فلاش بريس= رشيد نيني
الله يعطينا وجهك نيت
من الغرائب التي لا يمكن أن تحدث سوى في المغرب، أن يتسبب وزير في فضيحة من حجم تلك الفضيحة التي تسبب فيها وزير الشباب والرياضة محمد أوزين للمغرب، وفي الغد عوض أن يجد نفسه جالسا أمام لجنة للتحقيق، يجد صحافي نفسه متابعا من طرف الوزير بالسب والقذف.
هذا ما وقع لي تماما صباح الاثنين، فعوض أن أرى أوزين متهما بسبب الفضيحة التي ورط فيها المغرب أمام العالم بأسره، وجدت نفسي في ولاية الأمن أجيب على اتهامات وجهها إلي في شكاية أعطاه رئيس الحكومة الضوء الأخضر لكي يضعها ضدي لدى وزير العدل، الذي لفرط حماسه لمقاضاتي سارع إلى إعطاء تعليماته للنيابة العامة لتحريكها.
ولا يكاد الوزير أوزين «مول ثقبة الزين» يخرج من فضيحة إلا لكي يسقط في أخرى.
ولفرط «التمقليع» الذي يعتقد أنه يتمتع به، فإنه يحاول عند اندلاع كل فضيحة أن يرمي الكرة نحو ملاعب الآخرين، محملا مسؤولية الكوارث التي تعصف بقطاعه لمقربين منه، تماما كما فعل عندما ضحى، بسبب فضيحة ملعب مولاي عبد الله، بمدير ديوانه معتقدا أن ذلك سيعفيه من المحاكمة الشعبية.
ومن الممكن أن نقبل من الوزير أوزين أن يكون حائزا على دكتوراه بناء على «ميني ماستر» من جامعة مغمورة أسست لدعم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأفلست قبل أن ترى النور، ومن الممكن أن نقبل منه أن يفتتح سنة 2013 بأكادير تظاهرة كروية دولية اقترنت بمهزلة الأهازيج الفلكلورية التي لم تثر إعجاب أحد غير «جوزيف بلاتر» والشركة المنظمة، بل من الممكن أن نقبل منه تنظيم كأس العالم للأندية سنة 2014 في ملعب تغمره المياه، ويحتاج إلى خدمات علال القادوس لتفريغ حمولته، وإلى «كراطات» عملاقة و«جفافات» و«صطولا» الصباغة لتجفيفها، أمام كاميرات العالم وسخرية المعلقين الأجانب، على نمط برنامج «ألعاب بلا حدود» التي كنا نتابعها أيام الطفولة.
غير أن ما لا يمكن أن نقبله هو أن ينشر وزير الشباب والرياضة صورا عنصرية على صفحته في «الفيسبوك»، يسخر فيها من إخواننا الأفارقة، أو أن يسمح بذلك لأصدقائه على صفحته البلهاء، ويستغل فيديوهات تصور مآسي إنسانية لترهيب المواطنين من خطر إيبولا القاتل، رغبة منه في تلميع صورته والدفاع عن قراراته، أو في التهجم على منتقديه، أو تهديدهم باللجوء إلى القضاء ضدهم.
ولعلم السيد الوزير «المسرار»، فإن ملك البلاد قاد حملة كبيرة من أجل إرساء علاقات سياسية واقتصادية متينة مع أشقائنا الأفارقة جنوب الصحراء، وأوصى بتشجيع الاستثمار فيها، وأن الدولة قررت تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة احتراما منها لحقوقهم الإنسانية، ووفاء منها لالتزاماتها الدولية في الحفاظ على كرامتهم، رغم أنها لا تزال مطالبة بالمزيد تجاههم، لأن إخواننا المهاجرين الأفارقة لا يزالون في حاجة فوق ترابنا الوطني للمزيد من العناية والرعاية الإنسانيتين، خاصة في ظل هذه الأجواء الباردة، حيث يحتلون مخيمات عشوائية بجانب محطات السكك الحديدية أو الغابات، وسط خيام بدائية من القش أو البلاستيك، وحتى لا ينسى وزيرنا «الزوين» هذه الحقائق، نذكره أن الخطوط الملكية المغربية لا تزال تواصل رحلاتها من وإلى الدول الإفريقية الصديقة، عربونا منها على استمرار أواصر الصداقة والاحترام المتبادل بيننا وبينهم بالرغم من كل الظروف.
غير أن الوزير أوزين، الذي نراه يهتم بصورته أكثر من اهتمامه بصورة البلاد، والذي يتهم المواطنين المنتقدين له بالطابور الخامس، أي بالخيانة العظمى للوطن، وهو يحرص على تصوير نفسه بصدد تقبيل العلم الوطني بحنان شديد، دون أن يكلف نفسه تقديم ما يستحقه هذا العلم من تضحيات حقيقية لإعلائه مرفرفا شامخا في السماء بين رايات الأمم العريقة، عمد يوم 9 نونبر من هذه السنة إلى نشر شريط وثائقي من 34 دقيقة على صفحته «الفيسبوكية»، يتطرق لفيروس إيبولا الخطير، فاتحا المجال لزوار صفحته لكي يطلقوا العنان لتعليقاتهم غير المضبوطة، والتي وصلت حد الاستهزاء بالبشر وإلى العنصرية في أبشع صورها.
وهكذا بدل أن يتدارك الوزير الموقف، ويبادر إلى حذف ما هو منشور بصفحته الذي من شأنه أن يضع المغرب بكامله موضع اتهام بالعنصرية، ويسيء إلى العلاقات المتميزة للمغرب مع أشقائه الأفارقة ومع بقية العالم، ترك الحبل على الغارب، وانطلق للخوض في مواضيع أخرى، ناسيا أن مسؤوليته كوزير تحتم عليه ألا ينشر شريط فيديو ليس في ملكيته يصور أشخاصا يعانون من المرض، حتى ولو كان شريطا وثائقيا، وإلا فلماذا تصلح قنواتنا التلفزيونية التي نمولها من أموال دافعي الضرائب؟ والأخطر من ذلك أن يترك الوزير على صفحته تعاليق من قبيل تلك الصورة الساخرة من شخصين إفريقيين وقد كتب تحتها «هاحنا جايين وجايبين معانا إيبولا هههههههههه».
فهل نسي السيد أوزين أن أوباما، رئيس أكبر دولة في العالم، هو من أصول إفريقية، وأن العالم قد قطع مع سياسة الأبرتهايد منذ أن أطلقت جنوب إفريقيا سراح المناضل نيلسون مانديلا؟ فكيف يترك سيادته تعابير عنصرية مقيتة على صفحته بطريقة أقل ما يقال عنها أنها عمل طائش، يمكن أن يخلق متاعب للبلد بكامله، وأن يمس باحترامه ومكانته بين الدول.
لقد نبهنا عدة مرات إلى انزلاقات وزراء «الفيسبوك»، الذين يحرصون على التواصل مع معجبيهم ومعجباتهم، وينسون أنهم ملزمون بواجب التحفظ، وأن كلامهم محسوب عليهم وقد يحسب على الدولة التي يمثلونها، لدرجة أننا طرقنا باب القضاء من أجل الحصول على حكم يؤكد هذا التوجه وينبه إلى تلك المنزلقات، ويضع حدا لتسيب وإفراط بعض الوزراء في استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، في تسويق صورهم وتشويه صور البلاد المفروض فيهم الدفاع عنها عوض خلق المشاكل المجانية لها.
الآن بعدما أضحك فينا أوزين العالم بأسره هل سيثق أحد ببلادنا عندما ترشح نفسها لاحتضان تظاهرة رياضية عالمية؟
لقد ضرب أوزين في الصفر كل المشاريع والبنيات التحتية التي استثمر فيها المغرب مئات المليارات من أموال دافعي الضرائب، بعدما تفرج العالم على شوهة ملعب مولاي عبد الله.
لذلك فهذا الرجل يجب أن يقال من منصبه ويحاكم بتهمة إهانة وجرجرة كرامة شعب ودولة في التراب
ساحة النقاش