<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = محمد الأشهب
عناوين صغيرة في أزمة كبيرة
إما أن يكون الأشخاص المعنيون بتوتر أجواء العلاقات، بين الرباط وباريس، مغاربة تنطبق عليهم قوانين البلاد، ذات الصلة، ولن يكون في هذه الحالة دور فرنسا سوى الإذعان لأوفاق العلاقات في مجالات التعاون القضائي وغيره، بما يحررها من أي حرج. وإما أن يكون ذات الأشخاص فرنسيين، من خلال حمل الجنسية، وفي هذه الحالة فإن تصرفاتهم، أنى كانت بواعثها، تلزم فرنسا بوضع حد لأي سلوك يخرج عن قواعد الاحترام المتبادل، مع استثناء الأمر، عندما يتعلق بحرية الأشخاص في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، حين تنضبط لأخلاقيات الحرية المقيدة بضوابط المسؤولية.
في أي حال، فالعلاقات بين الدول لا تتأثر بمواقف الأفراد، إن كانت منعزلة في سياقها، أم في حال تلازمت وخلفيات غير بعيدة عن مصادر القرار، فالمسألة ترتدي أبعادا خطيرة، ليس أقلها غياب الإرادة والرغبة في بناء علاقات ثقة متكاملة الأضلاع، تكون في مستوى أوجه ومتطلبات شراكة استراتيجية بعيدة المدى.
تستطيع السلطات الفرنسية أن تردد أنها كجهاز تنفيذي غير معنية بالتدخل في استقلالية القضاء، لكنها في ذات الوقت لا يمكن أن تتنكر لنفس الممارسات، حين تصدر عن القضاء المغربي، إذ تسقط ذرائع الكيل بمكيالين، إلا أن يكون وراء الآلة ما وراءها. وإذا كان الفرنسيون في قصر الإليزيه ومقر الحزب الاشتراكي يرغبون في استصدار عفو عن مغاربة حاملين للجنسية الفرنسية، متورطين في متابعات قضائية فلقولوا ذلك بصراحة واضحة، وعلى الطرف المغربي أن يأخذ الأمر في الاعتبار كطلب مرفوض أو قابل للبحث، لكن العلاقات بين الدول الأصدقاء، تقفز عادة فوق مثل هذه المطبات.
لا أحد ينكر على السلطات الفرنسية، في فترة دقيقة كهاته، اتخاذ الإجراءات التي تراها كفيلة بالحد من مخاطر استشراء الإرهاب وأعمال العنف، إلى درجة التلويح بسحب الجنسية من الأشخاص المتورطين، كما فعلت بريطانيا في وقت لاحق، بغاية تشديد الخناق على المتطوعين العائدين الذين يحملون مشروعات متطرفة، غير أن اللافت في هذه المفارقات هو المغرب حين يلجأ بدوره لاتخاذ إجراءات قانونية وقضائية في مواجهة من يحاولون العبث بأمنه واستقراره ووحدته، علما أنه لم يلجأ إلى سحب الجنسية من أحد.
إلا أن احترام أحكام القضاء يظل قيمة مشتركة فوق أي اعتبار آخر، ومن غير المفهوم كيف يكون القضاء في بعض الحالات شبه منزه، وفي أخرى يتعرض إلى الخدش والاتهام، علما أن المؤسسات واحدة في إعلاء لواء سمو القانون، ما يدفع إلى الاعتقاد بوجود خلفيات تسييسية تلقي بظلالها على المواقف، خصوصا تلك التي تبدو خارج سياق التفاهمات والأعراف الدولية.
وراء كل أزمة منتفعون يدبرون الخيوط في الاتجاهات التي تخدم هذه الأجندة أو تلك. وهم لا شك يمثلون مصالح واعتبارات. لكن السؤال المطروح هو إلى أي حد تخدم أو تعيق هذه المصالح المسار الطبيعي لعلاقات بلدين صديقين، تجمعهما روابط عميقة. وتبعا لذلك، هل الحكومة الفرنسية وقصر الإليزي معنيان بتوتير الأجواء، أم بالبحث في وسائل تطويق الأزمة.
عندما أعلن رئيس الدبلوماسية المغربية أنه سيزور باريس، كان ذلك مؤشرا إلى إرادة ورغبة أكيدتين، في معالجة الأزمة، لأن من يقوم بالخطوة الأولى، ليس في مثل من ينتظرها، إلا حين تتطابق الأهداف والمساعي، ومن العبث أن تقابل هكذا مبادرة بردود أفعال لا تليق أو تتماشى مع الأعراف الديبلوماسية. فالمنطق يقتضي إذا كانت هناك تصورات وآراء، فإن المجال الحيوي لطرحها هو إطار المفاوضات الهادئة، وإذا لم تكن هناك عوارض، فلا مبرر للإبقاء على أي شكل من أشكال التباعد.
سياسيا، يفهم الحزب الاشتراكي الفرنسي منذ زمن بعيد أن انتقاله إلى واجهة تحمل المسؤولية الحكومية، كما حدث على عهد الرئيس فرانسوا ميتران، سيدفعه إلى تغيير كثير من القناعات والتصورات، على قدر الفرق الشاسع، بين ارتداء نظارات المعارضة، ووضع نظارات الحكم على العيون. وقد اعتقد ذوو النوايا الحسنة أن مرحلة سوء التفاهم بين الرباط وباريس، انتهت إلى غير رجعة.
بل يمكن القول إن علاقات البلدين الصديقين تطورت بشكل ملحوظ، وتأسيسا على ذلك سيكون على الاشتراكيين أن يضعوا في الاعتبار تجربتهم السابقة في الحكومة، أقلها على صعيد العلاقات المغربية ـ الفرنسية، نظرا للمكانة التي يحتلها المغرب ورتبته المتقدمة في سجل المعاملات الاقتصادية والتجارية مع فرنسا.
قد تكون هناك داخل الحكومة والحزب الاشتراكي آراء لا تسير في هذا الاتجاه غير أن مصالح فرنسا مع المغرب أكبر من أن تتأثر بهكذا ميول، إلا إذا كان تأزيم الأوضاع مطلوبا لسبب أو لآخر، ولعل إلغاء زيارة وزير الخارجية صلاح الدين مزوار كان قرارا صائبا، يحد من نفوذ التعالي الذي تمارسه بعض الأوساط.
لا يريد المغاربة، على رغم كل شيء تمريغ أنف البلد الصديق في التراب، ولا يجب أن يكون في وارد أوساط فرنسية أن تعمد إلى هذه الطريقة، لكن يبقى الحرص على التعامل مع القضايا التي كانت، ضمن أسباب الأزمة، رهن الحسم في قضية بسيطة جدا محورها الإجابة إن كان حمل الجنسية الفرنسية امتيازا أم مجرد إجراء لا يسمح لصاحبه بالتطاول على الغير.
ساحة النقاش