فلاش بريس= رشيد نيني
الله يعطينا وجهكم
من أغرب التصريحات التي أطلقها موظف عمومي واحد كان بطله هو ربيع الخليع، مدير السكك الحديدية، فقد قال جوابا على سؤال صحافي بخصوص الانتقادات الموجهة إليه، إن «لحمو قصاح» بسبب كثرة تلقيه للضربات.
والحقيقة أن الشيء الوحيد القاصح فعلا لدى السيد ربيع الخليع هو وجهه، لأن ما تكاثر في قطاع السكك الحديدية ليس الانتقادات بل الأعطاب والتأخيرات، آخرها تسبب في قطع المسافرين الغاضبين للسكة على مستوى المنصورية، وقبلها حرم طلبة من اجتياز مباراة في أحد المعاهد بسبب تأخر القطار لساعتين عن موعده.
ولعل قمة قصوحية الوجه هو جلوس الخليع مدير السكك الحديدية أمام لجنة قطاع التجهيز في البرلمان والاستماع إلى تقريع النائب بوانو عن حزب العدالة والتنمية، أمام أنظار الوزيرين الوصيين على القطاع، الرباح ولد العواوشة والوزير الأزعر بوليف، والذي لم يثر في أية لحظة من اللحظات مسؤولية هاذين الوزيرين في ما يحدث من فوضى بقطاع السكك الحديدية، وكأن الأمر لا يعنيهما في شيء، فهما جاءا لكي يستمتعا بحصة جلد الخليع في البرلمان من طرف نائبهما، عملا بقول المثل المغربي «نسوطك وما نخلي اللي يسوطك».
الواقع أن ما يحدث من اختلالات خطيرة في قطاع السكك الحديدية يستوجب إقالة المدير العام الذي قال إنه مستعد لترك منصبه إذا طلب منه ذلك، ولو أننا نستغرب كيف لا يأخذ سعادته بزمام المبادرة و«يتفضل من غير مطرود» كما يقول أشقاؤنا المصريون.
ولعل السبب الرئيسي في تفاقم عدد حوادث القطارات يرجع بالأساس، فضلا عن انعدام المسؤولية، إلى كون السيد غلاب، الذي اكتشف مؤخرا نعمة الكلام وبدأ يحرك لسانه المصاب بالخرس، حوّل ميزانية الصيانة التي تقدر بعشرات المليارات إلى ميزانية الاستثمار. وهكذا أصبحت الصيانة شبه منعدمة في الوقت الذي انطلقت أوراش بناء المحطات على قدم وساق. وطبعا فميزانية البناء والتشييد فيها «ميمي» وليست مثل ميزانية الصيانة.
والغريب في مشاريع بناء محطات السكك الحديدية أنها تبالغ في الفخامة كما لو أن الناس سيسافرون داخلها، والحال أن المحطة لا يقضي فيها المسافرون سوى بضع دقائق، هذا طبعا إذا لم يكن هناك تأخير، فيما الأمكنة التي كان يجب على الخليع أن يهتم بها هي القطارات لأنها المكان الذي يقضي فيه المسافرون الساعات الطوال.
وهناك محطة قطار يبنيها الرباح في القنيطرة ستكلف دافعي الضرائب 240 مليون درهم ستكون جاهزة، والله علم، في 2017. والمهندس الذي فاز بصفقة بنائها هو ابن ولعلو عمدة الرباط مع شريكته المهندسة الفرنسية التي يملك معها مكتبا في باريس، والذي يبدو محظوظا في الفوز بصفقات مشاريع الرباط، كتصميم برج اتصالات المغرب ومتحف الأرض.
فهل القنيطرة التي لازال سكانها يعانون مع ضعف البنيات التحتية، تحتاج محطة قطار تشبه المطار بمليارين ونصف؟
وهذه نبذة مختصرة حول الحوادث التي وقعت ولم يعلم بها الرأي العام ولا سعادة الوزير الوصي، لأنها ببساطة لم تظهر إلى العلن.
القطار رقم 158 الذي ينطلق من طنجة الى الدار البيضاء لم يحترم التشوير وقام بتجاوز إشارة الوقوف بـ 78 مترا، وذلك يوم 05 من شهر جوييه من هذه السنة، وفي نفس الشهر يوم 26 قام القطار رقم 156 القادم من طنجة والمتوجه إلى الدار البيضاء، بتجاوز إشارة الوقوف وذلك لعدم احترامه التشوير، ولولا أن الله ستر في يوم 01 من شهر غشت من نفس السنة لكان القطار رقم 152 والقادم من طنجة باتجاه الدار البيضاء، والذي لم يطبق تخفيف السرعة 30 كلم في الساعة في محطة سيدي الطيبي، وقام بالمرور فوقها بسرعة تفوق 120 كلم في الساعة، والحمد الله أن الأشغال لم تكن قد بدأت بعد وإلا «كون حتى واحد ما بقى حي».
ونزيدك أسي الخليع، في أواخر سنة 2011 في محطة الرباط دخل قطار للمسافرين على قطار آخر للمسافرين، والخطأ لم يكن من طرف سائق القطار ورئيس القطار، ولكن كان خطأ في التشوير والذي كان يقول إن السكة حرة، أي لا يوجد أي قطار في السكة. وهي الكارثة التي مرت «حسي مسي» لأن المشكل كان بسبب التشوير.
والسبب الرئيسي في حدوث مثل هذه المشاكل هو أن القطار ينطلق على الساعة الخامسة صباحا، وخاصة القطارات المكوكية، بزجاج لا يخضع للتنظيف طوال اليوم، وبمركز سياقة «موسخ» والكراسي في حالة جد سيئة، ناهيك عن المكيفات التي لا تشتغل، وأضواء مقدمة القطار الضعيفة التي لا تسمح برؤية الطريق.
هل يعلم وزير البيصارة الوصي على القطاع أن السككيين لازال يطبق عليهم قانون خاص يعود إلى سنة 1946، وأن ساعة عمل بالليل تعوض بـ 48 ريال، وأن نظام التنقيط السنوي لا يسمح للمستخدمين بالذهاب عند الطبيب. ولا يستطيع السائق رفض العمل في أي قاطرة ويمكنه العمل أكثر من الساعات التي يحددها له قانون 1946 مخافة الحرمان من التنقيط السنوي.
وهل يستطيع الخليع ووزير البيصارة أن يصارحا الرأي العام حول طبيعة الانتماء المهني لبعض العمال لديهما، كرئيس القطار رقم 125 مثلا، هل يستطيع أن يكشف لماذا ترك مهنته الأصلية وجاء يترأس القطار؟
أما من ناحية العطل، وخاصة عطل سائقي ورؤساء القطارات، فلا يوجد أحد بينهم لديه أقل من 98 يوم كونجي فما فوق، وهناك من لديه 120 يوما من العطلة لم يأخذ منها يوما واحدا.
الكارثة أن كل ما يقع في المكتب الوطني للسكك الحديدية يحدث بمباركة النقابات التي «باعت الماتش»، والدليل على ذلك أن لا نقابة تحركت عندما تم تقليص وتقسيم منحة شهر دجنبر التي كان فيها 7000 درهم بالنسبة للجدد، و5000 درهم بالنسبة للقدماء، فعمدت إدارة الخليع إلى تقسيمها على 12 وأدخلوها في الراتب الرئيسي.
فإدارة الخليع تحرص على الميزانيات فقط عندما يتعلق الأمر بتعويضات المستخدمين، أما عندما يتعلق الأمر ببناء سور وهدمه لبناء سور جديد وإهدار المال العام، فإن الجميع يغلق العين.
نتحدث بالضبط عن السور الذي شيدته السكك الحديدية لحماية السكة من الحيوانات والمارة ما بين بوزنيقة والصخيرات، وما بين سلا تابريكت وسيدي بوقنادل، وهي الأسوار التي لم يمر عام واحد على تشييدها حتى هدموها وعادوا لبناء أسوار جديدة، والسبب أن عباقرة المكتب الوطني للسكك الحديدية «نساو ومداروش بحساب التي جي في»، وفاتهم أن المشروع سيحتاج سكة ثالثة.
«هوما ينساو وحنا نخصلو».
يحدث هذا في الوقت الذي يوظف فيه الخليع مهندسين تخرجوا من معاهد تمتنع عادة السكك الحديدية عن توظيفهم. فقد أشر قبل مدة مسؤولو المكتب الوطني للسكك الحديدية على إدماج ابنة مسؤول معروف بحزب العدالة والتنمية، بتوصية من الرباح، للاشتغال بالمكتب رغم أنها خريجة أحد معاهد الهندسة الخاصة التي تمتنع إدارة المكتب عن تشغيل المتخرجين منها، معطية الأولوية للمدارس العمومية للهندسة.
وتمكنت ابنة المسؤول الحزبي، المقرب من رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، من دخول المكتب الوطني للسكك الحديدية بطريقة غامضة، على اعتبار أن مكتب التوظيف الخاص الذي يسند له المكتب الوطني للسكك الحديدية مهمة تنظيم مباريات التوظيف، ليس له علم بكيفية إدماج الإطار المذكورة، علما أن مكتب التوظيف ذاته يكشف، بطريقة غير رسمية، أن التوجيهات التي يعمل في إطارها تقضي باستثناء خريجي المعاهد الخاصة من المباراة، وهو ما سبق أن أثار احتجاج عدد من هؤلاء الخريجين، معتبرين أن ربيع الخليع، المدير العام لمكتب السكك الحديدية، يستهدف حصر لائحة الأطر الموظفة بالمكتب في خريجي المدرسة العمومية التي تخرج منها رفقة كبار مسؤولي المكتب.
الكارثة العظمى هي أن المكتب الوطني للسكك الحديدية يزخر بأطر كثيرة وإمكانيات كبيرة يمكن أن تؤهله لأن يكون في مستوى العصر، لكن سوء التدبير والتسيير جعل الفوضى هي السائدة، فهناك 28 مديرا وعدد كبير من رؤساء الأقسام وجيش عرمرم من رؤساء المصالح، والنتيجة هي هاته الفوضى التي نرى ونسمع عنها كل يوم.
فالقطاع السككي يعيش اليوم على إيقاع سياسة «باك صاحبي» والسككيون الذين يغامرون بالتعبير عن تذمر يتم طحنهم، النقابات تخلت عن العمال والمستخدمين إما بشراء الذمم أو خوفا من العصا والتنقيل، والنقابيون القلة الذين ظلوا على العهد يعانون بسبب وضعهم أمام خيارين، «إما تدخل الصف ولا خوي السكتور».
لكن يبقى أخطر شيء قاله المدير العام ربيع الخليع بعد حادثة اصطدام القطارين، هو كذبه أمام البرلمانيين والرأي العام بخصوص استعمال نظام ذكي لإيقاف القطار أوتوماتيكيا عند حدوث الخطأ البشري.
فهذا النظام الذي يحمل اسم «ORACLE» كان معمولا به منذ 1990 على عهد بنجلون، ولدي نسخة من القانون المؤطر لهذا النظام وكيفية استعماله، لكن بسبب سوء الصيانة وارتفاع عدد التوقفات الأتوماتيكية عن طريق الخطأ، اتخذ عباقرة المكتب الوطني للسكك الحديدية عند مجيء الخليع، قرارا بحذفه ليتركوا مسؤولية قطارات تسير بسرعة 160 كلم في الساعة على عاتق سائقي القطارات، وهو ما لا يمكن أن تجده في أي بلد في العالم.
ساحة النقاش