<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = عبد السلام بنعيسي
التعصب في عصره الذهبي
أصرت مجلة شارلي إيبدو على نشر صور ساخرة من الرسول محمد (ص). تم نشر تلك الصور في عددها الصادر عقب الاعتداء الذي تعرضت له بمقرها في باريس.
تفسر المجلة ومعها السلطات الفرنسية أن إعادة نشر الصور الساخرة من الرسول تعبير من طرفها عن عدم الانصياع لتهديدات الإرهابيين والرضوخ لها.
بيعت ما يفوق الثلاثة ملايين نسخة من المجلة، وتم سحب مليونين آخرين وعرضا في السوق تحت إلحاح طلب القراء، واصطف الناس في طوابير للاطلاع في الأكشاك على محتوياتها، بتأثير من التعبئة الشاملة التي صُنعت حول الحدث.
وكانت قد خرجت في باريس مسيرة مليونية يتقدمها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ومعه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو للتضامن مع شارلي، والتنديد بالمتطرفين الذين اعتدوا على صحافييها. إذا تأملنا في الأمر جيدا نجد أن المجلة ومعها السلطات الفرنسية والعالم الذي يدعمها، سقطوا كلهم في الشرك الذي يريده الإرهابيون. تبدو فرنسا، من خلال ما قامت به، وكأنها تورطت في منطق رد الفعل، إنها تتصرف بغريزتها الثأرية، لقد دخلت باريس ومعها العديد من دول العالم من ورائها، إلى ميدان المتعصبين، وأصبحت تتصرف في تناغم وتفاعل مع تصرفاتهم، وتلعب لعبهم.
أن تصدر كل ردود الأفعال الفرنسية هذه عما فعله الإرهابيون الذين ارتكبوا الجريمة في مقر شارلي إيبدو، فهذا ما كان يبحث عنه هؤلاء.
هذه الضجة الإعلامية وهذا الصخب الواقع في الشارع الفرنسي والذي وصل صداه إلى جميع أنحاء العالم هو بالتحديد ما كان يريده ويتمناه قياديو القاعدة حين كانوا يخططون لعملية الهجوم على مقر المجلة.
أن يكون نتنياهو، الذي ما زالت يداه تقطران بدماء الأطفال الفلسطينيين الذين ذبحهم في غزة، من ضمن المشاركين في مظاهرة الاحتجاج بباريس، فهذا هو عين ما يترجاه أعضاء داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها من التنظيمات المتطرفة التي تحلم بارتكاب تفجيرات أخرى في قلب العواصم الغربية.
تصرف المسئولين الفرنسيين بدا وكأنه يستجيب لكل ما يريده منهم تنظيم القاعدة، فما دامت الرسوم المسيئة للرسول قد أهاجت هؤلاء المتشددين وضربوا المجلة التي نشرتها، فنحن الفرنسيون سندعم قرار إعادة نشرها، وسنتبناه ضدا فيهم، ولا يهم مشاعر باقي الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وما ينتج عن ذلك من طرفهم.
تنسى السلطات الفرنسية أن سلوكها هذا يوفر الذخيرة الحية للمتعصبين ويهيئ الدفيئة المناسبة لخطابهم لكي يتغلغل وينمو في صفوف الشباب المسلم الفقير العاطل المحبط، سواء في العالم الإسلامي، أو في أوروبا والضواحي الفرنسية تحديدا حيث يعيش أبناء المهاجرين في وضعية الهشاشة المفرطة.
إعادة نشر صور ساخرة من الرسول أمر يتيح الفرصة للذين يريدون تجنيد هؤلاء الشباب بالقول لهم: انظروا ها أنتم ترون بأنفسكم، صحافة فرنسا تسخر من النبي وتفعل ذلك بإصرار شديد ووراءها كل مجتمعها والعالم الغربي، رغم تحذيرنا لها حين ضربنا مجلة شارلي إيبدو.
فرنسا إذن ومعها حلفاؤها، يستحقون منا نحن أعضاء القاعدة ضربات أعنف وأقوى وأوجع لكي يتراجعوا عن سلوكها المعادي للإسلام، نحن ندافع عن رسول المسلمين ونذود عن مقامه المقدس لصونه وفرض احترامه.
تدرك السلطات الفرنسية أن السخرية من الرسول محمد (ص) ليست أمرا مقبولا من طرف المسلمين، تعلم أن ذلك يلحق بهم ألما نفسيا شديدا، ولديها الوسائل والإمكانيات لمنع وقوع ذلك، فحرية الصحافة في أي بلد من البلدان ليست مطلقة ولا تقييد عليها.
الحرية نسبية، ولدى جميع السلطات في كل دول العالم الوسائل التي تؤثر بواسطتها في الصحافة وفي وسائل الإعلام الخاضعة لسلطتها، إما عبر التوجيه، أو الترغيب، أو التهديد بطرق ملتوية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضايا المرتبطة بالأمن وبالدفاع والمصالح الاقتصادية الكبرى للدول.
لا يمكن تصور أن باريس ستقف مكتوفة الأيدي إذا قامت الصحافة الفرنسية من تلقاء نفسها بشن حملة دعائية ضد واحد من بعض الحكام العرب الأثرياء الذي لدى بلده استثمارات كبرى في فرنسا، ولدى الشركات الفرنسية عقود للعمل عديدة وذات عائدات مجزية في بلد ذلك الحاكم.
إذا قامت الصحافة الفرنسية بشن حملة عليه، وهدد بسحب استثمارات بلده من فرنسا وطرد الشركات الفرنسية من البلد الذي يحكمه، ستبادر باريس إلى لجم الصحافة ووقفها بشتى الطرق عن الاستمرار في حملتها، وذلك دفاعا عن المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الفرنسية.
المقام الذي يتبوأه الرسول (ص) في قلوب المسلمين أكبر بكثير من مقام الحكام، فبماذا نفسر كون الصحافة الفرنسية تسهر على توقير الحكام العرب، خصوصا الأثرياء منهم، ونجد أنها تتحاشى انتقادهم والحديث عن فسادهم واستبدادهم وتمويل بعضهم أحيانا للمجاميع الإرهابية، في حين تسمح فرنسا لمجلة من مجلاتها المغمورة بالإساءة المتكررة للرسول؟؟
سلوك الدولة الفرنسية ومعها صحافتها يندرج، سواء أرادت ذلك باريس أو لم ترده، في إطار استفزاز المسلمين وإثارة حنق وغضب المتشددين منهم، وتوفير كل الذرائع لهم لارتكاب الجرائم المنكرة في الشوارع الفرنسية تحت مبرر الدفاع عن الإسلام.
لكل ما سبق يجوز القول إن التعصب يعيش في أيامنا هذه عصره الذهبي، مع ملاحظة أن التعصب الذي ينتج الإرهاب لم يعد هواية أفراد مهووسين ومجانين وإرهابيين، ولكنه أضحى صناعة لدول تروج عن نفسها أنها تحاربه لتقضي عليه.
ساحة النقاش