<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
الانتفاضة: صمدنا مئة عام وهلعوا في مئة يوم!
26 كانون الثاني ,2016 02:47 صباحا
عربي برس: عادل سمارة
الحدث هو الأساس. إذا التقطناه نفهم حركة التاريخ ونمسك بعنان الزمن في مداه اللحظي على الأقل. وإن لم نفهمه نصبح لحماً تلوكه عجلات الزمن وحسب. أعمق وأدق درس في هبَّات وحراك وانتفاضات الشعوب هو في التقاط الناس أو بعض الناس للحدث والبناء عليه. وهنا تكون الفرادة بل هنا تكون القدرة على السيطرة على المكان عبر تشغيل الزمن لمصلحة الإنسان.
وقد يكون هنا الفارق بين حرق الزمن عبثاً، وتوظيفه فعلاً. تعلَّم الإنسان من الحدث أن الحدث يفرض نفسه، يتحرك طبيعياً بمعزل عن توقعاتنا وقراراتنا ورغباتنا. هو مستقل عنا، ويكون دورنا وقدرتنا في درجة الإحاطة به والتفاعل معه وتوجيهه او قيادته. بكلام آخر، الحدث يُعلِمنا ويُعلِّمنا ان الواقع المادي ليس طوع قرارنا، وأن فهم هذا الواقع وخاصة حين يفرز حدثا، هذا الفهم هو مفتاح قدرتنا على الارتفاع لمستوى الحدث كي لا نكون مطايا للحدث نفسه.
هكذا كانت الانتفاضات الفلسطينية الثلاث، وهكذا كانت الثورة المضادة «الربيع العربي»، وهكذا أحداث التاريخ.
لست مع الذين يرون أن هزيمة العدو قاب قوسين أو أدنى، لكنني لست مع من يرفض أي شكل من المقاومة لأنها جداول تصب في الطريق إلى النصر. وفي تقدير كل شكل من المقاومة يكمن موقف نقدي مشتبك هو رفض استدخال الهزيمة لأنها ببساطة لا مقاومة وتقديم المزيد من اللحم الحي للفاشي.
إن الانتفاضة الحالية واسعة كانت أم ضيقة لا بأس، ولكن مجرد حدوثها هو درس تاريخي يقول: «إذا كانت الثورة المضادة في الوطن العربي قد ولدت الإرهاب الوهابي بمفصلاته التركية والداعشية الإخوانية» فإن الفلسطينيين يعرفون أن ذلك الإرهاب هو الحاضنة الواسعة للإرهاب الصهيوني، ولذا يردون مؤكدين أن الحدث المقاوم لا ينتظر أحداً، وسيبقى هو مهماز أو سُفُّود كَيّ الوعي الشعبي العربي وسينجح.
في معرض انهماك الثورة المضادة لشل الانتفاضة الحالية يُستعاد الشعار المهزوم: «يا وِحِدْنا»، الشعار الذي تولد عن «استقلالية القرار الفلسطيني» وكان وليده الكارثي «أوسلو-ستان» ومن هذا المسلسل يتولد اليوم على يد أطراف الثورة المضادة (العدو الأميركي والصهيوني والرجعي العربي/ الإسلامي ومستدخلي الهزيمة من الفلسطينيين) شعار أن «الانتفاضة دافعها شعور الفلسطيني باليُتم».
وهو تفسير خبيث وجزء من حرب نفسية مدروسة بحنكة. فمن تخلى عن فلسطين هو الثورة المضادة الفلسطينية والعربية والإسلامية لا الشعوب. هم الحكام المحكومون باليد الإمبريالية والصهيونية القوية عليهم والضعيفة أمام الجماهير. هذه الأنظمة وحكامها هي التي شلَّت الشارع بل أغرقته في حرب دموية طائفية الشكل والتفسير إمبريالية ورأسمالية الدوافع والأهداف. فالشارع الجائع والمقموع، الذي يتعرض للموت في حياته اليومية لا يُشغل بفلسطين إبان مأزقه ولكنه يختزنها في قلبه لذات يوم. لذا، ليس الأمر تغير موقف الناس، بل جريمة التوابع.
من مأثورات اللهجة العراقية في فلسطين ذلك القول بمرارة من قادة الجيش العراقي في حرب 1948 «ماكو أوامر»، أي ما من أوامر بالقتال من جانب الحكومة العراقية آنذاك التي كانت بتعيين الاستعمار البريطاني. فقد أُرغم الجيش العراقي على الانسحاب بعدما توغل في وسط مستوطنات العدو حتى البحر.
وقعت عيني على قول للعميد الركن المتقاعد علي سلمان الشهري من مواطني الجزيرة العربية - ولاية عسير الواقعة تحت حكم آل سعود الذي قاتل في فلسطين 1948 وأصيب إصابة بالغة في ساقه يقول عن تلك الحرب:
«... ولم يكن يوجد ما يعكر الصفو في أعمال الجهاد والمقاومة إلا الإحباط الذي كنا نواجهه في كل مرة ينتصر العرب فيها تخرج قرارات الهدنة مع اليهود، وما ذلك إلا إعطاء مهلة ومزيد من الوقت للصهاينة للحصول على السلاح والرجال، وكذلك فقد كان لبعض التراخي والخيانة والجواسيس العرب الذين ينقلون الأخبار عن مواقعنا الأثر الكبير في تأخير انتصاراتنا» (انظر كتاب ثوار عرب في فلسطين، تأليف عبد الحكيم سمارة، منشورات شمس، جت المثلث المحتل 1948 نُشر 2015 ص 157).
حدثني أحدهم، ولا يزال حياً، كأحد كبار موظفي سلطة أوسلو قال كنا حين نختلف مع اليهود على قضية في محادثات بروتوكولات باريس نحيلها لمسؤولي الطرفين، فيأتي الجواب بموافقة الطرف الفلسطيني! لم تكتف الثورة المضادة بفزَّاعة «يا وِحِدْنا واليُتم» ولا بتعميق ومحاولة رفع استدخال الهزيمة ليصبح أيديولوجيا في الأمة العربية جمعاء لتحقق تحويل الكيان الصهيوني إلى قيادة تندمج في الوطن العربي اندماجا مهيمناً وبهذا يكتمل تأبيد مصالح الغرب الرأسمالي في الوطن العربي، بل وصلت حد إنتاج «المالتوسية الجديدة» التي أعاد لها الاعتبار والتجديد هنري كيسنجر منذ أربعة عقود حين تحدث عن «ضرورة إبادة الكثير من الشعوب الفقيرة والمتخلفة»، وهو لا يقصد اليهود أبدا، وذلك بإفناء أعداد هائلة من سكان العالم الثالث وخاصة العرب والمسلمين وصولاً إلى عالم تهندسه كما تطيب مصالحها. لذا أدخل تلامذته (من المحافظين الجدد مستخدمين الطرف العربي/ الإسلامي من الثورة المضادة) الشعب العربي في حروب ذاتية بينية بالإنابة عن الغرب الرأسمالي، بدأت في العراق 1991 ثم ليبيا فسوريا فاليمن فمصر... الخ. وهنا لنتذكر دائماً أن الطابور الثقافي السادس بارك كل هذه الحروب أكثر مما مارسها الحكام. فما أكثر من تمتعوا بذبح العراق!
الفرادة الأهم للانتفاضة
تفردت الانتفاضة/ الهبّة الحالية عن غيرها، كما كتبت سابقاً، في أنها نقلت الاشتباك إلى داخل كامل الأرض المحتلة وخاصة القدس. وفي هذا نقد لزعم فريق أوسلو-ستان أن هذا الاتفاق قد نقل النضال إلى الداخل بل هو نقل القيادة إلى الأسر. وتفردت كذلك بحصول درجة ما من تقسيم العمل بين السلطة والشارع بمعنى تردد السلطة في قمع الحراك الشعبي، وإن كانت قد تورطت في ذلك أكثر من مرة بدل ان تبقى مشغوله في الإعلام للخارج وترك الابتكارات الشعبية تتوالد وتتمفصل مع بعضها بعضاً. وعليه، فإن الحديث المقصود عن اليُتم هو أحد مكونات شل الانتفاضة والتخلي عن تقسيم العمل غير المباشر، بالقمع المباشر.
لقد تفردت هذه الهبّة في كونها حراكاً برِّياً إلى درجة كبيرة لم تقُدها القوى، وإن كانت بعض القوى مشاركة فيها بدرجات.
لكن أهم فرادة لهذه الهبة/ الانتفاضة في كونها قد حققت أمرين هامين:
الأول: وهو بإيجاز، أثبتت أننا صمدنا أمام دولة جميعها من الجنود وبأفتك أسلحة متوافرة عالميا، لمائة عام، بينما هزتهم انتفاضة عشرات الشبان والصبايا في مئة يوم مسلحين بالسكين وبمقود السيارة المدنية.
والثاني: هذه الانتفاضة وضعت الفاشية الصهيونية أمام معضلة لا يمكنها حصرها والإحاطة بها.
والمعادلة على النحو التالي:
ــ كل مستوطن صهيوني مدنياً كان أو عسكرياً هو مشروع قاتل لأي فلسطيني في أي لحظة وعلى أي شبر وهو مشروع قتل ممتد منذ مائة عام.
ــ أصبح يشعر ذلك الصهيوني بأن كل مواطن فلسطيني في عموم فلسطين هو مشروع حامل سكين. فاهتز في مائة يوم حيث نُقل الصراع إلى داخل كل الوطن.بمعنى أنهم أمام تنظيم يضم أكثر من خمسة ملايين عضو ولكنه بلا مراتب تنظيمية، بمعنى أن كل فرد هو خلية منفصلة تماماً ومقاتل محتمل من الحلبي حتى نشأت ملحم...هل خطط الفلسطيني لهذه الحرب النفسية؟ لهذا الحدث؟ بالطبع لا. فالحدث يأتي من الواقع الذي يفرز أدواته وبالتالي مفاهيمه وتحليله بالطبع؟
بهذا المعنى اكتشف الفاشي أن:
ــ أدواته الرهيبة للقتل التي زوده بها الغرب الرأسمالي من الفانتوم للدبابة إلى المال إلى العلوم النفسية... الخ قد جرى تحييدها.
ــ الأدوات التي طورها لاعتقال المناضلين بكشف الخلايا والشبكات التنظيمية لم تعد قادرة على التقاط أحد لأنه ذاهب للاستشهاد الفوري. ومن لا يستشهد فليس وراءه سوى قراره. لذا أخذوا يلجئون للقتل الفوري لا للاعتقال وإبقاء المقاتل جريحاً حتى يستشهد.
ــ في ما يخص المخيال أو المشهد، تتطور الحالة الفلسطينية إلى حد غير متخيل سابقاً، وهو شعور كل مواطن بأن له ثأراً شخصياً فردياً مع العدو. لذا، نجد أن شهيداً استشهد وهو ينتقم لشهيد آخر. صحيح أن هذا مختلف عن الموقف الوطني/ السياسي/ الجماعي، ولكنه يمثّل الأرضية الأشد صلابة للموقف الوطني العام.
ــ شبكات الجواسيس (التي تحدث عنها البطل العسيري أعلاه) لم تعد قادرة على «العطاء». فهم لا يعرفون أحداً من هؤلاء الصامتين المتفردين. وقد يقود هذا إلى تسريح كثير من الجواسيس. يا للتفاهة!
ــ أثبتت هذه الانتفاضة للشارع العربي بأن إرهاب الكيان يتغذى من إرهاب الثورة المضادة في الوطن العربي وبأنهما يتصاعدان بتوافق طردي.
ــ وللرد على الإرهاب التكفيري الإنغلو ساكسوني العثماني الفرانكفوني، فإن على الشارع العربي أن يلاقي العدو في منتصف الطريق وفي الساحة المفتوحة كما يفعل الفلسطيني، لا أن ينتظر حتى يُذبح كالشاة.
أمام هذا اللغز الفردي في بنية شعب كامل يحار الفاشي، ماذا يفعل؟
فهو لا يستطيع وعد جمهوره بالأمان الذي جرى تسويقه منذ منتصف القرن التاسع عشر بأن الأمان لليهود من الاضطهاد (الذي لهم دور كبير في اجتذابه ولا يزالون) هو في اغتصاب وطن الفلسطينيين وطردهم منه. وتواصلت هذه المسرحية المتقنة الترتيب والإخراج وتجلت ثمارها في مذابح عُرف منها فقط حتى اليوم 78 مذبحة ضد الفلسطينيين عام 1948 لطردهم من وطنهم. أما لاحقاً في حرب 1967 فدرج في الشارع الصهيوني القول: «لقد دخلت الدولة في حرب وخرجت منها دون ان يدري الشارع بذلك». أما اليوم، فالشارع مرتبك تماماً من فرد واحد!
وترافق مع بيع الأمان بيع الرفاه، ليهود العالم، وهو ما أغرى مليون يهودي وغير يهودي على الكفر بنعمة الاتحاد السوفياتي السابق وخيانة ما منحهم إياه فاستوطنوا فلسطين ليكونوا في سباق على من منهم الأكثر فاشية وخاصة اليهود المستجلبين من إمبراطورية الدم (الولايات المتحدة)، حيث هناك اكبر ثقافة للدم ومخزون للقتل في التاريخ.
هذا الحدث هو نسف لأكذوبة رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو حين دعا يهود فرنسا، وهم الأكثر تأثيرا في سياسة بلدهم كصهاينة/ يهود أميركا في أميركا، ليستوطنوا في ارضنا فلسطين حيث الأمان كما زعم. وربما يعرف هو وهؤلاء أن المذابح ضد اليهود في العالم سابقاً، والمذابح الحالية في الوطن العربي، جميعها في خدمة الاستيطان في فلسطين لأن تلك المذابح مقصود بها توسيع العدوان الغربي على الوطن العربي كي لا يصل أبدا إلى حالة تماسك للصراع مع الكيان، أي يعرفون انه لا بد من ضريبة ما. وهذا ما يفسر خطورة شعارات مثل «يا وِحِدْنا... واليُتم».
ولمواجهة هذه الفرادة الكفاحية الفلسطينية، يلجأ العدو إلى أسلحته التقليدية علَّه يقدم من خلالها ما يُهدِّئ من روع التجمعات الاستيطانية.
لذا، يزيد القتل المباشر وبلا سبب، ويضاعف مصادرة الأرض، وهدم البيوت وقطع الشجار والاعتقال العشوائي. وحيث يعلم العدو أن هذا سوف يزيد روح الثأر الفردي والمقاومة الجماعية، لكن ليس لديه خيار آخر حيث بهذا يقول لجمهوره: نحن نسحب الأرض من تحت أقدامهم، لكنه كعدو لم يقرأ مقولة الشاعر الشيوعي ناظم حكمت: «وحينما تنزلق الأرض من تحت قدميك، فإنك تصبح ذئباً».
لكن الفاشي يرمي إلى هدف آخر خبيث في الرد على الانتفاضة. في الشهرين الأولين لهذه الهبة، كانت قيادته تردد ضرورة تصفية سلطة الحكم الذاتي ربما في ابتزاز لسيدها أي الولايات المتحدة، لكن سلطة العدو تتحدث اليوم عن وجوب بقاء سلطة الحكم الذاتي. وعليه، فإن تمسكها بهذه السلطة، وهو ما اقتنعت أنا به منذ 1993، والإيغال في القتل، إنما تحاول تفكيك تقسيم العمل الفلسطيني الذي أشرت إليه أعلاه، وإعطاء السلطة ذريعة بأنها بوقفها لأي مظهر تستطيعه من مظاهر الانتفاضة إنما تنقذ الناس. وأعتقد أن هذا التفسير فاشل بجوهره، وهو تكرار لما تحدث به الأردن حتى قبل اتفاق أوسلو مكثفاً ذلك في شعار: «إنقاذ ما يمكن إنقاذه». وهي السياسة التي وسعت الاعتراف بالكيان ولم تنقذ حبة تراب واحدة بل توسع نهب الأرض فكان ذلك الشعار، «تغطية ما يمكن تغطيته من جرائم العدو».
وتبقى الحكمة التاريخية أن شعباً يُواجه آلة الغرب كاملا مكتملا والعثماني والوهابي والصهيوني لا بد له أن يخلق الحدث الذي لا يلجمه هؤلاء، والذي علينا نحن أن نلتقطه ونفهمه ونديره بحنكة وقوة.
ساحة النقاش