http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

<!--

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

فلاش بريس= رشيد نيني

الشعر والشعراء

هذه السنة تم حجب جائزة المغرب للشعر، والسبب كما يروج في صالونات الشعراء ومقاهيهم وباراتهم، قد يكون إصرار أحد الشعراء على الفوز بالجائزة، فعمد إلى تحريك صداقاته وعلاقاته الأدبية، وغير «الأدبية»، للظفر بالجائزة، مما دفع شاعرا فهم أنه فوق هذا «المزاح» الطفولي إلى الانسحاب من مضمار السباق، فتم حجب الجائرة درءا للمشاكل.
غير أن حدث حجب جائزة الشعر شكل بالنسبة إلي مناسبة لكي أستحضر أثر الشعر
وأهميته في وقتنا الحالي، حيث قيم الشهامة والشجاعة والإيثار والاعتزاز بالنفس والموطن تندثر بسرعة قياسية. فمهمة الشعراء في كل العصور كانت حاسمة في الدعوة إلى الاصطفاف إلى جانب قيم الجمال والحق والعدالة، ودائما عندما تنهار الحضارات يكون الشعراء مسؤولين عن هذا الانهيار، لأنهم سدنة المعبد حيث ناقوس الخطر الذي يجب أن يدق. وكما قال «بريخت» في إحدى قصائده «إنهم لن يقولوا كانت الأزمنة رديئة، وإنما سيقولون لماذا صمت الشعراء».
كم نحن محتاجون إذن إلى شعراء معاصرين ينطقون بلسان الشعب، يعوضون كل
أولئك الشعراء الذين يتزاحمون في

الأنطولوجيات بلا طائل، ويتهافتون على الدعوات السخية لقراءة قصائدهم السخيفة أمام الكراسي الفارغة في الأمسيات الباردة.
الشعر، مثله مثل الصحافة، لديه وظيفة خطيرة في المجتمع، وهي وظيفة التعبير
بالكلمات والصور عن كل ما يعجز الآخرون في التعبير عنه. هناك من يستغل ملكة الشعر والصحافة في الارتزاق والتكسب والاغتناء، وهناك من يختار أن يكون صعلوكا يتهمه أسياد القبيلة بالخروج عن الطاعة، وكل واحد حر في اختيار قبيلته الشعرية.
عندما نلقي نظرة نحو الساحة الشعرية نكتشف أنها أصبحت تتزاحم بمرصفي
الكلمات ومروضي الصور والمتحذلقين الذين يجيدون الوصف والألاعيب البلاغية المقعرة متصنعين الغموض لكي يظهروا للقارئ عميقي الخيال.
هؤلاء الذين يتهافتون على وضع أسمائهم في الأنطولوجيات الشعرية الأجنبية
لكي يضمنوا أمكنتهم في لائحة أسماء المدعوين إلى المهرجانات الشعرية العالمية، حيث يمكنهم التقاط الصور وهم يتصنعون الانخطاف وهم منهمكون في قراءة أشعارهم المترجمة الفاقدة للمعنى، لكي ينشروها في ما بعد في صفحاتهم بالفيسبوك لإقناع العالم بأنهم شعراء.
والسبب وراء انتشار هذه الطحالب في الساحة الشعرية هو جهل أشباه الشعراء
هؤلاء بأن الشعر هو حالة وجودية وليس رصفا متحذلقا للكلمات. ويمكن أن تكون لديك روح شاعر دون أن تكون قد كتبت يوما أية قصيدة.
فالشعر هو القدرة على التمرد على السائد والثورة على المبتذل والصراخ في
وجه الصمت والجبن والحقارة البشرية. وهذه الصفات غير متوفرة للأسف الشديد في شعراء اليوم.
فالغالبية الساحقة تبحث لكي تفوز بجائزة مالية مقابل حفنة من القصائد،
وتريد أن تضع أسماءها في أنطولوجيات شعرية أجنبية، ومنتهى أحلام أغلبهم أن تتم المناداة عليهم للمشاركة في مهرجان شعري في الخارج.
أتذكر أنه في أقسام الثانوي كان لقاؤنا الأول مع الشعر العربي. في ذلك
الزمن الذهبي كان الشعراء بمثابة الصحافيين بالنسبة إلينا اليوم. يتناقلون أخبار القبائل والحروب والأمجاد والأحزان والمسرات بشكل منظوم في الأسواق والمجالس على ألسنة رواة حفظة، مهمتهم الوحيدة هي تلقف ما يصدر من الشاعر وحفظه ونشره على العموم شفويا. فالكتابة كانت عيبا آنذاك، وكل من يتجرأ على الكتابة يتم تعييره بضعف الذاكرة، وهي تهمة مخجلة توازي في فداحتها ما يسميه المحامون اليوم «السب والقذف».
كان أحب الشعراء إلى قلبي هم الشعراء الصعاليك.وقد سمتهم قبائلهم
بالصعاليك ليس لأنهم شعراء أنذال،ولكن فقط لأنهم رفضوا الخضوع لنظام القبيلة، فتم طردهم منها.
إنهم بالمعنى المعاصر ثوار رافضون للسلطة المستفردة بالقرار. ولذلك قرروا
تشكيل «عصابة» من الشعراء يعيشون على نهب قوافل أثرياء قريش وتجار اليهود الذين كانوا يذرعون صحاري الجزيرة العربية في تلك الجاهلية البعيدة.
كانوا كلهم أصدقائي، السليك بن السلكة، وتأبط شرا، والشنفرى، والحارث بن
ظالم، وقيس بن الحدادية بن خزاعة، وحاجز بن عوف الأزدي. مجرد ذكر أساميهم كان يثير الرعب. وبين هؤلاء الشعراء الصعاليك فإن عروة بن الورد يبقى صعلوكي المفضل. وقد تمنيت دائما في مراهقتي البعيدة أن أكون مثله. فقد كنت مفتونا بشعره وشجاعته الحربية وسرقاته الشهيرة التي ينفذها في قوافل الأثرياء لكي يوزعها في ما بعد على فقراء قبيلته. فالرجل كان لصا كريما إلى درجة أن عبد الملك بن مروان قال في حقه «من قال إن حاتما الطائي أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد».
إن أحد أنبل المواقف التي جعلتني أحترم عروة بن الورد وألتهم شعره العذب
طيلة السنوات الأخيرة، هو عندما رهن سيفه من أجل أن يشتري الحليب لامرأة استوقفه بكاء طفلها من شدة الجوع. لقد كان السيف في تلك الجاهلية البعيدة بالنسبة للفارس عتادا ضروريا، خصوصا بالنسبة لشاعر صعلوك مطلوب رأسه في أكثر من قبيلة. ومع ذلك خاطر عروة بن الورد بحياته ورهن سيفه من أجل أن يشرب رضيع جرعة حليب.
منذ تلك المراهقة، وأنا أقرأ سيرة الشعراء الصعاليك، والشعراء الفرسان،
والشعراء الأمراء الذين كانت رائحة طيبهم تسبقهم إلى المجالس، وبعدها جاءت سنوات المراهقة واكتشفت درويش والسياب ونزار قباني، فقررت بيني وبين نفسي أن أكون مثلهم، يعني أن أكون لسان حال الشعب كما كانوا هم لسان حال قبائلهم.
لقد كنت مقتنعا دائما بأن هؤلاء الشعراء المغضوب عليهم والصعاليك كانوا هم
صوت المعارضة الحقيقية في قبائلهم. ولذلك تم طردهم بتهمة الصعلكة. وهذا ما يسمونه اليوم في المغرب بنشر التيئيس والعدمية.
في تلك العصور الجاهلية كانت القبيلة عندما يولد لها شاعر تقيم الأعراس
والحفلات لأسابيع طويلة، لأن القبيلة سيكون لها لسان حالها الذي سيدافع عنها عندما يهاجمها شاعر قبيلة أخرى. وكم من حرب نشبت بسبب بيت شعري «مسموم»، أو كلمة غزل في فتاة القبيلة المجاورة مدسوسة بمكر في قصيدة هجاء.  
خلال سنوات الرصاص وما تلاها من سنوات التناوب، وعندما كان اليسار
الاشتراكي يريد أن يصرف موقفا أو رسالة باتجاه سائق العربة، كان شعراء الحزب وصحافيوه وكتابه يتكفلون بهذه المهمة. وكانت الافتتاحيات المسمومة تصدر «من يوم لآخر» إلى أن تصل الرسالة. وكم مطبعة تكسرت مفاصلها، وكم صحيفة تم الحجز عليها بسبب أن الأشواك التي أكلتها أفواه الانكشارية الشعرية والإعلامية نيابة عن السياسيين، كانت حادة أكثر من اللازم.
فقد عاش المغرب أزمنة كان فيها الشعراء يدفعون الفاتورة نيابة عن
السياسيين، فانتهى العديد منهم في السجون والمعتقلات والمنافي من أجل أن يصل السياسيون إلى الكراسي التي حلموا بها دائما. فالسياسي يمارس السياسة من أجل عيون السلطة ولا شيء آخر غير السلطة، وعندما يصل إليها يصنع كل ما بوسعه لكي يبقى متشبثا بها لأطول وقت ممكن.
وقد يحدث أن يمارس الشاعر السياسة، لكن من جانب عاطفي، إذ بمجرد ما يفشل
في الوصول إلى السلطة أو عندما يصل إليها ويفشل في المحافظة عليها، يعود أدراجه إلى «حبه القديم»، فيعود السياسي الشاعر إلى قصائده والسياسي الأستاذ إلى جامعته ومحاضراته والسياسي الباحث إلى بطون الكتب.
وحده السياسي المحض يبقى مصرا على العودة إلى كرسي السلطة، منتهى طموحه
وأقصى ما يحلم به. وفي سبيل هذا الحلم يسترخص السياسي كل شيء، بما في ذلك مبادئه التي يغيرها بحسب الظروف والمصالح.
فالسياسي كائن حربائي يتلون بألوان المرحلة، ويستطيع أن يذيب معدنه ويخلطه
بأشد المعادن رداءة لكي يحصل على بريق السلطة. والسياسي لديه قناعة راسخة بأنه قادر على قولبة الجميع واستعمالهم كيفما شاء من أجل الوصول إلى هدفه. فالشعراء والصحافيون والباحثون والجامعيون والفنانون والمبدعون والرياضيون كلهم أدوات يستطيع أن يجعلها في خدمته وقتما وجد الحاجة إلى إحداها ملحة.
والواقع أن السياسي يفوض مهمة إطالة اللسان والجهر بالحقائق للشاعر لأنه
يحتاج قواربه كاملة ولا يستطيع حرق أي واحد منها. فالسياسي يستطيع أن يكون خصما لسياسي آخر، وفي الغد يمكن أن يصبح حليفه إذا ما رأى أن مصلحته تقتضي دفن الخلاف وتغيير البندقية من كتف إلى كتف.
وفي معجمهم العجيب يسمون هذا النفاق «الواقعية السياسية». أما المثقف
فيسميها «الردة». وكم من شاعر صدمته «ردة» السياسيين الذين ظلوا يأكلون الأشواك بفمه، فقرر أن يعتزل السياسة وأهلها وانصرف إلى ما «ينفعه»

المصدر: فلاش بريس= رشيد نيني
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 16 فبراير 2015 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,136