المساء = يوسف بلال
محاربة الاستعمار
العدد :2500 - 13/10/2014
كانت للخطاب الملكي،الذي ألقاه رئيس الحكومة أمام الدورة الـ69 للجمعية العامة الأمم المتحدة يوم 25 شتنبر 2014، نبرة غير معهودة من الملك، حيث أكد فيه أن «الاستعمار خلف أضرارا كثيرة للدول التي كانت تخضع لحكمه»، كما «عرقل مسار التنمية بها، لسنوات طويلة، واستغل خيراتها وطاقات أبنائها». وفي الواقع، من المنتظر أن يأتي هذا الكلام من قياديين يساريين من بلدان أمريكا اللاتينية، مثل كوبا أو فينيزويلا أو بوليفيا، لا من دولة تميزت بانحيازها إلى الغرب منذ أيام الاستعمار الفرنسي إلى يومنا هذا.
وإذا كان النظام المغربي يدافع، بالفعل، عن التحرر من الاستعمار، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الاختيارات السياسية أو الاقتصادية التي اتخذها منذ القرن الماضي، سواء في أيام الاستعمار أو في أيام الاستقلال، منسجمة مع هذا الكلام الذي ألقي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
لنذكر هنا أن الملك محمد الخامس، على عكس ما تردده الدعاية الرسمية، كان يخدم مصالح الاستعمار الفرنسية في السنوات الأولى من الاحتلال الفرنسي، حيث وقـّع على العديد من قرارات الحماية بالظهير الشريف، بما فيها «الظهير البربري» المشؤوم الذي صدر في ماي 1930، والذي كان هدفه تنصير البربر وزرع بوادر التفرقة بينهم وبين العرب عن طريق تأسيس «محاكم عرفية» حتى لا يخضع السكان الأمازيغ لسلطة الشرع في فك النزاعات المحلية. وكون الملك محمد الخامس سلطانا دون سلطة حقيقية، بحيث كان يتحكم فيه المستعمر الفرنسي، لا يعفي الملكية من مسؤوليتها التاريخية. وفي أيام الحماية، كانت الحركة الوطنية هي الحامل الحقيقي للمشروعية الوطنية، وهي التي قامت بتوعية وتكوين محمد بن يوسف حتى بدأ يغير مواقفه السياسية ويرفض التوقيع على قرارات الحماية بعد سنة 1947؛ وقرار عزل محمد بن يوسف عن العرش الذي اتخذته الحماية في غشت 1953، ثم نفيها إياه، هما اللذان جعلا منه رمزا للكفاح الوطني.
وبعد الاستقلال سنة 1956، لم يسعَ النظام المغربي إلى بناء اقتصاد وطني يحافظ على حد أدنى من السيادة الاقتصادية، بل ساهم بشكل كبير في حماية المصالح الغربية بالمغرب وتطويرها، حيث كان، ولايزال، جزءٌ كبيرٌ من ثروة الملك متشابكا مع الرأسمال الأجنبي، وبالخصوص الفرنسي منه. أما على المستوى السياسي، فقد كان المغرب دائما محسوبا على حلفاء الغرب أيام الحرب الباردة، على خلاف دول مثل مصر أيام جمال عبد الناصر الذي حاول أن يحرر الشعوب العربية من الهيمنة الغربية بعد تأميم قناة السويس في يوليوز 1956. وكان جانب أساسي من الصراع بين الملكية واليسار في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي يدور حول إشكالية الاستعمار الجديد والتحرر من الهيمنة الغربية الاقتصادية والسياسية والثقافية.
ومن المستغرب أن يتكلم المغرب اليوم في موضوع الاستعمار وهو يعيش في حالة استعمار جديد أكثر من أي وقت مضى، حيث تجد اليوم مصالح أجنبية، وبالخصوص منها الفرنسية، تتحكم في قطاعات جوهرية من الاقتصاد والثقافة والتربية والتكوين بتواطؤ مع جزء كبير من النخبة المغربية ومع أصحاب القرار داخل النظام الذين يستفيدون من هذا الوضع.
لقد حان الوقت لأنْ يتبنى المغرب مشروعا طموحا يسعى إلى الحفاظ على كرامة المغاربة من إهانة الاستعمار الجديد وعقدة الأجنبي، ويستلهم مضمونه من الهوية الحضارية كما فعلت دول سبقتنا في ذلك، مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية وتركيا والهند والبرازيل.
ساحة النقاش