى صياغتها على شكل فرضيات، لكنها أسئلة من النوع التي يمكن وصفها بأنها تجيب نفسها بنفسها، خاصة مع تحليل سياقات الأحداث التي تزامنت في أوقات متقاربة، وهو ما أضاف على فريق العمل عبء تحقيقين آخرين.
يمكن لنا ترتيب نتائج التحقيق وفق أكثرها مُصابا، لأن بيع بيوت القدس للمستوطنين، خاصة البلدة القديمة المحيطة بالمسجد الأقصى، لم يكن المصيبة الوحيدة. فبعد التحري من مصادر أمنية وأخرى مقدسية، تحدثت إلينا خلال إجراء التحقيق، تبين أن السلطة الفلسطينية، التي توعدت بملاحقة مسربي البيوت، وصلت إلى عدد ممن باعوا بيوتهم. وفيما اعتقل بعضهم وصدر بحقهم أحكام (من دون إثارة أخبار حول ذلك)، وفق القانون الذي أصدره رئيس السلطة، محمود عباس، بالأشغال الشاقة المؤبدة، بعد تعديل القانون الأردني، كان مسؤولون آخرون يجبرون عدداً من مسربي العقارات على تقديم حصّة من الأموال التي تلقوها مقابل خيانتهم الأولى، وإلا فإن مصيرهم الاعتقال، كما حدث مع بعضهم، ليضيف هؤلاء خيانة ثانية إلى سجلات القضية، مع أنه لا شيء يؤكد هل يعلم عباس بذلك أم لا؟
حتى إن الطرف الذي يبلغ هؤلاء المسؤولين بأسماء وبأماكن المقدسيين ممن باعوا البيوت،هو"الارتباط المدني الإسرائيلي" بعدما يكون عرف بتفاصيل العقود من الجمعيات الاستيطانية. بل أكثر، إحدى العائلات التي تجرأت وتحدثت معنا، قالت إنها راجعت مسؤولين في السلطة للتأكد من سلامة بيعهم أحد بيوتهم لسمسار،أكدوا لهم أنه "نظيف أمنيا"،ثم ما لبث أن سلم البيت لمستوطنين. وعندما عاودوا مراجعة أولئك المسؤولين، قالوا لهم إنهم لم يتوقعوا أن يفعل السمسار ذلك.
ثمة ما هو أدهى وأمرّ، وهي قضية التحقيق المتعلقة بأحد البيوت الذي لم يسلم للمستوطنين رغم أن عملية بيعه كانت منذ عامين، وهو ما ظلّ يلح علينا بالاستفهام عن سبب بقائه على حاله برغم تسجيله على اسم شركة إماراتية، وكذلك عن سبب اختيار هذا الوسيط للشراء دون غيره.
فرضيات ثلاث
انطلق هذا التحقيق من ثلاث فرضيات: الأولى مستنبطة من تسلسل بيع العقارات في القدس، أي أن هناك من علم بما يفعله بعض مسؤولي السلطة مع جزء ممن باعوا بيوتهم وقايضوهم على جزء من المال، وهو على عداء معها (لا يوجد ما يؤكد أن الرئاسة تعرف بأمر المقايضة)، فقرر أن يفعل مثلما يفعل سماسرة الأرض المقدسة، فيشتري عقارا ليسلمه للمستوطنين، منتظرا اتصالا من أحد ما في رام الله يقايضه بحصّة من المال، كي يوقع السلطة في فضيحة يمكن العمل عليها إعلاميا وبصورة كبيرة، ويتمثل دورا وطنيا هو أبعد ما يكون عنه، فضلا عن أن هذه الفرضية تصطدم بطبيعة الشركة التي تنازل لها ومصير الحي الذي اشترى فيه.
أما الفرضية الثانية،وهي أسوأ مما قبلها، فتؤدي إلى أن يُستغل المبنى لأعمال الشركة الإماراتية الشارية، وبالتأكيد هي أعمال لا تسرّ ولا تبشّر.
وتبقى الفرضية الثالثة على بساطتها ووضوحها: ليست إلا عملية واحدة من عمليات بيع بيوت وأراضي البلدة القديمة الملاصقة للمسجد الأقصى، لإسرائيل، بأموال إماراتية، بانتظار الوقت الملائم للتسليم، خاصة أن ثمانية بيوت محيطة بالعقار صارت برسم المستوطنين، و"تعزيز الصمود" لن يكون حتما بشراء بيت دون إسكان فلسطينيين فيه.
القصة بدأت عام 2013، حينما وقّع فادي (أحمد حسين) السلامين، الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، وللأخيرة قصتها (انظر التحقيق الثاني بعنوان، السلامين: "أسطورة" النخبة الفلسطينية وبطل الجنسية الإسرائيلية)، عقد تأسيس شركة (الوثيقة الأولى)، مع مريم (حسين نصار) سلامين (عمّته)، اسمها شركة "السرينا العالمية للتجارة والاستثمار"، على أن يدخل في نطاق عملها "الاستيراد والتصدير والأنشطة العقارية وتجارة الأغذية والمشروبات والتبغ"، وذلك في العاشر من أيلول من تلك السنة.
لكن عام 2013 يعني حدثا مهما في حياة فادي السلامين، الذي كانت آخر زيارة له إلى مسقط رأسه في الخليل عام 2010؛ والحدث هو مرور سنتين على بدء الخلاف الكبير بينه وبين السلطة الفلسطينية، تحديدا منذ 2011 عندما انقلب فادي على الإشارات الإيجابية التي حوتها صور جمعته برئيس السلطة، محمود عباس (2009 في المغرب)، وبرئيس الوزراء السابق سلام فياض (2008)، ثم بدأ شن هجوم لاذع على عباس تحديدا، بعدما بات من "رجال محمد دحلان".
هذا يطرح السؤال رقم واحد: كيف أعطي السلامين مجالا لتأسيس شركة وترخيصها في الوقت الذي وصل الخلاف فيه إلى أشده مع السلطة، بل رأسها؟ سؤال ثانٍ تطرحه الوثيقة الثانية، التي تظهر أنه في السادس والعشرين من الشهر نفسه (أيلول 2013)، مُنح السلامين، فادي ومريم، ترخيص عمل لدى السلطة (صادر عن مراقب الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني)؛ فالمسافة الزمنية ما بين التأسيس والتسجيل، 16 يوما، قصيرة جدا، مقارنة بما تحتاجه جمعية خيرية، فضلا على أن تكون شركة تجارية، للحصول على تسجيل، قد يمتد إلى ثلاثة أشهر في حال كان صاحبها أجنبياً، بعد التحري والتدقيق والإجراءات الروتينية.
أما السؤال الثالث، فهو: كيف يُمنح الترخيص لشخص يقدم نفسه على أن عنوانه هو بئر السبع (فلسطين المحتلة) ويحمل جنسية فلسطينيي الـ48 ومهنته "تاجر" وهو يقيم في الولايات المتحدة منذ كان عمره 14 سنة، ولا يحمل أي عضوية تجارية فلسطينية؟، علما بأنه يحتاج وفق القانون الفلسطيني إلى موافقة أمنية خاصة ليفتح شركة مرخصة في المناطق التابعة للسلطة. بل كيف يحصل على هذه الموافقة في ظل "حرب" معلنة على السلطة ورؤوسها، من أكبر المنابر الإعلامية الدولية والإسرائيلية؟ والأكثر غرابة أن أوراق التسجيل تظهر أن شريكته (مريم سلامين) تعمل "ربّة بيت"، ما يؤكد بلا شك أن ثمة يدا خفية أسّست وسرّعت له هذا الترخيص!
لم يدم الوقت طويلا حتى تبين الهدف من هذه الشركة، الحاصلة على رقم ترخيص 562527804 برأسمال قيمته مئة ألف دينار أردني (49 ألفا لفادي و51 ألفا لمريم) ولا يظهر تسجيلها إلا في موقع فلسطيني واحد. ففي العشرين من تشرين الثاني من العام نفسه (2013)، تظهر وثيقة ثالثة أن السلامين قدم"تنازلا مسبقا"عن العقار المنوي شراؤه في القدس،وذلك لمصلحة شركة إماراتية تدعى "الثريا للاستشارات والبحوث "، ومقرها في أبو ظبي.
ساحة النقاش