فلاش بريس= رشيد نيني
دروس العاهرة في الشرف
الجميع يشتكي من تدهور الخطاب السياسي والإسفاف الذي وصلت إليه اللغة المستعملة بين الأطراف السياسية المتناحرة على مبعدة أشهر من الانتخابات الجماعية، والتي ستكون نتائجها مفصلية في تحديد الفائز في الانتخابات التشريعية التي ستليها.
ومن كثرة الحرص على تسفيه الخصم وتحقيره، لا يتورع الفاعلون السياسيون عن اللجوء إلى الشتائم والتنابز بالألقاب والضرب ما «تحت الحزام»، حرصا على الإيذاء النفسي والمعنوي، وإضعافا لمعنويات الخصم وبهدلته أمام أنصاره وتابعيه وأمام الرأي العام.
والحقيقة أن كلام شباط، أمين عام حزب الاستقلال، حول عبد الإله بنكيران وعبد الله باها في لقاء حزبي، كان جارحا ويفتقر إلى اللياقة، خصوصا عندما قال شباط إنه لكي نفهم علاقة باها ببنكيران الخاصة فيجب أن نذهب لرؤيتهما في شارع النصر في الرابعة صباحا، فهناك يخرجان للتجول.
وطبعا فالجميع يعرف من يخرج للتجول في شارع النصر في تلك الساعة المتأخرة من الليل. وطبعا من يتواجدون هناك لا يفعلون ذلك لأنهم يخرجون لأداء صلاة الفجر في المسجد.
وقد كان يمكن أن نحسب توجه شباط اللغوي نحو اتهام بنكيران بمبايعة البغدادي وتنظيم «داعش»، واشتغاله لحساب الموساد، من قبيل استعمال المنجنيق اللغوي الذي يرمي بحجارته أينما اتفق. لكن أن تصل الأمور إلى اتهام رئيس حكومة ووزير دولة بأشياء غير لائقة فهذا يدخل في باب قلة الأدب والذوق.
لكن المصيبة أن ما يثير الانتباه هو أن الحزب الحاكم، الذي طالما حدثنا عن العفة والأخلاق والمجادلة بالتي هي أحسن، أصبح بعض أعضائه، عبر ألسنته الإعلامية الطويلة وأذرعه القصيرة، يأتون بدورهم لغة منحطة تستعمل الإيحاء الجنسي المائع في الرد على الخصوم، وهو أسلوب جديد لم تألفه الحركة الإسلامية حتى وهي تتعرض لأبشع الإساءات والهجمات.
وحتى نكون عمليين، دعونا نعطي بعض الأمثلة التي توضح بجلاء هذه الميوعة الخطابية التي أصبحت تتسلل إلى لغة هؤلاء السادة والسيدات الذين يدعون الطهرانية في كل شيء.
وصف بلاغ لوزارة عزيز رباح ما قام به برلماني استقلالي عندما طالب بانسحاب رشيد الحمداوي، المستشار التقني للوزير، من حضور لقاءات اللجنة البرلمانية حول ملف جرف الرمال، بـ«الشاذ». وقد حرص البلاغ الرسمي للوزارة على وضع كلمة «شاذ» بين مزدوجتين. وعندما توضع كلمة بين مزدوجتين فتلك إشارة إلى أن الكلمة حمالة أوجه، وأن المعنى الذي يرمي إليه صاحب الرسالة ليس هو بالضرورة المعنى الذي تحمله الكلمة في السياق الذي أتت فيه، مما يفتح مخيلة المتلقي على معان أخرى للكلمة.
والشذوذ في اللغة هو الخروج عن القاعدة والسلوك الطبيعي، وعند العامة يذهب الذهن مباشرة عند ذكر كلمة «الشذوذ» إلى الشذوذ الجنسي. وبما أن بلاغ وزارة النقل والتجهيز لم يحدد أي شذوذ يقصد في كلامه الموجه للبرلماني الاستقلالي، فإن كاتب البلاغ ترك باب سوء الفهم مواربا لغاية في نفسه.
وقد كان أولى به أن يقول إن ما قام به النائب البرلماني يعتبر سلوكا سياسيا شاذا، بدون مزدوجتين.
في اليوم ذاته، وفي الموقع الإلكتروني نفسه الذي أورد بلاغ وزارة التجهيز، نقرأ مقالا تحت عنوان: حزب الاستقلال... ودروس العاهرة في الشرف. وهو المقال الذي جاء مزينا بصورة لشباط وإلى جانبه وزيرة الصحة السابقة ياسمينة بادو جالسين جنبا إلى جنب.
وكل من يقرأ عنوان المقال ويشاهد الصورة المرافقة له، سيذهب ذهنه مباشرة نحو البحث عن المقصود بكلمة العاهرة في الموضوع، ولذلك فصاحب المقال أراد أن يجعل من صورة ياسمينة بادو ذلك الطعم الذي سيستدرج به القارئ نحو مصيدة سوء الفهم والإساءة.
ولعل كاتب المقال المنشور في الموقع التابع للحزب الحاكم لم يجد من طريقة أذكى لكي يرد بها الصاع صاعين للأمين العام لحزب الاستقلال، سوى النزول إلى المستنقع ذاته الذي يستخرج منه هذا الأخير المادة الخام للذخيرة التي يقصف بها الحكومة ورئيسها.
فقد شبه حزب الاستقلال بالعاهرة التي تريد أن تحاضر حول الشرف، وهي إساءة ما بعدها إساءة لذاكرة حزب يحمل مبادئه رجال ونساء منذ الاستقلال إلى اليوم وما بدلوا تبديلا. وليس لأن الحزب انتهى هذه النهاية التراجيدية اليوم يصبح مسموحا لأمثال هؤلاء أن يصوروه في صورة عاهرة تدعي الشرف.
ووسط غبار هذه الحرب الشعواء بين الفرقاء السياسيين المتشاكسين، حيث تستعمل لغة المواخير، انبرى صوت نسوي لبرلمانية تبحث عن النجومية بأي ثمن، حتى ولو كلفها ذلك وضع شكاية لدى النيابة العامة للبحث عن مقرصن بريدها الإلكتروني.
وهكذا ظهرت حكاية «رايبي شوباني»، وذلك اليوغور الذي تستلذ البرلمانية بطعمه كلما ذهبت إلى أمريكا لأنها تجده لذيذا ومميزا. ولقد حرصت النائبة البرلمانية على الإحالة على الشوباني الوزير، الذي وظف لها زوجها عنده، عندما قالت إن اسم الشوباني ناجح في السياسة والتجارة.
وحتى لو كانت نية النائبة المحترمة سليمة، فإن ذكرها للشوباني في معرض الحديث عن اللذة، حتى ولو تعلق الأمر بالأكل، يطرح مشكلة تتعلق بالميوعة في التعبير.
فالمرأة المحصنة التي تحترم نفسها وزوجها لا تأتي في ما تقوله وتكتبه، على ذكر رجل آخر في معرض الحديث عن التلذذ والتميز، حتى ولو كانت الإشارة إليه من باب اللمز والغمز والإيحاء. فما بالك والرجل المقصود وزير ينتمي إلى نفس حزب النائبة، ولديه عليها دين ومعروف يتمثلان في توظيفه لزوجها الأستاذ الذي كان فائضا في تزنيت.
ولم تلبث هذه الفتنة اللغوية أن تهدأ حتى ألقى وسطها الكاتب العام لوزير الاتصال، مصطفى الخلفي، حفنة جديدة من الخشب اليابس القابل للاشتعال السريع.
ولكم ذهل المدراء التابعون لوزارة الاتصال خلال اجتماع عُقد بمقر الوزارة، خصص للتحضير لدخول البث التلفزيوني للعصر الرقمي، وهم يسمعون اليعقوبي الكاتب العام يلقي على أسماعهم نكتة يشرح بها رغبته في تمرير صفقة دراسة أثر دخول البث الرقمي على المغاربة لشركة يعرفها دون اللجوء إلى مناقصة، تقول إن فقيها رأى ذات يوم «واحد الطرف واش من طرف دايز قدّامو» فقال لأصحابه «جيبوه ليّ»، فلما أجابه أحدهم «يا شيخ، استغفر الله فما نعرفك هكذا»، رد الفقيه «اتركوني أفعلها ولو مرة واحدة».
فذهل السامعون لهذا التبرير السمج والمفتقر للحياء، بل الخارق للقانون والذي يستوجب المتابعة، لرغبة سعادته في تفويت صفقة بالمليارات لشركة بعينها دون المرور عبر مناقصة كما ينص على ذلك القانون.
فسعادته أراد أن يقنع سامعيه بتركه يفعلها ولو مرة واحدة ويفوت صفقة العمر هذه، بمعرفته، دون احترام للمساطر القانونية المعمول بها في مجال الصفقات العمومية. ولماذا سيحترم سعادة الكاتب العام قانونية المساطر إذا كان تعيينه أصلا في منصب كاتب عام لوزارة الاتصال لم يحترم المساطر القانونية؟ فالرجل استفاد من أموال المغادرة الطوعية والقانون يمنعه من العودة إلى الوظيفة العمومية، وراتبه محتجز في خزينة الدولة بسبب هذا الإشكال القانوني.
لقد سبق أن كتبنا أن السيد اليعقوبي عندما كان رئيسا لنادي الفتح للشطرنج، سحب مبلغ 43 ألف درهم من حساب النادي بشيك لفائدته دون مبرر، ولم يجد السيد اليعقوبي حرجا في السكوت أمام هذا الاتهام.
واليوم يأتي في اجتماع رسمي، بحضور مدراء وسيدة محتجبة، ويلقي نكتته السخيفة والسمجة حول «الطرف»، ويعود لمتابعة أشغاله إلى جانب وزير الاتصال الذي غض عليه «الطرف» وكأن لا شيء حدث.
وزير الاتصال عندما طرحت عليه «الأخبار» سؤالا حول الإجراء الذي سيتخذه ضد كاتبه العام بسبب هذه الزلة، قال إنه ينتظر شكاية من المسؤولة المحتجبة التي تضررت مما قاله كاتبه العام وأوشكت أن يغمى عليها.
يعني أن الوزير «بوصندالة» يحمي الكاتب العام «بوصنطيحة»، عملا بقاعدة «واش كاين الدم»؟
وبما أن أحدا لم يشتك مما قاله الكاتب العام، فإن الوزير في حل من اتخاذ أي إجراء.
ولتذهب الأخلاق الحميدة والعفة والكلام الطيب إلى الجحيم، فالزمن زمن الرداءة والغلبة لمعجم الحزام وما تحته.
كنا نظن أن هذه الانتخابات «غادي يطيحو فيها غير الرواح، الساعة باين غادي يطيحو فيها السراول حتى هوما».
ساحة النقاش