<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
هل تريدون أن نعْبدكم بالمجان؟؟!
المساء = عبد الله الدامون
أغسطس 02، 2015، العدد: 2747
في عدد الأربعاء الماضي من صحيفة «إيل موندو» الإسبانية نُشر مقال مرفوق بشريط فيديو حول هجوم مسلح على قطار مسافرين بين فاس والدار البيضاء. عنوان المقال مثير ويقول:«هجوم جديد لرجال مسلحين بالسيوف على مدنيين في المغرب».
صيغة العنوان تدل على أن هذا الهجوم البشع هو واحد من بين هجومات أخرى كثيرة يعانيها المدنيون في المغرب، ومن يشاء أن ينزع اسم المغرب من المقال ويضع مكانه ليبيا فإن الخبر سيكون عاديا، أما أن يكون الخبر متعلقا بالمغرب فهذا شيء يجب أن يقال حوله كلام كثير.
وقبل بضعة أيام نشرت صحف مغربية ودولية خبرا عن هجوم مسلح تعرضت له قاعة أعراس في مدينة طنجة، أي أن أأْمن مكان في أبهى مناسبة يتحول فجأة إلى أبشع مكان في أسوأ مناسبة، أما المهاجمون فقد نفذوا هجومهم الصاعق وأرسلوا من أرسلوا للمستعجلات ثم «غبروا».
في الأيام نفسها سمع المغاربة عن هجوم مسلح أيضا على شاطئ في منطقة الدار البيضاء، والمسلحون فعلوا أيضا ما شاؤوا وملؤوا أقسام المستشفيات بالجرحى، وأكثر من ذلك، ملؤوا النفوس رعبا ثم رحلوا.
في عدد من المدن المغربية، شمالا وجنوبا وغربا وشرقا، يتحدث الناس عن هذا التردي الأمني، الذي لم يكونوا يسمعون به إلا زمن الحسن الثاني وخديمه الأرضى، إدريس البصري، حين كانت مثل هذه الاعتداءات لا تظهر إلا عندما تكون هناك رغبة في تمرير شيء ما أو لتخويف الناس أو لغرض خبيث في نفس من يخططون لهذا الإجرام.
عندما بدأ الربيع العربي يصفر ويصير حطاما في بلدان عربية انتفضت ضد جبابرتها، أحس المغاربة بالاطمئنان وحمدوا الله لأن الربيع الذي يحمل الموت والدمار والتسيب الأمني لم يصل إليهم. وها نحن اليوم لا نعرف ماذا نفعل، هل نحمد الله مع الحامدين على نعمة الأمن والاستقرار، أم نُدخل أصبعا في أعيننا؟
المغاربة، مهما قالوا عن أنفسهم وصلابتهم التاريخية، فهم حاليا شعب هش، ينفعل مع أقل حركة يمكن أن تهدد أمنهم واستقرارهم. في رمضان الماضي تحولت باحة مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء إلى ساحة حرب بعد أن تسلل فأر بين المصلين فصار «الطايح أكثر من النايْض»، وجرى الناس في كل الاتجاهات وهم يصرخون بخطر قنبلة، وآخرون يقولون إن موجة «تسونامي» عملاقة في الطريق، فقلنا لا حول ولا قوة إلا بالله من هذا البلد الذي لا نعرف أي بركة تقف إلى جانبه.
وفي أحداث سابقة أخرى لم نعرف إن كان ما نعيشه هو نعمة أمن واستقرار أم مجرد وهم بالأمن والاستقرار. فعندما يخرج جمهور أحمق من ملعب للكرة في قلب الدار البيضاء ويحول أكبر مدينة في المغرب إلى حلبة للدمار والترويع، فآنذاك يجب أن نضع أيدينا على قلوبنا ونتساءل مع المتسائلين: أين نعمة الأمن والاستقرار التي «تفْرعون» بها رؤوسنا صباح مساء؟ والأسوأ من كل هذا أن رئيس الحكومة نفسه، عبد الإله بنكيران، تدخل وقتها للإفراج عن عشرات المتهمين بالدمار والترويع، بحجة أنهم مراهقون وبدون سوابق ولهم أمهات يبكينهم. هذا الرجل شاف الربيع ما شاف الحافة… فمن يبكي المغرب إذا سقط كله في الرعب؟
في مناسبات أخرى، وحتى بدون «سيبة» المسلحين بالسيوف، يعطي مغاربة كثيرون انطباعا مخيفا عن أنفسهم. في مرات سابقة انقلبت شاحنات للمواد الغذائية في الطريق السيار فجرى الناس نحوها، ليس لمساعدة سائقيها، بل لنهب حمولاتها، وكأن البلاد تعيش حربا أهلية أو أنها مقبلة على مجاعة غير مسبوقة.
وقبل بضعة أيام حدث مشهد مثير بين أصيلة وطنجة، حين تجمدت واقفةً آلاف السيارات المتوجهة نحو طنجة، وسائقوها ينتمون لكل مناطق المغرب، من وجدة إلى الكويرة، فوصل الحنق بالناس درجة الحمق، واستمر الوقوف ساعات طويلة بسبب أشغال أو حادثة، وبرزت العدوانية بشكل مرعب بين سائقين تواجهوا بالهراوات والسيوف، وآخرون قذفوا بعضهم بالحجارة، وبكى الأطفال وارتعبت النساء في مكان بين الغابة والبحر، وصار الناس يطلبون جرعة ماء أو كوب حليب فلا يجدون شيئا، وكل هذا في ظل غياب مفجع للأمن.
هل نحن شعب سوي؟ اسألوا أولئك الذين يخدروننا بالحديث عن «صاية إنزكان» و«مخنث فاس» و«شورْت آسفي» وغيرها، بينما الحقيقة أن الشعب المغربي كله يحتاج إلى علاج نفسي فوري، ومسؤولوه يحتاجون إلى أكثر من ذلك، إلى عمليات جراحية دقيقة في أدمغتهم.
هاهم الناس، اليوم، يتابعون السيبة في ليبيا واليمن وسوريا ومصر وغيرها، ثم يخرجون من منازلهم آمنين مطمئنين لحضور عرس أو الاستمتاع بالبحر أو لركوب قطار، فيفاجؤون بعصابات إجرامية واثقة في نفسها وتتصرف باحترافية حقيقية وكأن المغرب أسوأ من بلدان الربيع المصْفر.
الله سبحانه وتعالى اشترط على عباده الخضوع له مقابل شرط رئيسي:«فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف». وأنتم أيها البشر الذين تحكموننا.. هل تريدون أن نعبدكم بالمجان؟؟
ساحة النقاش