<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
شكراً للعدوان السعودي
26 آذار ,2016 05:29 صباحا
<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->عربي برس _ صحف
(1)
حين سألتني إحدى المذيعات أن أعلّق على مرور عام على حرب آل سعود ضد فقراء اليمن، كانت إجابتي: «شكراً للعدوان السعودي». لم أكن أمزح، بل كُنت أعنيها وتخصّني على نحو شخصي تماماً. لقد كان العدوان فرصة كي أُسقط أولئك الأصدقاء الذين أثقلوا كاهلي طوال سنوات كثيرة.
لو تركت جانباً حجم الفقد الذي شعرت به في خلال عام من «حفلة الدم» السعودية إلى جانب الموت الذي يلاحق حياتنا برّاً وجوّاً، والذي يأتينا من كل الجهات، بحيث بدا أن حياة الواحد منا متوقفة على الصدفة وحدها... لو تركت كل هذا جانباً فسيكون المجال مُتاحاً لقول الأشياء التي خرجت بها رابحاً من هذه الحرب. أولها وأهمّها امتلاك القدرة على تمييز الخبيث من الطيّب، خصوصاً بين الرفاق وأصدقاء السنوات الطويلة الماضية، أو الذين كنت أعتقدهم أصدقاء. وكأني كنت بحاجة لحدوث عدوان على البلد كي يتضح أنهم لا يختلفون عن أيّ جماعة أصولية سلفية وهابيّة تتخذ من شعار «الخروج على الجماعة» وسيلة لتهديد معارضيها، وبالتالي إسكاتهم. ظهر ذلك عندما اخترعوا صيغة «التحويث» لأيّ فرد له رأي رافض للعدوان السعودي، وفجأة تصير «حوثياً» لمجرد أنك قلت رأياً مخالفاً ولم تلحق بعضهم إلى «الأرض الحرام». لقد أقاموا محاكم تفتيش وقالوا بعدها: «أنت حوثي»، وانتهى الأمر. وتبدو في هذا الإطار تهمة «الحوثية» وسيلةً للارتزاق وجمع المال بسببك، فكلما نجحوا في صناعة عدو للسعودية، زادت نسبتهم من «الغنيمة». هذا أمر يقرّبهم من البلاط الملكي ويسجّل نقطة لمصلحتهم. يدخلهم كُشوف «صندوق نائف» وضمان مزاياه اللاحقة. ولنترك جماعة «الإخوان المسلمين» (الفرع اليمني) هنا جانباً. فهؤلاء لا يخفون ارتباطهم بدائرة المال السعودي. هم الذين عاثوا فساداً في البلد ونهبوا من المال العام ومن مال الفقراء، بسبب نفوذٍ أتاحته لهم سلطة الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي كان يستفيد من وجودهم في صلب نظامه ليضفي عليه شرعية دينية.
المشكلة ليست في هؤلاء الذين كانوا واضحين في فسادهم، بقدر ما هي في جماعة «التنظيم الناصري» وبعض كبار الحزب «الاشتراكي اليمني» ممن صارت الرياض مقراً لهم، ومال آل سعود زاداً لهم في الحياة ومصدراً للثراء. هؤلاء الذين كنتُ قد تعلّمت منهم أن المرادف الأول لمعنى الرجعية هو «السعودية الوهابيّة»، وأهدوني في وقت ما شرائط كاسيت تحتوي خطابات الزعيم جمال عبد الناصر التي تضع آل سعود في مصافّ «العدو الأول للأمة العربية»، ويقول فيها إن «حذاء جندي عربي أثمن من مملكة آل سعود». لقد تجاهلوا كل ذلك، وذهبوا لتسليم أمرهم لـ«جلالة الملك» و«سموّ الأمير»، متناسين عن عمد عدم قدرة أصحاب «الجلالة والسموّ» على التعامل مع كائنات نزيهة لها رأيها المستقل، وإن هؤلاء لا يقبلون سوى المرتزقة والمنتفعين من الذين لا يفهمون إلا لغة المال.
لكن الغريب في المسألة، أن يستوي اليساري واليميني المتطرف في السلوك نفسه وكأنما اتفقا على مصلحة واحدة مقرّها الرياض. وعليه ظهر كل هؤلاء على خطوة واحدة، يسيرون خلف القادة الذين سبقوهم إلى هناك في تطابق لافت مع فكرة «القطيع» نفسها التي كانوا ينتقدونها في الأيام الخوالي.
هكذا قلتُ «شكراً للعدوان» الذي كان سبباً في جعل حياتي خفيفة، بعدما أسقطت عن كاهلي كل تلك الأثقال البشرية التي كانت تُعطل سيري في الحياة باسم الصداقة التي لا تميّز بين الخبيث والطيّب. ها أنا اليوم أستعيد حياتي.
(2)
تقصف الطائرة ليلاً، تقصفنا مثل كل ليلة، ثم تعود إلى بيتها في «اﻷرض الحرام». أحياناً تبقى تطير في سمائنا من دون قصف فأبقى داخل القلق المُضاعف، لأن وقوع القصف أهون من انتظاره، كذلك إن حصول الموت أرحم من انتظار الوقت كي يأتي. تقصف الطائرة وتعود سريعاً إلى قاعدتها لينهض الناس من نومهم على نحو مفاجئ. يخرجون من بيوتهم التي لا تزال صامدة، ويذهبون إلى البيوت التي طاولها القصف وصارت تراباً يبحثون تحت ركامها عن أحياء. هي محاولات لا يكتب لها النجاح دائماً مع حقيقة استحالة وجود أحياء من الأساس. ومع ذلك يقوم الناس بمحاولاتهم بدافع من روابط العِشرة والعيش والملح. يفعلون ذلك وكأنهم يقولون لأنفسهم: «لقد أدّينا واجبنا»، فلا يقعون في مأزق تأنيب الضمير.
في واحدة من ليالي القصف تلك، نجحوا في إخراج جثة امرأة كان لافتاً أنها ترتدي كامل ثيابها. تلك الثياب التي تُطابق ما ترتديه النساء عادةً عند خروجهن من بيوتهن إلى السوق أو لزيارة أقارب. هي تلك الثياب التي ترتديها المرأة، أيّ امرأة في هذه البلاد المُحافِظة حين تقرر الخروج من بيتها. ترتدي ثياباً لا تكشف منها شيئاً سوى عينيها عبر فتحة تساعدها على تأمّل خطواتها على الطريق.
كتب طالب صنعاني على «فايسبوك»، أن والدته الطاعنة في السن أخبرته عبر الهاتف أنها أصبحت تذهب للنوم وهي ترتدي كامل ملابسها. «أشتي (أريد) أموت مستورة» قالت لابنها. لقد صارت كل أماني هذه السيدة أن تموت «مستورة» وألّا ينكشف أي جزء من جسدها أمام عيون غريبة حين يأتون لرفع التراب عنها وقد صارت جثة تحت ركام بيتها. ترتدي كامل ثيابها قبل النوم حتى لا ينكشف جسدها ويقع عقاب الله عليها يوم الحساب. هل ستعاقبها يا الله؟
ساحة النقاش