<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
الحركة الكردية المسلحة: جذور التخريب وتدمير العراق
27 أب ,2015 03:44 صباحا
عربي بريس _ صحف= السفير - طارق الدليمي
لم تكن العلاقة بين الأهداف السياسية للنخب الكردية، وتحديداً العائلة البارزانية، متماسكة في إطار واحد من الغايات والأساليب المتبعة لتحقيقها. ولكنها كانت دائماً وفي كل الأطوار تعتمد على قاعدة ثابتة في النشاط السياسي أو التحرك العسكري، وهي إقامة العلاقة المادية المباشرة مع القوى الإقليمية والعالمية من أجل الوصول إلى القواسم المشتركة، بين ما تريده البارزانية العسكرية وما هو موجود في برنامج تلك القوى الإقليمية والدول العالمية الكبرى. وإذا كانت أحداث العهد الملكي،1921 ـ 1958، قد أضفت طابعاً غامضاً على سلوكيات هذه القيادات الكردية، فإن البونابرتية العسكرية في 1958 قد كشفت بالتفاصيل النيات الحقيقية للبارزانية السياسية. بمعنى آخر فإن كل ما طرحته هذه القيادات من أدبيات سياسية وتتضمّن مطالب وأهدافاً علنية، هي عملياً الغطاء الشفاف الذي يغلف جسد الأهداف المبيتة، والتي تتمثل فعلياً في الاستيلاء على ما يمكن من العراق وتطويقه ضمن المشروع الأميري للعائلة البارزانية. ويقول المهندس المعماري محمد مكية، الذي غادر مؤخراً، في رسالته الأخيرة حول بغداد، إن الجغرافيا أكثر صدقاً من التاريخ! وهو صديق شخصي للقيادات الكردية ودوره مركزي في الحرب على العراق العام 1991 وفي الحصار الظالم وتشكيل «اللجنة الدولية لتحرير العراق» مع أحمد الجلبي قائد قوات خليج الماعز الشهيرة.
وكلام مكية ترسيمة معمارية هزيلة وخائبة اعتنقتها النخب الكردية وتعارض كلياً الموضوعة العميقة للمفكر العربي المصري الكبير جمال حمدان: «الجغرافيا تاريخ ثابت والتاريخ جغرافيا متحرّكة» في معرض مناقشاته المستفيضة حين يشرح العلاقة المادية الجدلية بين مكوّنات الجغرافيا السياسية للمحور الرئيسي الثلاثي للأمة العربية، عراق الرافدين وسوريا الشام ومصر الكنانة. بهذا المعنى، فإن الغرض الفعلي للبارزانية العسكرية هو الاستيلاء على الجغرافيا العراقية تعويضاً عن نضوب الخزان التاريخي للقبائل الحدودية المتنقلة من أواسط آسيا إلى الحدود التركية ـ الإيرانية مع العراق وسوريا الطبيعية. ولا بد أن يكون التوضيح هنا متدرّجاً، انسجاماً مع تدرّج الشعارات التي تدّعي البارزانية السياسية أنها مرحلية وبالعلاقة التكتونية مع مصالح الدول الكبرى العالمية، وأطماع القوى الإقليمية المتاخمة للعراق وبلاد الشام.
الاستيلاء على كركوك
بيد أن المراقب الدقيق لمسيرة الشعارات السياسية البارزانية سيكشف ببساطة أنها جميعاً ومن دون استثناء تزوّده بمحتوى ثابت واحد، وهو «الانفصال» عن جسد العراق والدولة الوطنية العراقية ونقل «محتوياته» بالحقائب البارزانية، بحسب الموافقات الإقليمية والمصالح الدولية. وعندما يتمّ فضح هذه اللصوصية العلنية الجيوسياسية، يبادر الأدب السياسي للعصابات الكردية، وتساندها شلل رخيصة من اليسار المرتدّ أو ضباط سابقين في الأمن السياسي العراقي البائد، إلى المراوغة والالتفاف على حقائق الأرض والركون أما إلى الانحناء التكتيكي لتحاشي الصدام السياسي ـ العسكري غير المرغوب فيه، أو الإسراع، إلى رفع السلاح ضد الدولة وتصعيد المواقف التعجيزية واستخدامها دخاناً لتغطية عجزها الفكري وتراجعها السياسي المشبوه. إن شعار «اللامركزية» الذي بدأته البارزانية العسكرية منذ العام 1932 واستمرّ في أعوام 1943 ـ 1945 وإلى حين الانسحاب السياسي والعسكري، العام 1947، إلى الاتحاد السوفياتي بعد انهيار جمهورية «مهاباد» في إيران العام 1946، قد تطوّر في العام 1959 إلى «الحكم الذاتي» وبعد اندلاع التمرد العسكري في أيلول 1961 واستمراره إلى العام 1963 إلى «الجمهورية الكردستانية اللامركزية للحكم الذاتي» وحتى الاتفاق في العام 1966، كلها تتضمّن وتعني شيئاً واحداً لم يتغيّر قط هو الامتداد الكردي المستمر جغرافياً وفي القلب منه الاستيلاء على «محافظة كركوك»، وليس مدينة كركوك فقط. وتمكن المكر القبلي البارزاني من المخاتلة حول موضوع كركوك أو مناطق أخرى «منتزعة» من قبل الدولة العراقية، والالتصاق مع صيغة مثيرة للسخرية تفسّر النهب البارزاني بكون هذه «المدينة» أو «المنطقة» هي «كردستانية» وليست «كردية»، ومن ثم يوجد في الأفق إمكانية للحديث أو التفاوض حولهما. لكن من الناحية التطبيقية، فإن المعاني الحقيقية لهذه الثرثرة في المصطلحات تعني فعلياً أن المناطق «الكردية» هي الحدود التاريخية المتخيلة للجغرافيا السياسية البارزانية، والمناطق «الكردستانية» هي جزء أساسي من التخوم القبلية البارزانية، وتشاء الصدف أنها مليئة بالموارد الطبيعية وتشكل الطرق والمنافذ الإستراتيجية للجغرافيا السياسية العراقية، خاصة في إطار الحدود العربية للعراق مع الدولتين المعاصرتين في تركيا وإيران، فيما البعض الآخر، ولا سيما محافظة الموصل ومنها منطقة سنجار، تشكل الاتصال الجغرافي الطبيعي مع سوريا ودولتها الوطنية العربية. بهذا المعنى، فإن «الكردية» تعني الجغرافيا السياسية وسناجقها المتعددة والمتصارعة، و «الكردستانية» تعني الموارد الطبيعية ولصوصية الطاقة والفساد المالي والسياسي واستتباب التسلط العشائري والطغيان العسكري للأجهزة الأمنية والمخابراتية.
الاستيلاء الاستيطاني
في التاريخ العراقي للاحتلال البريطاني الأول للوطن في العام 1915، تألّق في المسرح السياسي زعيم محلي في البصرة، هو «السيد» طالب النقيب والذي يحمل بين جنباته تناقضات مذهلة في مزاجه الشخصي وسلوكه الاجتماعي وطموحاته السياسية الحادة والعنيدة وغير المألوفة. لقد عيّنه الاحتلال البريطاني وزيراً للداخلية في الوزارة الأولى، شهر تشرين الأول 1920، برئاسة «السيد» عبد الرحمن النقيب الكيلاني البغدادي. وكان له دور ملتبس في ولادة وإنهاء مشروع انفصال البصرة عن العراق وتكوين جمهورية تجارية خليجية مرتبطة بالمركز الهندي للتاج البريطاني. وكانت الأغنام من أنصاره وعصاباته المأجورة تردد أهزوجة طريفة في الإشادة به وبأطماعه العقارية السياسية. وهي في اللهجة العراقية المنغّمة والساخرة بالنص:
«ثلث لله وثلثين لطالب وثلث الله يطالب به طالب»! وقد قارنتها بعض الإشارات السياسية الليبرالية العراقية لاحقاً بالطموحات المتداولة للمارونية السياسية في لبنان، بينما اعتبرها البعض الآخر من التيارات السياسية العروبية بأنها تشكل الأساس التاريخي للمحاكاة السياسية المرتبطة مع الخارج. وقد لخّصها القائد العسكري عبد العزيز العقيلي بأنها تتطابق بشكل مدهش مع الأطماع الشخصية للبارزانية السياسية. والعسكري العقيلي أحد المهمين من الضباط الأحرار وقائد الفرقة الأولى. وكان وزيراً للدفاع في وزارة عبد الرحمن البزاز الأولى العام 1965.
وتشير الوثائق الأجنبية حول العراق إلى أن السفير الأميركي في بغداد والبارزانية السياسية كانت مع انتخاب عبد الرحمن عارف واستمرار الطغيان العسكري على السلطة السياسية بينما كانت معظم القوى الوطنية، وفي المقدمة «الحزب الوطني الديمقراطي» بقيادة كامل الجادرجي والكثير من القوى القومية العروبية الناصرية والجناح اليساري من حزب «البعث» المتعاون مع قيادة 23 شباط 1966 في سوريا، قد وقفت مع المطالب التي تنادي بإنهاء التسلط السياسي للبونابرتية العسكرية. ومن اللافت أن المرجعية في «النجف» بقيادة محسن الحكيم وابنه وممثله الخاص السيد مهدي الحكيم كانت قد اصطفت مع أفكار الحركات والتيارات المنادية بتصفية الحكم العسكري، وقد سارع السفير الأميركي في العراق، روبرت سترونغ، إلى النجف محذراً السيد مهدي الحكيم من مغبة هذه المطالب وبأنه قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن في العراق أمام مخاطر الأطماع السوفياتية وتصاعد المد اليساري مرة ثانية في الشارع.
لكن الخلافات قد تفجّرت مرة ثانية بين البارزانية السياسية وبين الكتل العسكرية المتسلّطة، وقد فاجأ العقيلي الحكومة العراقية ومجلس الدفاع العربي المشترك في القاهرة بتقريره المفصل حول معركة هندرين في ربيع 1966 والدور الإيراني الإسرائيلي فيها ونوع الأسلحة التي استعملت في المعركة، بصورة تدعو إلى التساؤل حول تاريخ التمرد البارزاني العسكري. وقد سارعت القيادة الناصرية في القاهرة إلى إرسال القيادي المرموق في «الاتحاد الاشتراكي» المرحوم كمال رفعت لمعرفة حقائق ما جرى على أرض الواقع. وقد عقدت مباحثات حكومية مهمة وسياسية أخرى مع وفد رفيع المستوى من الحركة الناصرية العراقية برئاسة المرحوم القائد السياسي فؤاد الركابي، وقد شرح الركابي بالتفصيل الوضع السياسي العراقي والدور التخريبي والتآمري للبارزانية العسكرية وضلوعها في الارتهان للمحور الأميركي ـ الإيراني ـ الإسرائيلي وتنفيذ برنامجه السياسي في الاستيلاء على العراق وتحطيمه.
ساحة النقاش