<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
برلمان الرباط.. ونظرية التطوّر
مايو 17، 2015، العدد: 2683
لو أن استفتاء حقيقيا جرى في المغرب لمعرفة عدد المغاربة الذين يثقون في البرلمان أو الانتخابات، فإن النتيجة لن تكون صادمة فقط، بل ستكون مُبكية؛ ومع ذلك فإن الكثيرين لايزالون يرفعون شعار «النفاق هو الحل» ويتصرفون وكأن هذا المغرب هو، فعلا، بلد مؤسسات وبلاد انتخابات وبلاد برلمان حقيقي.
عندما تنشب تلك التفاهات بين نواب برلمانيين أو بين وزراء وبرلمانيين، فإن جهات ما تحاول أن توهم المغاربة بأن البرلمان الحقيقي هو البرلمان الصامت والوقور، وأن ما يجري، بين الفينة والأخرى، في برلمان الرباط هو تشويه لسمعته وضرب لمبادئ الديمقراطية؛ لكن الواقع هو أن البرلمان الحقيقي الذي ينبع من إرادة الشعب هو البرلمان الذي يعرف صخبا مستمرا، وهو أيضا الذي يعرف اشتباكات بالأيدي، وهو البرلمان الذي يعرف تبادلا جارحا في الألفاظ والكلمات، وانظروا ما يجري في برلمانات بلدان ديمقراطية كثيرة لتفهموا أن برلمان شارع محمد الخامس هادئ أكثر من اللازم.
برلمانات العالم تعرف مشاجرات مستمرة تصل حد الضرب والجرح وسيلان الدماء، وكل ذلك يجري في إطار الصراع من أجل الصالح العام؛ بينما برلماننا، أو برلمانهم بصريح العبارة، تجري فيه «المدابزات» بسبب المصالح الخاصة والصراعات الرهيبة على الاستوزار والتزكيات وصفقات الأسفار والتعويضات وغيرها.
الذين يقارنون بين برلماننا وبرلمان إنجلترا أو برلمان أمريكا يقارنون ما لا يقارن.. البريطانيون ليس لهم أصلا دستور مكتوب، وبرلمانهم له تجربة ثمانية قرون من العمل، لذلك يجب ألا نقارن برلماننا، الذي ظهر كما تظهر جزيرة بركانية بشكل مفاجئ في قلب الماء، ببرلمان بريطاني ظهر نتيجة اقتناع كامل بضرورة ولادة مجتمع ديمقراطي وحر ويتمتع أفراده بكل أصول المواطنة والكرامة.
لو أننا أردنا أن نقارن، فعلا، بين برلمان الرباط والبرلمان البريطاني فيجب أن نعتمد على نظرية التطور الداروينية. صحيح أن داروين طبق نظريته على عالم الحيوان، لكن ما الفرق؟ لذلك لو طبقناها على برلمانيينا فسنجد أن المغاربة سيحتاجون إلى ثمانية قرون أخرى لكي يكون برلمانهم مثل برلمان بريطانيا.. وشوف تشوف.
برلمان الرباط وُلد نتيجة عملية قيصرية قبل بضعة عقود، وأول من وصلوا إليه هم أولئك المصفقون الذين يقضون الوقت في التصفيق، أو أولئك النوّام الذين يقضون أغلب فترات المناقشات في الشخير، وبعدها تعبّد الطريق أمام تجار المخدرات وباعة الخمور والكوكايين وتجار الأصوات، وأصبح البرلمان مثل «سوق الكلب» بسلا، لا أصل له ولا هوية ولا هدف.
الذين يصلون إلى البرلمان لايزالون يفعلون ذلك عن طريق التزوير الديمقراطي الشفاف. الأحزاب تعرف أنها لن تتجاوز أبدا عتبة ما هو مسموح لها به، وحزب العدالة والتنمية، مثلا، كان يتفاوض من قبل من أجل التنازل عن عدد من كراسيه البرلمانية، بينما حزب الأصالة والمعاصرة صار لديه عشرات النواب البرلمانيين بينما كان حزبا حديث النشأة ولم يسبق له أن خاض وقتها أية انتخابات برلمانية. هل هناك حمق ديمقراطي أكثر من هذا؟
عندما نشبت تلك المشاجرات التافهة بين بنكيران وعدد من وجوه المعارضة الرسمية، استغرب كثيرون لهجة الشجار وأسلوب «المعْيور»، مع أنه كان «معيورا» ضعيفا جدا، لأن البرلمان الذي تتجمع فيه كل تلك الأشكال من البرلمانيين وكل تلك الأنواع من الأحزاب وكل تلك الأشكال من الوجوه، وكل ذلك المزيج ما بين السوابق والمصالح، برلمان مثل هذا ينبغي أن تكون فيه لغة «المْعيور» أكثر حدة بكثير لأن مستوى البرلمان من مستوى نزلائه، ففي البلدان التي تحترم نفسها يتم فرض مستوى دراسي مرتفع للبرلمانيين، والمنتخبين عموما، بينما تابعنا قبل أيام تصريحا لوزير الداخلية يقول فيه «شْحال من واحد ما قاريش أحسن من هاداك اللّي قاري». طبيعي إذن، في بلد يتم فيه تمجيد الأميين والجهلة، أن يختلط الحابل بالنابل، رغم أن وزير الداخلية قد يكون محقا في عمق تصوره، لأن كبار اللصوص والشّفارة في هذه البلاد هم من «القارْيين» جدا ومن حملة الشهادات العليا في الداخل والخارج.
برلماننا يجب ألا نقارنه بأي من برلمانات العالم لأن ديمقراطيتنا فريدة ومتفردة، واحدة ومتوحدة، مميزة ومتميزة عن باقي الديمقراطيات في هذا الكون، وانتخاباتنا واحدة دون سواها، من أجل كل هذا من المشين أن نقارن برلماننا ببرلمان بريطانيا. ووفق نظرية التطور، فإن برلمان بريطانيا صار إنسانا مستقيم القامة مكتمل العقل، بينما برلماننا لايزال قردا منحني الظهر ومفترسا للحوم النيئة أو ملتهما للأعشاب البرية؛ وبين برلمانهم وبرلماننا نحتاج ربما إلى ملايين السنين حتى تتأكد نظرية التطور من مرحلة القرد إلى مرحلة الإنسان.
ساحة النقاش