<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
عاصفة الجنوب .. العاصفة التي ذُبحت
12 أيلول ,2015 04:39 صباحا
عربي بريس _ صحف= نارام سرجون
أن تعلن قوة محاربة أنها تخلت عن مشروع اقتحام أو هجوم وتجاهر بذلك، فهذا لا يجب أن يمر دون توقف وقراءة .. وأن تقرر أن تعلن عن خسائرها مع إعلان نهاية المعركة فهذا يستدعي التحليل العاقل البعيد عن قواعد الحرب النفسية ..
فعلى غير عادتها أعلنت إحدى القوى الرئيسية المحاربة في جنوب سورية، أنها أوقفت مشروع الهجوم على درعا أو اقتحام هذه المدينة حتى إشعار آخر .. بعد أن أقرت أنها فشلت في إحراز أي نجاح أو تقدم إثر خمس هجمات متتالية نفذتها موجات بشرية متتالية من المسلحين .. المسلحون يلتقطون الصور الاستعراضية في الشمال في إدلب ومطار أبو الظهور ولكنهم يصدرون بياناً مقتضباً عن انتهاء عملية اقتحام درعا بفشل ذريع والحاجة إلى إجراء مراجعات ميدانية جذرية .. تناقض يستدعي التأني في النظر والبحث عن الحقيقة ..
الاضطرار إلى الإعلان يراه البعض مناورة وخدعة لاستغلال احتمال الاسترخاء العسكري جنوباً بعد هذا الإعلان، بعد أن تبين أن شدة يقظة الجنود السوريين والاستعداد والعناد في القتال كانت عاملاً قوياً جعل المهاجمين يحسون أنهم يناطحون الصخر برؤوسهم .. وهذا الاحتمال بوجود خدعة ممكن ولا يفوت على القيادة العسكرية التي لا تنخدع بهذه المناورات .. ولكن معلوماتنا اليقينية عن فداحة الخسارة وجسامتها تجعلنا نميل إلى أن في الإعلان بعض الحقيقة وسببه الحاجة لتهدئة الغضب بين المسلحين الذين يحسون أنهم دفع بهم إلى موت سريع دون مبرر ودون أدنى مراعاة لحجم الثمن الذي يدفع .. كما أن حجم الموت الذي تذوّقه المهاجمون والذي وثقناه بالإحصاء والمراقبة العينية لاشك يفسر سبب هذا الإعلان بنهاية عاصفة الجنوب ولو مؤقتاً .. فلا يمكن لأية قوة عسكرية تعرضت لإبادة جزئية لا يمكن إنكارها أن تناور بالكلام وتتجاهل أنها قضمت وتعرضت للبتر وتعتقد أنها قادرة على النهوض بسرعة دون إعادة ترميم وتعمير ..والدليل هو اضطرار المسلحين للإعلان رسمياً عن قتلاهم وجرحاهم الذين خرجوا من المعركة مؤقتاً أو نهائياً لإصابتهم إصابات مقعدة ..فارتفاع عدد الإصابات بشكل لافت في الحروب والتذمر من حجم الخسائر بين المقاتلين وجمهورهم هو الذي يدفع القيادات العسكرية دوماً إلى الإعلان عن أرقام الضحايا ولو بشكل جزئي لإشاعة نوع من الهدوء والاطمئنان بدل الجزع وانتشار الشائعات والمبالغات .. خاصة إن كانت أرقام الضحايا كبيرة وملفتة للنظر، ولا يمكن أن توارى خلف الستائر .. ويبدو من الحاجة للإقرار بعدد القتلى في الجنوب أن الرقم الحقيقي فاق توقعات المسلحين كثيراً،وتسبب بحالة من البلبلة والحرج للقيادات الميدانية التي قادت الهجمات الخمس ونجمت عن ارتفاع عدد المصابين حالة من الخيبة وفقدان الأمل وتأثر المعنويات وارتفاع حالات الاعتراض على الأوامر والتشكيك بجدية الخطط العسكرية ونجاعتها ..
لوحظ أن الرقم الذي أقر به المسلحون في عاصفة الجنوب متواضع جداً قياساً لما لدينا من معلومات عن عدد المهاجمين في كل مرة وعن طبيعة الجغرافيا المكشوفة نسبياً في تلك المنطقة التي كشفت أن المنطق الإحصائي يجب أن يتناسب مع أعداد المقاتلين الذين دفع بهم في خمس موجات بشرية .. ويجب أن بتناسب مع حقول الألغام وعدد الألغام التي انفجرت والتي فتكت بأعداد كبيرة في مناطق زرعت فيها مئات الألغام .. وكذلك فإن عدد الغارات الجوية التي نفذت على بقعة صغيرة نسبياً، يعني أن الخسائر البشرية فادحة ولا يمكن أن تكون مجرد مائة مسلح الذين يمكن أن يموتوا في تدافع على مباراة كرة قدم وليس في جبهة انفجرت فيها مائات الألغام،ونصبت فيها عشرات الكمائن المحكمة، وكان الطيران يصول ويجول ويضرب مسترشداً برصد كثيف تقوم به الطائرات من غير طيار التي لم تغادر سماء المنطقة..
إن الرقم الذي اعترف به المسلحون هو نتيجة معركة واحدة فقط .. ولدى الاستطلاع السوري وقيادات المخابرات التي تتزود بالأخبار معلومات يقينية من داخل صفوف المسلحين أن عدد القتلى فاق الـ 80 قتيل في عاصفة الجنوب،وأن الجرحى فاق عددهم عدة مئات من مختلف الإصابات . لأن معركة درعا أريد بها أن تكون أهم خسارة يتعرض لها الجيش السوري وتهزه لأنها - بعكس المعارك في الشمال - ستجعل دمشق مباشرة تحت التهديد وتطلق البدء بعملية فك الحصار عن الجبهات المحاصرة في الزبداني والقلمون والغوطة لإعادة الساعة العسكرية إلى الوراء سنتين بضربة واحدة ..وهذه المعركة هي التي كانت ستجعل دمشق تتصبب عرقاً..ولذلك فقد كان هناك سخاء في الحشد والسلا ..نتيجة المعركة هي أن القوة التي كانت تريد اقتحام درعا كانت من عدة آلاف من المسلحين تم الدفع بألفين من أفضل المقاتلين للقيام عبر تكتيك موجات بشرية بعملية فتح الثغرة الأولى تساندهم 30 دبابة وأكثر من أربعين راجمة صواريخ لتتبعهم بقية القوات التي تنتظر لتثبيت النقاط المقتحمة ..وقد أبيد نصف المجموعة المهاجمة في المعارك .. ويمكن القول انه تم إجراء جراحة عسكرية بالسلاح لإنقاص حجم ووزن القوة البشرية التي كانت موكلة باقتحام درعا وجنوب دمشق ..
فكرة الهجوم في الجنوب لم تلغ ولكن الإعلان عن توقفها سببه الحاجة لتهدئة نفوس المسلحين المتوترين الذين أبدوا مواقف تذمر وتمرد .. بانتظار موارد بشرية تعوض الثغرة الهائلة في الجسم المسلح ومقاتلي النخبة من القاعدة .. الذين سيجدون طريق الموت المحتم في الجنوب ..
الجنوب كان هو الطريق إلى السماء الذي ازدحم عليه المسلحون .. وصعدت معهم إلى السماء .. روح العاصفة .. عاصفة الجنوب .. وبقي من تلك العاصفة التي كانت تناطح الصخر جسدها المحطم ورأسها المشطور ودمها الذي ملأ سهل حوران .. وهاهم الجنود السوريون الأشاوس في درعا يذرون عليه التراب ويستعدون لذبح عاصفة جديدة وتعليق رأسها على أبواب درعا .. وهناك مدن في الشمال تنتظر أن تعلق رؤوس العواصف على أبوابها .. أيضا .. ونحن على موعد مع ذلك .. كما اليقين ..
ساحة النقاش