<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
أوباما في إفريقيا.. سياسة الوقت الضائع
هل هي محاولة أخيرة من الإدارة الأمريكية لاستعادة زمام الأمور في القارة السمراء؟
المساء
أغسطس 05، 2015، العدد: 2750
منذ توليه الرئاسة، قبل ثماني سنوات، زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما القارة الإفريقية 3 مرات، الأولى كانت إلى مصر وغانا عام 2009، وبعدها بأربع سنوات كانت زيارته الثانية لجنوب إفريقيا والسنغال وتنزانيا في عام 2013. الزيارة الحالية إلى كينيا وإثيوبيا هي الثالثة وربما تكون الأخيرة له، لأنها تأتي في نهاية ولايته، وهو ما طرح تساؤلات كثيرة حول توقيت وأسباب زيارة رجل يلملم أوراقه ليرحل عن البيت الأبيض. زيارات أوباما السابقة لإفريقيا اتسمت بالغموض في أهدافها السياسية، واعتبرها محللون غربيون مجرد «زيارات رمزية» غير محددة الأهداف سوى من مجرد حنين أوباما إلى أصوله الإفريقية، والهوس الذي أصاب القارة السوداء بانتخاب رئيس أسود لأمريكا لأول مرة، وانعكاسات ذلك وتداعياته على العلاقات الأمريكية الإفريقية. زيارة أوباما الأخيرة قد تكون محاولة أخيرة من الإدارة التي تتأهب للرحيل لاستعادة زمام الأمور في القارة السمراء وتعديل موازين القوى، حتى ولو كان ذلك بتغيير أنماط التفكير والتعامل التقليدي مع قضايا إفريقيا بالقوة المسلحة والتدخل الصلب، إلى القوة السلسة التي تحقق المصالح الأمريكية بطريقة أسهل، ولذلك يأتي أوباما في زيارته الرئاسية الأخيرة بهدف اقتصادي وتجاري في المقام الأول، ثم هدف أمني في المقام الثاني، ولا غرابة في أن يرافقه في زيارته إلى كينيا وإثيوبيا واجتماعه مع عدد من قادة دول شرق وشمال القارة مئات من رجال الأعمال الأمريكيين وأصحاب رؤوس الأموال والفاعلين في القرار
الاقتصادي الأمريكي.
زيارة رمزية
أنهى الرئيس الأمريكي باراك أوباما زيارته لإفريقيا وكينيا أرض الأجداد، وهي الزيارة التي تأتي في آخر شهور حكمه لأمريكا، لذلك فهي زيارة ذات طبيعة رمزية، كزيارة الرئيس جون كينيدي لأرض أجداده إيرلندا الجنوبية، حتى وإن حدثت فيها بعض الإنجازات هنا وهناك. لذلك ظل أوباما والناطقون باسمه يرددون بصورة لافتة أنه أول رئيس أمريكي يزور كينيا وإثيوبيا، وأنه أول رئيس أمريكي يخاطب القارة مجتمعة، مذكرين بخطابه الذي ألقاه في غانا عام 2009. لكن السؤال المهم الذي يطرحه المتتبعون الآن هو: هل الزيارة تأتي تجسيدا لسياسة أمريكية أوبامية واضحة المعالم في إفريقيا؟ وبعبارة أخرى: هل لأوباما سياسة أو إستراتجية لإفريقيا مستقلة عن أسلافه من الرؤساء الأمريكيين؟ يجمع كثير من المراقبين على أن أوباما لم يطور سياسة مستقلة لإفريقيا. صحيح أن زيارته صاحبتها بعض الإشراقات، مثل مخاطبته للقمة العالمية لأصحاب الأعمال من الشباب، وتشجيعه لهم للمشاركة في مبادرات شجاعة في هذا الجانب، كما قدم الكثير من الخطب الملهمة، فركز على شجب العنف والتمييز ضد النساء والبنات، وأجرى العديد من المشاورات والحوارات الإستراتيجية مع الاتحاد الإفريقي ومنظمة الـ»إيغاد» وبعض قيادات القارة. وكان لافتا، أيضا، دعم الشباب القوي لعملية السلام في جنوب السودان والتي تقودها منظمة الـ»إيغاد». لكنه، في المقابل، خيّب آمال السودانيين الذين لم تحظ أزمات ونزاعات بلدهم الدامية المعقدة باهتمام يذكر، ضمن أجندات هذه الزيارة. إلا أن كل هذه المحاور لم تشهد اختراقات إستراتيجية حقيقية يمكن أن نصفها أو نسميها إرث أوباما وإنجازاته في إفريقيا التي يمكن أن تميزه عن أسلافه، خاصة أن اسمه ارتبط بهذه القارة، أرض أجداده وأسلافه الأولين.
الإمبريالية بوجه إنساني
حسب تقرير نشره موقع «جلوبال ريسيرش»، فإن الكينيين مختلفون حول موقفهم من زيارة الرئيس ذي الأصول الإفريقية، بعضهم رحب بزيارة أوباما لأرض الأجداد، فيما تعرض الرئيس الرابع والأربعون لأمريكا لانتقادات حادة، قبيل انتهاء ولايته الثانية في حكم البيت الأبيض، والتي تنتهي العام المقبل، لعدم زيارته لموطن والديه منذ انتخابه رئيسا عام 2008، معتبرين أن الزيارة الأخيرة تستهدف تعميق جذور الإمبريالية بوجه إنساني، ومحاولة للعسكرة التامة للقارة السمراء. الوجه الإنساني الذي اعتاد على ارتدائه «الرئيس الأمريكي» منذ توليه، رصدته جريدة الأخبار اللبنانية في تقريرها، حيث أسهب في استخدام الخطاب العاطفي، وروى كثيرا من النكات عن والده وجده وعائلته الكبيرة، حرصا منه على أن يلطف انتقاداته الحازمة للآفات التي تنخر المجتمع الكيني. وقال للكينيين: «لا توجد حدود لما يمكن أن تحققوه»، لكنه دعاهم إلى ترسيخ الديمقراطية ومكافحة الفساد وإنهاء أي تمييز على أساس الجنس أو العرق. وتعد كينيا حليفا للولايات المتحدة منذ أوائل الستينيات، عقب حصول الأولى على استقلالها 1963 بقيادة «جومو كينياتا»، أول رئيس للدولة في شرق إفريقيا. وتعتبر «نيروبى» شريكا فعالا لمساعي واشنطن لمد القبضة الإستراتيجية الأمريكية على منطقة القرن الإفريقي، وتسمح للولايات المتحدة بالتدخل من خلال طائرات بدون طيار وحروب بالوكالة داخل الصومال، وفى عام 2011، غزت القوات البرية الكينية التي تدعمها الولايات المتحدة الصومال كجزء من «عملية ليندا نشى». ويأتي الهدف العسكري من الزيارة على رأس أولويات أوباما، بجانب السيطرة على التنقيب عن المعادن، ففي إثيوبيا، وفي بيان مشترك بين أوباما ورئيس الوزراء الإثيوبي «هيلا مريام ديسالين» اتفق البلدان على تكثيف الحملة ضد الإرهاب في المنطقة، وتعميق التعاون الاستخباراتي سواء على المستوى الثنائي أو على الصعيد الإقليمي. ووصف البيان هذا التعاون بـ»الضروري، للحد من الخطر الذي يشكله الإرهاب»، ولم يغفل البيان الإشارة إلى حركات التمرد بالعاصمة الصومالية مقديشو.
التركيز السياسي الأمريكي
سلطت زيارة أوباما الأخيرة إلى دولتي كينيا وإثيوبيا الضوء على سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا،كما زار رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية «محمدو بوهارى» الولايات المتحدة الأسبوع الماضي وعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع أوباما، جنبًا إلى جنب مع غيره من المسؤولين في وزارة الخارجية والبنتاغون. ويرجح الباحثون السياسيون أن تكون زيارة أوباما الأخيرة إلى إفريقيا كرئيس ذات تأثير قوي، فمن المهم أن تركز على عدد قليل من القضايا الرئيسية المتعلقة بالسياسات ذات التأثير القاري بدلا من الكثير من السياسات الصغيرة المجزأة. وعلاوة على ذلك، ينبغي انتهاج سياسة تُبنى على تبادل المنافع والمصالح في المداولات خلال مؤتمر قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا. وفي هذا الصدد، ينبغي على الرئيس التركيز على قضايا السياسات الرئيسية متضمنة استراتيجيات تعاونية في مكافحة الجماعات الإرهابية في إفريقيا ودعم مشروع التكامل الإقليمي في إفريقيا لاسيما من خلال مشاركة القطاع الخاص الأمريكي. وأخيرا، ينبغي أن يركز أوباما على جدول أعمال التنمية في مرحلة ما بعد عام 2015. وعلى وجه التحديد، يجب توضيح الكيفية التي ستعمل بها الولايات المتحدة مع الأفارقة في دفع جدول أعمال التنمية. وسيكون من المفيد بوجه خاص إذا دعا الرئيس إلى تعبئة المجتمع الدولي لدعم ما بعد جدول أعمال التنمية في إفريقيا. ولا شك أن مبادرات الولايات المتحدة التي تدعم الأفارقة في التعامل مع هذه القضايا واسعة النطاق وسيلة مؤكدة للرئيس من أجل ترسيخ تراث إفريقي في السياسة الأمريكية. وفي سياق آخر، حضر أوباما خلال زيارته، مؤتمرا لتطوير الأعمال في كينيا، مشيرا إلى ما أسماه النمو الاقتصادي الهائل الذي يروج له كثيرا في القارة، على الرغم من معاناة البلد الإفريقي من البطالة والفقر، ويعتمد الاقتصاد الكيني بشكل رئيسي على المنتجات الزراعية، وتتراجع قدرات الاستغلال للموارد النفطية بخاصة الغاز الطبيعي. ويؤكد تقرير «غلوبال ريسيرش» أن ملايين الكينيين لا يزالون يقعون في شَرك البطالة والفقر، والغالبية العظمى منهم يعملون في قطاع الزراعة، خاصة في مجال إنتاج الشاي والقهوة وغيرها من المنتجات. وخلال عقد التسعينيات لم تكن كينيا قادرة على دفع ديونها المستحقة للمؤسسات الدولية، الأمر الذي أجبرها على الرضوخ أكثر لشروط المانحين الدوليين. فيما يعد الاقتصاد الإثيوبي واحدًا من أسرع معدلات النمو الاقتصادي في إفريقيا، على الرغم من مرور البلاد بمجاعة وسط عقد الثمانينيات من القرن الماضي.
آفاق وتحديات
يرى كثير من المراقبين أن أوباما حقق العديد من الإنجازات على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتي يمكن أن تحسب ضمن إرث حكمه الآفل في غضون شهور معدودة، مثل الإصلاح التاريخي في نظام التأمين والرعاية الصحية بالولايات المتحدة، وإعادة العلاقة مع كوبا والاتفاق النووي مع إيران، غير أن إنجازاته وإرثه في إفريقيا كان دون التوقعات، فقد خيب آمال وأشواق الكثيرين لكونه أول رئيس أمريكي أسود ينحدر من إفريقيا. وكما أوضحنا سابقا، فهو لم يطور سياسة أمريكية مستقلة في إفريقيا، وقد أسس سياسته على سياسات وإستراتيجيات كلينتون وبوش، لكنه تميز بأسلوب جديد يقوم على منهج التشاور والحوار مع الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي كإطار للتكامل والعمل الإقليمي المشترك. صحيح أن أوباما عقد قمة للشباب الإفريقي، إضافة إلى القمة الإفريقية الأمريكية التي نظمتها إدارته بواشنطن في غشت 2014 بيد أن هذه المبادرات لم تحقق أهدافها المرجوة، فمثلا، نجد أن مبادرة أوباما للطاقة التي وعدت بتزويد 30 مليون مواطن إفريقي بالكهرباء، لم تنفذ حتى الآن لغياب التمويل. وفي ما يتعلق بخطابات أوباما عن تحديات ومستقبل إفريقيا فقد كانت ملهمة، مثلما لاحظنا نداءه المستمر بأن إفريقيا تحتاج إلى مؤسسات قوية لا إلى قادة أقوياء، كما أن أوباما بحّ صوته وهو يطالب القادة الأفارقة بمحاربة داء الفساد وتطبيق أسس الحكم الرشيد. ويعزو الكثيرون عدم قدرة أوباما على تحقيق إنتاجات إستراتيجية وتاريخية في إفريقيا إلى غياب سياسة أو إستراتيجية باسمه، فالرجل لم يطور سياسة أو رؤية مستقلة للقارة الإفريقية تختلف عن سياسة أسلافه، خاصة «بيل كلينتون وجورج بوش الابن». كما أن هناك مشكلة بنيوية في علاقة أمريكا بإفريقيا، فابتداء لم تكن أمريكا تهتم كثيرا بإفريقيا، فالقارة كانت في هامش أولويات السياسة والمصالح الأمريكية الخارجية منذ بداية الخمسينيات وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي. كان الأمل أن ينعتق الرئيس الأمريكي الحالي من سياسات أسلافه، فيحث الشركات الأمريكية على الاستثمار في الدول التي تتبنى النهج الديمقراطي والحكم الرشيد، وليس الاستثمار في الدول المستبدة الغنية بالموارد. فبحسب المحللين، استمر أوباما على نهج من سبقوه إذ لم يعد «الحكم الرشيد معيارا راسخا لاستثمارات الشركات الأمريكية، والتي تسهم بدورها في دعم وباء الفساد، الذي يحرم إفريقيا من مليارات الدولارات سنويا، إذ لا شك كذلك أن أوباما استمر في تنفيذ البرامج العسكرية والأمنية التي بدأها سلفه بوش في إطار الحرب على الإرهاب، كالوجود العسكري الأمريكي ضمن «أفريكوم» في جيبوتي وعمليات الطائرات بلا طيار في الصومال ومالي». ويرى المراقبون أنه «مهما يكن من أمر، فإن على قادة إفريقيا أن يتحملوا مسؤولية قاراتهم، فإذا وجدت القارة قيادة رشيدة وإرادة قوية، يمكنها أن تعتمد على ذاتها وتشارك بفعالية في قيادة العالم. ففي إفريقيا، اليوم، دول كثيرة تقدم قصصا ونماذج لنجاحات كثيرة في مسيرة الديمقراطية والحكم الرشيد، لكن ما زالت القارة تعاني من النزاعات الدموية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإرهاب والفساد». إذ يعتبر المراقبون لسياسات بلاد العم سام في القارة السمراء أنه «يجب أن تواجه قيادات وشعوب القارة هذه التحديات بقوة وإرادة جمعية، وعلى الاتحاد الإفريقي أن ينفتح على شعوب القارة ليكون منبرا حقيقيا لها وليس منبرا للحكام الطغاة. وعلى القارة أن تبني مؤسسات التكامل والتعاون الإقليمي لترسيخ قيم الديمقراطية والحكم الرشيد وعدم الإفلات من العقوبة».
ساحة النقاش