<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
صناعة الجحيم
23 شباط ,2016 02:35 صباحا
عربي برس: سنان أنطون
«هناك مكان خاصّ في الجحيم للنساء اللواتي لا يساعدن النساء الأخريات». هذا ما قالته مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، لحثّ الناخبات الأميركيّات على التصويت لدعم هيلاري كلينتون في سعيها للترشّح عن «الحزب الديمقراطي» في انتخابات الرئاسة الأميركيّة قبل أسبوعين. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي استخدمت فيها أولبرايت هذه المقولة، لكنها أثارت تعليقات حادّة وانتقادات شتّى، وتحديداً من ناشطات ونساء شابّات استهجنّ أن تملي عليهنّ سياسيّة من جيل آخر ومن النخبة السياسيّة، ذات تاريخ وسجلّ إشكاليين، إن لم نقل إجراميّين، خياراتهن السياسيّة المبنيّة على حسابات وأولويّات مختلفة ترتكز على الوضع الاقتصادي البائس ومشاكل أخرى زرعت بذورها أثناء فترة حكم بيل كلينتون الذي كان رئيساً بين1993و2001 والذي كانت أولبرايت وزيرة خارجيته في فترته الرئاسية الثانيّة وأول امرأة تشغل هذا المنصب. ومن هنا ظهورها على مسرح الحملات الانتخابية كمثال على النجاح السياسي المؤسساتي.لقد ذكّرتني مقولة أولبرايت عن الجحيم بجملة أخرى ذات وقع أليم كانت قد تفوهت بها في أيار العام 1996 عندما كانت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. سألتها الصحافيّة ليزلي ستال في برنامج «سكستي منتس» الشهير عن سياسة العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على العراق آنذاك: «لقد مات أكثر من نصف مليون طفل في العراق، وهذا أكثر من مجموع الأطفال الذين ماتوا في هيروشيما، فهل يستحق (الهدف) هذا الثمن؟ وكان جواب أولبرايت: إنّه خيار صعب، ولكن:نعم».كان لنصف المليون طفل الذين قضوا أمّهات، نساء.لكنهنّ لم يكنّ من مقام أو«عرق»النساء اللواتي يستأهلن دعم النساء كـ «واجب عيني»في قاموس أولبرايت وأخريات وآخرين من الليبراليين الذين يحبّون الحروب كلّما استطاعوا إليها تبريراً. وكانت العقوبات الاقتصادية حرباً مدمّرة لا تقل خطورة عن الحرب التقليدية. ولكنّها كانت لا مرئيّة، كما سمّتها الباحثة الأميركيّة جوي غوردون في كتابها المهم «الحرب اللامرئية: الولايات المتحدة وعقوبات العراق» الذي صدر عن دار نشر«جامعة هارڤارد»،والذي يبيّن ويوثّق كيف كان نظام العقوبات أداة للقتل الجماعي ولتدمير المجتمع العراقي.وقد كان واضحاً منذ البداية أن العقوبات لن تضعف نظام الطاغيّة،بل سيستفيد منها هو وأعوانه.أول ما خطر على بالي وأنا أسمع أولبرايت تتحدث عن الجحيم والأماكن الخاصّة فيها أن مكانها محجوز في الدرجة الأولى وينتظرها.وتذكّرت قصيدة بابلو نيرودا التي يتخيّل فيها الأعمال الشاقّة التي يمكن أن يؤديها هتلر في الجحيم والعذاب المناسب لجرائمه.لكن حتى لو افترضنا وجود الجحيم، فإن قرناً من العذاب الذي قد يقع بأولبرايت لن يعيد ابتسامة طفل واحد إلى الحياة. لا عذاب، مهما كان قاسياً، لأي مجرم آخر من «العالم الحر» كما يحلو للبعض أن يسمّي الديمقراطيات الليبرالية،أو من عالمنا«اللاحر»سيعيد القتلى إلى الحياة.«إن جحيم الأحياء،إن وجد، ليس شيئاً سيكون.بل إنه هنا. الجحيم الذي نعيش فيه كل يوم» كما كتب الإيطالي الفذ إيتالو كالڤينو. لقد كبر الجحيم الأرضي في السنين الأخيرة،ولكن نيرانه لا تنتشر بصورة متساوية في كل الاتّجاهات.كما أنه متعدد الجنسيّات والمنشئ،شرقاً وغرباً،تتم صناعته وإدامته وتوسيعه بطرق شتّى،على الأرض،ومن السماء. هناك من يذبح ومن يشنق ومن يرجم ومن يفخّخ ومن يرمي ومن يقصف بطائرات من دون طيّار وأخرى بطيّار ومن يجوِّع و.. وهناك أيضاً من لا يلوّث يديه بالدم أو قدميه بتراب الخندق، بل يجلس في مكتب أنيق في قارّة بعيدة، ويفكّر بجعل الجحيم أكثر كفاءة.أما أولـبرايت، فقد قلّدها أوباما العام 2012 نوط الحرية الرئاسي، أعلى نوط مدنيّ في الولايات المتحدة. وهي تترأس شركة استثمارات عالميّة ومكتب استشارات إستراتيجية عالميا يعمل مع عدد من دول المنطقة.
ساحة النقاش