فلاش بريس = محمد الأشهب
شراكات استراتيجية ذات حمولة مغاربية
انفتاح المغرب على الصين ليس جديدا، فالعلاقات بين البلدين لم تعرف في أي وقت فتورا أو تجاذبا، بل تميزت بتطابق كبير في وجهات النظر إزاء تطلعات تطوير التعاون الثنائي والمواقف حيال أزمات إقليمية ودولية، هذه الحالة الفريدة من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية تعكس الإرادة الصلبة للبلدين في مد الجسور، وليس قطعها، وعلى رغم أن الصين الشيوعية كان لها خصوم وأعداء في العالم أجمع، فقد ظل المغرب يحترم إرادة الشعب الصيني. والحال أن الصينيين بدورهم لم يفكروا يوما في تغيير طقوس وتقاليد المغاربة الذين عرفوا بشرب الشاي، كما عرف غيرهم باحتساء «الفودكا» أو «الكوكاكولا» فالخصوصية التي تبلور أعلى درجات التمسك بالهوية، تدفع إلى تقبل التنوع وتفهم خيارات الآخرين.
لكن الصين في ذروة الحرب الباردة، يوم اتخذت تداعيات من قضية الصحراء حصان طروادة إيديولوجيا، التزمت منهجا عقلانيا ومبدئيا، فقد كانت تصف الصحراء أنها جزء لا يتجزأ من واقع وحدود المملكة المغربية. ودعمت في مجلس الأمن والأمم المتحدة كافة القرارات التي تنحو إلى إيجاد حل سياسي وفاقي يكرس السيادة المغربية.
هذا وحده كاف، وقابله على الطرف الآخر موقف مغربي داعم للصين في احتلال مكانتها في الأمم المتحدة، وساندت الرباط بقوة الموقف الصيني، بخاصة في صراعه مع بريطانيا لاسترداد هونغ كونغ، وفي تمسكه بثوابت السيادة، إضافة إلى التزام بكين مواقف مساندة لعدالة القضية العربية وإنصاف الدولة الصاعدة، عبر الدعوة لإقامة نظام دولي جديد. والتركيز على مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري. ومنذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم تعززت فرص الانفتاح أكثر، في ضوء زيارات رسمية لكبار المسؤولين الصينيين. وما يزيد في أهمية هذا الانفتاح أن العاهل المغربي عرض في خطاب العرش، ذي البعد الاستراتيجي في ترسيم سياسة الدولة، إلى زيارته المرتقبة إلى الصين. وهي سابقة في الخطب الملكية تعكس الأهمية القصوى التي يعول عليها البلدان الصديقان لفتح آفاق جديدة نحو بناء شراكة استراتيجية متميزة، تتجاوز حواجز البعد الجغرافي والانتماء العرقي، نحو تقديم نموذج جيد في بناء علاقات الثقة بين الدول. وكما الصين أمة قائمة الذات، فالمغرب كذلك برصيده الحضاري أمة عريقة. ومتى التقت الأمم مع بعضها كان التفاهم والتعاون.
تنويع الشراكات مع العوالم المختلفة اختيار سياسي محوره رفض الوصاية وعدم الإذعان للتصنيفات الجاهزة. أكانت على مستوى تنقيط السلوك السياسي الذي يرتبط في جوهره بحرية الإرادة وسلامة وقناعة الاختيار، أو عند تقويم الأداء الاقتصادي والاجتماعي، والأكيد أن المغرب من خلال هذا التوجه يصوغ أسس سياسة دولية جديدة. فقد عانى العالم من الحرب الباردة وبرزت قوى جديدة وطموحة تحت شعار عدم الانحياز. أما اليوم فإن الانحياز الذي يضبط السياسة يشمل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدد وحدها خانة الصداقات والخصوم. على أن ما من خصم لدود للإنسانية سوى الحرب والفقر والجوع والمرض والكوارث الطبيعية.
الاقتصاد والتجارة لا لون إيديولوجي لهما، والصين التي كانت تصنف ضمن ألد أعداء الولايات المتحدة الأمريكية، قبل انهيار جدار الارتياب، عبر سياسة لعبة كرة الطاولة التي فتحت عيون الأمريكيين على قارة اسمها الصين، كما فتحت أذهان الصينيين على عالم جديد اسمه أمريكا. الصين نفسها تحولت إلى أكبر دائن لواشنطن عدا أن استثماراتها في الولايات المتحدة وأوروبا وإفريقيا ماضية في خط تصاعدي، وبالتالي فالمغرب حين ينفتح على الصين إنما يدفع في اتجاه ترجيح منظومة التعاون على الصدام والتنافر. وهو إذ يفعل ذلك يوازي تطلعاته من خلال أجندة أكثر شمولا، تهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، فضلا عن دول مجلس التعاون الخليجي والآفاق الواعدة في القارة الإفريقية من دون إغفال قدرات وطاقات بلدان أمريكا الجنوبية.
بيد أن الغائب في كل هذه المحطات، هو أن المغرب يمضي منفردا، لأن الشركاء في الاتحاد المغاربي لا يسيرون بنفس الوتيرة والسرعة. ومع أن الخيار المغاربي ذو أهمية استراتيجية، فإنه لا يمكن انتظار حدوث المعجزة، فقد لوح المغرب مرارا بتمسكه بالبناء المغاربي الذي لا بديل عنه. فعل ذلك عندما طلبت إليه دول المنظومة الخليجية الانضمام إليها إلى جانب الأردن، وترجم نفس الرغبة والإرادة في حواره المتواصل مع بلدان الاتحاد الأوروبي، خاصة في نطاق الدعم اللامحدود لمنظومة «الاتحاد من أجل المتوسط» التي توقفت في منتصف الطريق، أو على صعيد حوار 5+5 الذي أضحى يشمل الكثير من القضايا الحيوية. ولم يغب هذا الهاجس عن الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، كما أن طموح إقامة شراكة مغاربية ـ إفريقية تصدرت الاهتمام خلال الزيارات المتوالية للملك محمد السادس إلى عواصم إفريقية.
بامتياز يشكل المغرب السفير غير المعتمد في التعريف بقضايا وانشغالات المنطقة المغاربية، وفي تنويع شراكاته مع الحقل المغاربي لتحطيم قيود الخلافات التي أدمت الأقدام وأعاقت التقدم.
ساحة النقاش