<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = جمال بدومة
»حبة الزرع«
العدد :2586 - 22/01/2015
فرنسا في حالة حرب. رجال الأمن في كل مكان: في الشوارع، في أنفاق المترو، في التلفزيون، أمام الإدارات، وعلى أبواب المؤسسات الإعلامية... بالإضافة إلى أفراد الشرطة والدرك، نـُشرت عشرة آلاف عسكري في مختلف أنحاء البلاد بعد أحداث الأربعاء الأسود، التي انتهت بمقتل سبعة عشر شخصا وجريدة ساخرة. إنها المرة الأولى التي يفوق فيها عدد الجنود المستنفرين داخل فرنسا نظراءهم في الخارج، أي في مناطق النزاعات التي ينخرط فيها الجيش الفرنسي من مالي إلى العراق مرورا بأفريقيا الوسطى ولبنان، وبقية البلدان التي تعيش على إيقاع حروب تستدعي تدخلا أجنبيا.
فرنسا في حالة حرب. ضد من؟ كل واحد يرسم العدو الذي يناسبه، لكن الشيء المؤكد أن كلمة «إسلام» تتكرر في كل الخطابات والتحليلات والنقاشات، رغم أن المسؤولين السياسيين حرصوا على التأكيد على أن هذه «الحرب ليست ضد الإسلام»، بمن فيهم زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبن، مما يدعو إلى الدهشة والتساؤل، صدق من قال إن «الخطاب حجاب»، يخفي النوايا والمخططات، خصوصا لدى السياسيين. واضح أن «المسلمين» أصبحوا كابوس الجمهورية المخيف، كابوسا ظل يتسابق في وصفه الإعلاميون والكتاب والمحللون، قبل حتى أن تحدث «مجزرة شارلي إيبدو»، بين من يعتبر أن الجمهورية «انتحرت» عندما سمحت لخمسة ملايين مسلم بالاستقرار فيها، مثل إريك زمور مؤلف «الانتحار الفرنسي»، الذي لم يتردد في المطالبة بـ«ترحيل» هؤلاء «الغزاة» بعيدا عن فرنسا المسيحية-اليهودية، ووضعهم في معسكرات ما، كما فعل هتلر في الحرب العالمية الثانية، وبين من يتنبأ بوصول الإسلاميين إلى السلطة عام 2022، في مرافعة تقطر عداء للمسلمين سماها «رواية»، واستضافته كل وسائل الإعلام في وقت الذروة وفي نشرات الأخبار الرئيسية، في إصرار غريب على جعل «العداء للإسلام» حديث الساعة.
البعض يحاول الفصل بين «الإسلام المتطرف» و«الإسلام المعتدل»، فيما البعض الآخر «خرج لها نيشان»، وبات يردد صراحة أنه حان الأوان كي تعلن فرنسا «الحرب على الإسلام»، بالنسبة إليهم، الدين الإسلامي لا يتلاءم مع مبادئ الجمهورية وقيمها، وكل مشاكل فرنسا اليوم سببها الإسلام، إلى درجة أن الصحافي المتقاعد فيليب تيسون، قال على أمواج إحدى الإذاعات إن «المسلمين هم من يجلب الغائط إلى فرنسا»، مع الاعتذار عن الترجمة الحرفية لقاذورات الصحافي الذي يبدو أنه وصل مرحلة التخريف. حتى ميشال انفري، الفيلسوف النبيه، فقد صوابه وبات ينظر إلى المسلمين بنظارات فينكيلكروت، كما بدا واضحا في المقال الذي كتبه في صحيفة «لو بوان» وفي كلامه عندما حل ضيفا على برنامج «On est pas couché» السبت الماضي.
شخصيا، لا تزعجني كل هذه الخطابات العنصرية، بقدرما يخيفني هؤلاء الفتية المسلحون الذين استنفرتهم الدولة للدفاع عن الجمهورية، لا أعرف لماذا، لكنني أحس بأنهم يمكن أن يطلقوا النار علينا دون سبب! شبان لم يتجاوزوا العشرين من العمر، مدججين بمسدسات رشاشة وأسلحة من مختلف الأنواع، جاهزون لإطلاق النار في أي وقت. والمعادلة اليوم في فرنسا هي: «أنت عربي إذن أنت مشروع إرهابي».
السحنة توحدنا. ماذا لو خطرت لأحدهم فكرة مجنونة وشرع في إطلاق النار كيفما اتفق؟ ماذا لو توجس من سحناتنا السمراء وأطلق علينا وابلا من الرصاص؟ ستقول وسائل الإعلام إن شرطيا أطلق النار على «مشتبه فيه». كل التلفزيونات ستتحدث عن مقتل «أحد الإرهابيين»، وعندما يكتشفون أن الأمر يتعلق بشخص بريء، سيصححون الخطأ.. بعد ثلاثة أيام، دون أن ينتبه أحد إلى ذلك! كل العرب اليوم «إرهابيون» إلى أن يثبت العكس، شكرا للأخوين كواشي. كثير من المؤسسات وضعت رهن إشارة موظفيها خلية بسيكولوجية. كل من يحس بأن ما يحدث خلف له صدمة نفسية يمكن أن يصعد ليحصل على الدعم النفسي من طرف أخصائيين. نحن العرب محصنون من الأزمات النفسية، لأننا لا يمكن أن نعيش بدونها. فكرت أن أذهب أنا أيضا عند الطبيب النفسي كي أحدثه عن هواجسي، لكن غلبتني القهقهة. تذكرت الرجل الذي كان يعتقد أنه حبة زرع ويخاف من الدجاج والحمام وكل أنواع العصافير التي تستطيع أن تنهي حياته بضربة منقار، وبعد أن استفحلت حالته نصحوه بأن يذهب عند طبيب نفسي. الطبيب اختار أن يبرهن له بالحجج على أنه ليس حبة زرع وقال له: أنت تتحدث معي، وحبة الزرع لا يمكنها أن تتحدث، أليس كذلك؟ «بالفعل» رد المهووس. أنت لديك أيد وأرجل ووجه، وحبة الزرع ليس لها شيء، أليس كذلك؟ أضاف الطبيب. «صحيح» رد المريض. عندها سأله الطبيب منشرحا: هل اقتنعت إذن بأنك لست حبة زرع؟... رد «حبة الزرع»: أنا مقتنع يا دكتور، المشكلة في الدجاجة... واش هي مقتنعة؟».
ساحة النقاش