فلاش بريس= رشيد نيني
ياك كلناها ليكم (2/2)
لقد سبق لنا في هذا العمود أن نشرنا بالتفاصيل الدقيقة والمدعومة بالوثائق، مختلف أشكال الاختلالات التي شهدتها التعاضدية وما تزال إلى الآن، ووجهنا تحديا مزدوجا، لنقابة موخاريق من جهة، ودعوناها إلى أن تكشف للرأي العام ملفات التوظيف التي قامت بها التعاضدية في مرحلة ما بعد غيور والبالغة 160 عملية توظيف عشوائية، ليكتشف رجال التعليم، وهم المعني الأول بالملف، ثم الحكومة والقضاء، حجم الفساد في مسألة التوظيف، حيث ذكرنا أسماء لمسؤولين حاليين وسابقين، ما يزالون إلى حين متنعمين بالحرية، وظفوا أبناءهم وبناتهم بالتعاضدية.
لذلك فقد جاء في التقرير أن من هؤلاء من يمتلك شهادة ومنهم من لم يحصل حتى على الباكلوريا ومع ذلك يحصل على الأجرة التي يحصل عليها ذوو السلم العاشر، وآخرون حاصلون على الإجازة في تخصصات بعيدة كل البعد عن قطاع الصحة مثلا، وهو قطاع خدماتي تقدمه التعاضدية لمنخرطيها، ولكنهم يشغلون مناصب لا علاقة لها بتخصصاتهم، وبأجور كبيرة.
وكانت أغرب الحالات، هي حالة ابنة مسؤولة في التعاضدية، تقدمت للوظيفة بشهادة لم تحصل عليها بعد، وتم توظيفها على أساس ذلك، أي أنها ماتزال طالبة ماستر وقدمت في نهج سيرتها أنها حاصلة على الماستر وحصلت على الوظيفة بسهولة، لأن «ماماها فالعرس».
بل كشفنا أيضا عن وجود أعضاء في المكتب المسير للتعاضدية، يتقاضون أجورا خيالية، مع أن العمل التعاضدي هو عمل تطوعي.
وما كتبناه حول ملف التوظيف هو قليل جدا قياسا للواقع، إذ يكفي أن نضيف أنه إلى حدود الساعة، لا يخضع موظفو التعاضدية، والبالغ عددهم 1400 موظف، لأي نظام للوظيفة، فهم لا يخضعون لنظام الوظيفة العمومية، ولا لنظام العمل في القطاع الخاص، أي أنهم موظفون «ورثهم» موخاريق من ابن الصديق، وما يزالون حتى الآن تحت وصايته، يرقي فيهم من يشاء ويمنح الامتيازات لمن يشاء ويعاقب من يشاء ويجمد وضعية من يشاء.
ومن جهة أخرى وجهنا، عبر سلسلة مقالات، تحديا للحكومة، وخاصة لرئيسها ووزيري التشغيل والمالية، بأن يضعوا أيديهم لكشف ما يقع في التعاضدية، وكنا بهذا التحدي نعرف أن هذه الحكومة أضعف من أن تخاطر بإغضاب موخاريق وتهدده في إحدى ممتلكاته التاريخية، بذلك اكتفى رئيس الحكومة بأن يكلف بعض المحيطين به، للدفاع عن حزبه ونقابته من تهمة التواطؤ في هذا الملف، حيث تم نفي وجود أي علم لنقابة يتيم بما يقع، مع أن الموقع البرلماني والحكومي للحزب يفرض عليه تغيير موقفه، من الاكتفاء بخطاب تبرئة الذات إلى فعل المطالبة بلجان تحقيق وتقصي لما حدث ويحدث في التعاضدية، بل وأن يمارس رئيس الحكومة صلاحياته، ويطالب وزيري التشغيل والمالية بتفعيل ما يفرضه عليهما القانون، لكونهما مسؤولين عما يقع في هذا الملف.
والمؤسف في ردود فعل الإخوان في العدالة والتنمية، هو أنهم كلفوا شخصا وقدموه على أنه عضو المجلس الإداري عن مدينة سطات، وسخروا له الجريدة وباقي المواقع الإلكترونية الموازية للحزب والنقابة، لتصريف موقفهم الجبان من هذا الملف. لذلك نجد هذا الشخص يكرر لازمة مشروخة، وهي أن الحزب والنقابة لطالما كانا سباقين لكشف اختلالات التعاضدية، مع أنه لولا الضغط الكبير الذي مارسته وسائل الإعلام المستقلة، وعلى رأسها «الأخبار»، لما امتلك هو ومن يقف وراءه الجرأة للحديث والمجازفة بإغضاب موخاريق.
وعندما نقول للأسف، فلأن وضعية هذا الشخص، الذي تكلف بمهمة تبرئة ذمة الحزب والنقابة من اختلالات التعاضدية، وفي نفس الوقت جني بعض ثمار ما يقع فيها، هو شخص طعنت وزارة التشغيل في عضويته، وذلك بموجب رسالة رسمية توصل بها المجلس الإداري للتعاضدية، لكون هذا الشخص جمع بعض أنصار الحزب في سطات واختاروه بدون مناسبة ممثلا لهم، مع أنه لم يكن هناك منصب للتباري عليه، لأن المنصب الوحيد الموجود فعلا آل في «انتخابات» سابقة لأحد أتباع موخاريق، بل يوجد في المجلس عضو آخر مطعون في عضويته من الحسيمة محسوب على الاتحاد المغربي للشغل، وآخر من نفس النقابة كاتبا جهويا بجهة تادلة أزيلال.
هكذا نلاحظ إذن كيف يحاول يتيم وبنكيران تضليل الرأي العام، فهما يريدان أن يظهرا للرأي العام نقاء سريرتهما ولكن من خلال دفع شخص، مشكوك في وضعيته الإدارية في التعاضدية، للقيام بهذه المهمة، وإلا أين كان كل هذا «النقاء» ما بين 2002 وهو تاريخ ظهور تقرير مفتشية المالية، وسنة 2013 وهو تاريخ تنحية محمد غيور من رئاسة التعاضدية؟ ثم هل استشارهما موخاريق في تنحية غيور وتعيين معصيد في اجتماع المجلس الإداري الذي انعقد بمراكش صيف 2013؟
فمنذ 2002، تاريخ ظهور تقرير مفتشية وزارة المالية، كان كل وزراء التشغيل إلى اليوم، أي إلى الصديقي، هم أعضاء في نقابة موخاريق، وبالتالي فهذا يفسر التماطل في تفعيل القانون، أي في مراقبة ما يقع في التعاضدية، والدليل هو أن كل اجتماعات المجلس الإداري والتي تمت بعد التقرير، كانت تتم تحت إشراف وزارتي التشغيل والمالية، والسؤال هو لماذا غضت هاتان الوزارتان الطرف لمدة 12 سنة؟
محمد غيور وأربعة من رفاقه، ليسوا وحدهم المسؤولين عما وقع في التعاضدية، لأنه قياسا للحقائق التي يعرفها العام والخاص، لم يكن ليجرؤ هؤلاء على قول كلمة أو توقيع ورقة دون علم ابن الصديق سابقا وموخاريق لاحقا، وما كان يقوم به القائد التاريخي ابن الصديق يمكن إدخاله في باب أساطير «التشلهيب»، والدليل هو أن محمد غيور ومن معه تجمعهم خاصية مهمة، ينبغي الانتباه لها، هي أنهم على عتبة سن الثمانينات أو تجاوزوها، وإذا تذكرنا أنه تمت تنحيتهم قبل ثلاث سنوات من الآن فقط، فهل كان بإمكان هؤلاء الشيوخ أن يبقوا في مسؤولياتهم، دون موافقة نقابة موخاريق ووزارتي التشغيل.
إن ما يقع الآن في التعاضدية ليس بأفضل حالا، فكما سبق لنا أن أشرنا في أعداد سابقة، فإن التعاضدية ما تزال إلى الآن تعاني من نفس الاختلالات، بغض النظر عن «الروتوشات» التي قام بها الرئيس الحالي «معصيد» والذي خلف غيور في كل مسؤولياته، أي رئاسة التعاضدية ورئاسة الذراع التعليمي لنقابة موخاريق، وفي نفس الوقت عضوية المجلس الأعلى للتعليم، والدليل هو أن ما قلنا إنه وقع في مقر مكناس، من تلاعب في تجهيزه وكرائه، وما كتبناه حول ما يقع في مصحة الأسنان في طنجة، وعودة طبيب تم طرده لممارسة مهامه، مع أنه فتح المصحة للعموم، أي لغير المنخرطين في التعاضدية. وما كتبناه عما يجري في مصحة وجدة، واستمرار الفوضى في التوظيفات واستمرار الفوضى في التعويضات المالية لبعض أعضاء المجلس الإداري، واستغلال النفوذ في منح الامتيازات، بما في ذلك الامتيازات المالية والعينية، هي أشياء ماتزال مستمرة إلى الآن، وبالتالي، إن كانت النية صادقة فعلا في تنقية التعاضدية من اختلالاتها، فيجب على وزارة المالية والتشغيل القيام بافتحاص يعرض على الرأي العام في أقرب وقت، استنادا طبعا، إلى تقرير داخلي أنجزته لجنة للمراقبة في التعاضدية، نملك نسخة منه، ونشرنا مضمونه في عدد سابق، ويشير بوضوح لبعض هذه الاختلالات.. ولتكن البداية بملف ملايين الدراهم التي «أقرضتها» التعاضدية للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس)، والكشف عن مصير هذه الأموال، ولماذا لم تسترجعها التعاضدية إلى الآن، وما هو ثمن الصمت عن هذا «القرض»؟
إن القطاع التعاضدي بالمغرب عموما، بما في ذلك التعاضدية التي كان يترأسها الفراع، هي محك حقيقي لاختبار كل ما تقوله الحكومة عن عزمها تنفيذ مبادئ الحكامة وربط المحاسبة بالمسؤولية كما يؤكد على ذلك الدستور، وبالتالي فاستمرار التعامل معها وفق منطق تجنيب المسؤولين الكبار المساءلة ومحاكمة الصغار فقط، هو إفراغ للدستور من محتواه، والدليل هو أن كل الذين يعرفون محمد غيور وكل الذين معه، يؤكدون أنهم لا تظهر عليهم الكثير من النعمة، خصوصا أنهم كانوا يستمتعون ببحبوحة عيش حقيقية، لكن مستواهم المعيشي الحالي يدل على أن الاختلالات المالية الكبرى التي تعرفها التعاضدية تشير إلى وجود فساد جماعي، وبالتالي يجب الكشف عن كل المتورطين، بمن في ذلك بعض الذين لازالوا حتى الآن في المجلس الإداري للتعاضدية، أو الذين غادروها، ولم تتم المناداة عليهم.
إذا كان حزب بنكيران صادق النية في محاربة الفساد في التعاضدية، فيجب عليه ألا يدخل في أي شكل من أشكال المساومة مع نقابة موخاريق، وليدع القضاء ينهي عمله بدون تشويش أو تسخين «للبنادر»، لأن هذا الملف تحديدا يكشف تخاذل النقابة والحزب معا في الدفاع عن أموال رجال التعليم المنخرطين إجباريا في هذه التعاضدية، وأن ممارسة رياضة ركوب الأمواج التي يمارسها الحزب والنقابة في كل الملفات الساخنة، تسيء لصورته أكثر مما تحسن إليها. فها هم الآن ينضمون لحملة «الجناوا» بعد أن «طاحت البقرة» في ملف غيور بعد أن صمتوا لثلاث سنوات كاملة، وهم على رأس الحكومة في ملف معصيد، فهل ستكون عندهم الجرأة ليقوموا بافتحاص لملفات التوظيفات وتدبير المرافق الاجتماعية والتدبير المالي للتعاضدية الآن؟
ثم هل يمتلك العدالة والتنمية الشجاعة ليرد هدية موخاريق العازمة على توظيف بعض أعضاء الحزب في الرشيدية؟
ساحة النقاش