<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المصادفة في ظهور حمد بن جاسم وجهلنا
الأحد 24 نيسان 2016
إيهاب زكي - بيروت برس -
فشلت الثورة الفلسطينية في تحقيق مشروعها الوطني والهدف الرئيس الذي انطلقت من أجل تحقيقه، وهو تحرير الأرض وإقامة الدولة المستقلة، فكان لا بد من البحث عن الحلقة المفقودة، فاهتدى الجمع إلى فكرة التنسيق الأمني المنبثقة عن اتفاقيات أوسلو، حيث يصر الناطقون باسم تلك الثورة الاتفاقية، بأنّ التنسيق الأمني يصب في خدمة المشروع الوطني، وهذا يعني أن مفهوم المشروع الوطني ما قبل أوسلو هو خطأ فادح، وهو ما أعاق المشروع الوطني لعشرات السنوات، حيث أنه كان بلا تنسيق أمني. وعلى كل حال لا أعرف ماذا يُسمى هذا المنطق، لكنه نفس المنطق الذي تُدان به المقاومة، ونفس المنطق الذي يجعل من آل سعود حماة العروبة وحراس العقيدة، وهو ذاته الذي يجعل من إيران عدو ومن "إسرائيل" حليف، وهو ما يجعل من بندقية حزب الله طائفية إرهابية، فيما طائرات العدوان على اليمن تحالفًا مقدسًا، وهو ما يجعل من كل سلاحٍ بوصلته فلسطين، هي بوصلة حمقاء مغامرة لا واقعية، فيما كل مبادرة سعودية أو عربية بوصلتها "تل أبيب" هي الحكمة والموضوعية والعقلانية.
وهو نفس المنطق الذي يتحدث به حمد بن جاسم وزير خارجية قطر ورئيس وزرائها االسابق، أو بالأحرى هو المنطق الذي يجعل منه صريحًا حد الوقاحة، فلم يكن حديثه لـ"الفايننشال تايمز" قبل يومين أولها، قد تكون الأولى بعد تجريده من مناصبه الرسمية. فقبل ذلك وأثناء اجتياح "إسرائيل" للضفة الغربية، كانت أولى تصريحاته الصادمة حيث قال "أن العرب ضعفاء ولا يستطيعون مساعدة الفلسطينيين، وعليهم أن يتوسلوا إلى الولايات المتحدة لوقف العنف، وكلمة توسل تزعجني لكنها البديل الوحيد، لذلك نحن نتوسل للوسيط الأمريكي لأنه الطرف الوحيد القادر على ردع شارون ووقف حمام الدم ضد إخواننا في فلسطين"، وهذا التصريح رغم واقعيته القاسية حينها، إلا أنه كان بمثابة رسالة إلى شارون، بأنك تملك كل الوقت، حيث تعرف أن اكتفاءنا بالتوسل كسلاحٍ حصري، لن يدفع أمريكا للضغط عليك فواصل ما بدأت. ثم في عدوان 2008 على قطاع غزة، دعت قطر إلى قمة غزة في الدوحة، فلم يكتمل نصاب القمة القانوني، حيث كان العرب يرغبون بالإجهاز على منطق المقاومة وإراحة "إسرائيل" من هذا الصداع منذ قمة شرم الشيخ، وقال حينها الوزير القطري تعليقًا على رفض حضور محمود عباس للقمة: "قلت للرئيس عباس إذا كان عدم الحضور بسبب المنع الإسرائيلي، نستطيع التدخل لتذليل هذه العقبة، لكنه أجابني بأنّ حضوري القمة هو ذبحٌ من الوريد للوريد"، وكان هنا يشير للضغط المصري السعودي المزدوج على الرئيس عباس.
وكان في حينها تصريحًا ناتئًا في تناول القيادات العربية لشؤونها البينية بهذه الفجاجة، وكان عباس في حينها ومازال وسيظل في ما يسمى محور الاعتدال، ووجود قطر في هذا المحور جعل دورها يتضخم وظيفيًا مقابل الدور السعودي. ويبدو حينها أنّ الولايات المتحدة قد اعتبرت أنّ إسلاميي قطر-الإخوان- أكثر قابلية للتدجين من إسلاميي السعودية-القاعدة-، وهذا ما يفسر صعود الدور القطري مقابل الدور السعودي بداية ما سمي بـ"الربيع العربي"، ولكن اللافت أن الشخص الذي يدعو إلى قمة نصرة لمقاومة "إسرائيل" هو ذاته الذي يطرح تنسيقًا معها إن عجز عنه رب التنسيق معها محمود عباس، وكان الأمر مستساغًا حينها شعبيًا ورسميًا، فقطر التوسل والتنسيق و"التنعيج" لاحقًا، هي عضو محور الممانعة مقابل محور الاعتدال، حيث أضاف الوزير صفة النعاج في مؤتمر الجامعة العربية لمناقشة العدوان الجديد على غزة عام 2012، حيث قال"هم-إسرائيل- ليسوا ذئابًا ولكن أغلبنا أصبحوا نعاجًا". وأضاف بصيغة التهديد والقيادة "في عدوان 2008 نحن نعرف من تآمر ومن لم يتآمر"، في إشارة أيضًا إلى مصر والسعودية والسلطة الفلسطينية، وما كانت هذه الإهانة لكل المجتمعين إلا إشهارًا لسطوة قطر على الجامعة العربية وبالتالي المشهد العربي لسنواتٍ قادمة، قبل أن تتراجع تلك السطوة لصالح السعودية، وهو ما ذكره الوزير في حديثه الأخير للجريدة البريطانية، حيث قال "سأقول شيئًا ربما أدلي به للمرة الأولى، عندما بدأنا ننخرط في سوريا في بدايات 2012 كان لدينا ضوء أخضر بأنّ قطر هي التي ستقود لأن السعودية لم ترد في ذلك الوقت أن تقود. بعدها حصل تغيير في السياسة، ولم تخبرنا السعودية بأنها تريدنا في المقعد الخلفي. وانتهى الأمر بأن أصبحنا نتنافس فيما بيننا وهذا لم يكن صحيًّا".
ويبدو السؤال سخيفًا جدًا عن الجهة التي تعطي لقطر والسعودية أضواءً خضراء بعد صفات التوسل والتنسيق والتنعيج، والأشد سخفًا هو الدفاع عن براءة "ثورة" أرادت لسوريا منطقًا قطريًا في البقاء، توسلًا وتنسيقًا وتنعيجًا، فما يُسمى بـ"المجلس الوطني" الذي أنشأته قطر وعيَّنت برهان غليون على رأسه، قبل حتى أن تنبس إيران أو حزب الله ببنت شفة حول "التظاهرات" قال غليون بأنه فور سقوط "النظام" سيقطع علاقة بلاده مع إيران ويغلق مكاتب حزب الله وحماس والجهاد في سوريا، وحماس ذهبت إلى قطر زمن الضوء الأخضر الأمريكي لإسلاميي قطر، قبل فشلهم واستبدالهم بإسلاميي السعودية. والآن، وفي ظل ما يبدو أنه توتر في العلاقات الأمريكية السعودية تبرز تصريحات الوزير، خصوصًا لفتته المهمة حول "عقيدة أوباما" حيث برر إحباط أوباما من حلفائه قائلًا "نحن كعرب أظهرنا أننا حليف لا يمكن الاعتماد عليه فلا ألومه". وبإسقاط هذه الفقرة على فقرة من يقود ومن يجلس بالمقعد الخلفي، يبدو أننا أمام ضوء أحمر أمريكي لوقف المناكفات الصبيانية بين محور إسلاميي قطر ومحورهم وإسلاميي السعودية ومحورهم، في سبيل إثبات أنهم حلفاء جيدين ويمكن الاعتماد عليهم، وهذا قد يعني تصعيدًا موحدًا للضغط على سوريا، بكل ما يحمل هذا الضغط في ثناياه من دماء ودمار.
يقول بيير لابلاس إن "المصادفة هي الاسم الذي نخفي به جهلنا"، فمصادفة عودة حمد بن جاسم للأضواء مع انسحاب وفد الرياض من مفاوضات جنيف، مع إطلاق ما سمي بمعركة "رد المظالم"، مع اجتماع حكومة العدو الصهيوني على أرض الجولان، مع زيارة أوباما للسعودية واجتماعه بأعضاء مجلس التعاون الخليجي، مع انتهاء قمة المؤتمر الإسلامي بإدانة إيران وحزب الله، حيث نوّه بن جاسم إلى أن إيران أكثر ذكاءً من العرب، فقد تفاوضوا سنوات طويلة وانتصروا، وباطن القول عدوانيًا لا مديحًا كظاهره، حيث إن أي تفاوضٍ عربي مع إيران على شؤون المنطقة هو حتمًا لصالحها، والقوة الأمريكية أو "الإسرائيلية" أو كلاهما هي الحل، كل تلك المصادفات وغيرها بالتزامن مع تصريحات بن جاسم، تؤكد أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وأن جهلنا به هو الحقيقة الوحيدة.
ساحة النقاش