المساء = عبد الله الدامون
الطّاكْسي والعصير وحليمة.. وفضيحة 22 مليارا
العدد :2562 - 24/12/2014
قبل بضع سنوات، انفجرت قضية غريبة في مجال الصحافة حينما قررت امرأة، تنتسب إلى حزب الحركة الشعبية، اسمها حليمة عسالي، أن تقاضي مجلة فرانكفونية مغربية اتهمتها بكونها «شيخة»، وطالبت وقتها بتعويض قياسي، وهو مائة مليون سنتيم.
لم تتعرض عسالي وقتها لأي لوم لأن كرامتها أُهينت وكان لا بد للقضاء أن يحسم، فحسم فعلا بأن أصدر حكما لصالحها يبرئها من «تهمة» «تاشِيخيتْ» ويلزم المجلة بأن تدفع لها كتعويض مائة مليون سنتيم كاملة غير منقوصة، قبل أن يتدخل وسطاء لرأب الصدع.
حليمة عسالي توصف بكونها المرأة الحديدية في حزب الحركة الشعبية، مع أن كل الأحزاب المغربية فيها نساء حديديات، أحيانا يظهرن وأحيانا يبقين في مخدع «الحريم». لكن عسالي، وكما تبدو غالبا، تدافع عن رجال حزبها أكثر مما تدافع عن نساء البلاد، لذلك انتفضت مؤخرا ودافعت بشراسة عن صاحب «أكبر سْنطيحة» في العالم، محمد أوزين، الذي لايزال حتى اليوم وزيرا للشباب والرياضة.
عسالي انتقدت بشدة من انتقدوا بشدة وزير الشباب والرياضة على فضيحة الرباط التي مرغت وجه البلاد والعباد في الوحل، وزادت من فيض كلامها قائلة إن الملك هو من عيّن أوزين وزيرا للرياضة، وكأن من يعيّنه الملك في منصب ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واسترسلت في الكلام حتى أحسّ الذين انتقدوا أوزين وفضيحته المجلجلة وكأنهم أتوْا شيئا نُكْرا.
عندما قاضت عسالي تلك المجلة الفرانكفونية التي اتهمتها بكونها شيخة وطالبت بمائة مليون سنتيم، لم يعب أحد على المرأة لجوءها إلى القضاء ومطالبتها بذلك المبلغ، لأن كرامتها فوق أي اعتبار؛ وها هي الأيام تدور ونفس المرأة التي أحست بجرح عميق في ذاتها لمجرد اتهام بكلمة واحدة قرأه بضعُ مئات من الناس، تنبري لتعيب على المغاربة انتقادهم للوزير أوزين لأنه شهّر بأزيد من ثلاثين مليون مغربي وجعلهم مضغة تلوكها أفواه كل سكان الكون؛ وفوق هذا وذاك، أدى المغاربة من جيوبهم أزيد من 22 مليار سنتيم من أجل شراء عشب رفيع لملعب الرباط، فكشفت التحقيقات أن أوزين أمر بشراء عشب رخيص، ثم لم يتبع ما كان يجب أن يفعله كوزير وصي على هذا القطاع، أي أن الفضيحة في عنقه تجلجل كما يجلجل الجرس في عنق الثور.
ربما تكون عسالي تحس بالشفقة على أوزين لأنه صهرها، والمقربون أوْلى بالدفاع عنهم، أو ربما كانت تطبق المقولة الجاهلية «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما». والحقيقة أن هذه المرأة تطبق هذه المقولة بحذافيرها، ليس لأن أوزين صهرها فقط، بل لأنه أيضا ابن قبيلتها وعضو حزبها، ويقول قائلون إنها هي التي استوزرته.. لأنها حديدية أكثر من الحديد نفسه.
مشكلة السياسيين المغاربة هي أنهم ظلوا مدفونين في منطقهم القبلي والعائلي والحزبي. لقد ظلوا يشبهون تلك الكائنات البدائية التي لا تخرج من المغارة إلا من أجل أن تصطاد ثم تعود إلى الكهف، لذلك نرى ما نراه.
لو كانت للعسالي عيون مفتوحة على العالم لسمعت بقصة وزيرة نرويجية استقالت لأنها عادت من رحلة إلى الخارج وركبت في المطار سيارة أجرة على حساب جيوب دافعي الضرائب، فقامت القيامة ضدها، لكنها لم تقرر الاعتذار، بل وضعت استقالتها فورا وتوجهت رأسا نحو منزلها. نعرف أن النرويج هي واحدة من أغنى بلدان العالم، وصرف بضع «كْرونات» لسيارة أجرة لن يقدم ولن يؤخر، لكن القضية ليست قضية ثمن سيارة أجرة بل قضية مبدإ، لأن من يتعود على سرقة حفنة من الدراهم لن يتردد أبدا في سرقة «حفنة» من الملايير، لذلك من الضروري أن يموت «المشّ» من النهار الأول.
نطلب من مدام حليمة عسالي أن تصبر علينا قليلا حتى نقص عليها حكاية أخرى لمسؤول كندي قدم اعتذارا علنيا ووضع استقالته على الطاولة، ليس لأنه فعل ما فعله أوزين، بل لأنه تجرأ وشرب كأس عصير برتقال (وليس باناتْشي) على حساب دافعي الضرائب الكنديين، فكانت القيامة.. لأن شرب كأس عصير على حساب الشعب يقود إلى كأس جعة، وكأس جعة يقود إلى كأس «فودْكا»، وهكذا دواليك حتى نصل إلى بئر فساد بلا قرار.
المؤسف أن حليمة عسالي ليست وحدها التي تفكر بهذه الطريقة الكارثية في البلاد وتدافع عن فساد لا يمكن الدفاع عنه، فهناك كثيرون مثلها أو أكثر منها شراسة في الدفاع عن الفساد، ولو أنه كان لدينا سياسيون وشعب في المستوى لما كانت لدينا وزيرة مثل ياسمينة بادو توجد الآن خارج أية محاسبة مع أننا نعرف ما اقترفته في صفقة الأدوية، ولما كان عندنا شخص مثل عباس الفاسي الذي جنى على 30 ألف مغربي وتمت مكافأته بتعيينه وزيرا أول، وهناك آخرون كثيرون، بعضهم نعلمهم وآخرون الله وحده يعلمهم.
الحاصُولْ.. هادي بْلاد ما بْقا فيها ما يتـّْجْمع..
ساحة النقاش