المساء = حسناء زوان
»اللي يدو في الما ماشي بحال اللي يدو في العصيدة«
العدد :2550 - 10/12/2014
قبيل أيام فقط، أحصينا عدد أمواتنا المغاربة الذين قدمناهم قرابين للسيول والوديان الثائرة والقناطر «الكيكة». ورغم أن الجرح مازال طريا وعائلات المنكوبين لاتزال تعاني جراء الفيضانات، تأتينا صور من مدينة سبعة رجال التي فرشت بساطها الأحمر لفنانين قدموا ليس حبا في بلد المغرب وإنما لكونهم تعودوا على أن يجدوا فيه تلك البقرة الحلوب التي يأتونها كل سنة ومن كل مكان حتى يأخذوا نصيبهم من حليبها الذي يـُغدَق عليهم من حيث لا يعلمون ولا يطلبون..
حين شاهدت صور عادل إمام وهو يبتسم ابتسامته المصطنعة تلك، ويلوح بيديه، وهو يمشي منتشيا فوق البساط الأحمر، شعرت بنوع من الاستفزاز والغضب، ليس غضبا أو حقدا عليه شخصيا، لأنه كيفما كان الحال يظل ممثلا مشهورا، ولكن غضبي كان بالأساس ناتجا عن هاته الملايين التي نهدرها على ممثلين وفنانين كي يجيئوا لحضور المهرجان الدولي للسينما ويلتقطوا بعض الصور الباسمة والمصطنعة أمام عدسات الكاميرات والمصورين، وبعد ذلك يذهبون إلى حال سبيلهم وجيوبهم مكدسة بأموالنا.
بعض ضيوفنا، كـ«الزعيم»، يكونون «مفششين» ويحظون بامتيازات عدة، لكن مقابل ماذا بالتحديد؟
ليست لي أي عداوة مع «الزعيم» أو غيره من الفنانين والممثلين، فمن حق عادل إمام أو غيره أن ينتشوا بالأموال التي سقطت عليهم من السماء دون أدنى تعب، من حقهم أن ينثروا بابتساماتهم هنا وهناك، أن يرقصوا، أو أن يفعلوا أي شيء مادامت أرصدتهم البنكية تضخمت بفعل الأموال التي ضخت فيها من قبل الساهرين على المهرجان.
لكن ما يحز في النفس أكثر هم هؤلاء المنكوبون من أبناء الوطن، الغارقون في الأوحال وجراحهم لم تضمد بعد، وبيوتهم ماتزال مجرد أنقاض أو اختفت بأكملها بسبب السيول الطوفانية.
ألم يكن حريا بالساهرين على مهرجان مراكش أن يلغوا هاته الدورة ويحولوا المليارات التي رصدت له لإنقاذ أبناء هذا الشعب العزيز على قلوبنا؟
ألا يستحق المغاربة المغلوبون على أمرهم أن يتمتعوا بخيرات بلدهم بدلا من أن نأتي بممثلين لا همّ لهم غير إضافة أصفار عدة على يسار أرصدتهم البنكية من أموال هذا البلد؟ ألم يحن الوقت ليعي المسؤولون المغاربة بأن المغربي البسيط ليس بحاجة إلى المهرجانات، بل إلى «طرف ديال الخبز» يقيه الجوع وملابس شتوية تقيه البرد القارس في أعالي الجبال.
طبعا، العيب ليس في ضيوفنا الذين يحاولون أن يوهموا الجميع بأن حضورهم مهرجان مراكش حبا فينا، بل العيب، أساسا، في مسؤولينا؛ لكن «اللي يدو في الما ماشي بحال اللي يدو في العصيدة».
ساحة النقاش