http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

authentication required

فلاش بريس = عبد العزيز الرماني

 

للمدن رائحة

جعل الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش لكل مدن العالم رائحة تخصها، وجعل للرباط رائحة البخور والحناء والعسل، والحقيقة أن للرباط  أكثر من رائحة لم يتمكن أنف درويش من شمها.
ظل الناس يتغنون بطنجة وفاس ومراكش وبجمال هذه المدن وجاذبيتها، وتركوا الرباط لحالها، فهي العاصمة القاصمة، فلا تشدك إليها غير توقيعات الأقلام وكثرة الأعلام والعمارات الإدارية وضجيج سيارات الموظفين ومسؤولي الدولة.
لكن للرباط عبقا آخر ورائحة أخرى، أروع من روائح اليود والبهارات والشمس والبحر والدخان. وفيها أيضا روائح للفتنة والاشتغال والانشغال. ولكل حي من أحياء الرباط وأزقتها رائحة تقودك كأنها خارطة سياحية، من الملاح إلى شوارع الحسن الثاني ومحمد الخامس وعلال بنعبد الله.
وفي الرباط تجد كل عواصم العالم ومدنه، وفيها أيضا جل مدن إفريقيا وزعمائها، كما تجد فيها مدن المغرب العربي وقادته ومفكري العالم وفلاسفته. وحين تتجول في بعض أحيائها تجد أزقة تحمل أسماء مدن عنابة وقسطنطينة ووهران وتلمسان، وكأنك أمام خارطة للجزائر، ولكنك، لن تجد في الجزائر أسماء فاس والدارالبيضاء ومكناس.
والرباط مدينة لكل المتناقضات؛ ففيها لن تجد شوارع تحمل أسماء إدريس البصري أو احمد الدليمي أو محمد أوفقير رغم أن فيهم من خدم الملك الحسن الثاني حتى مماته، وفيهم من خدمه وخانه، ولكنك حتما ستجد شوارع باسم المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد رغم أنهم كانوا من أشرس المعارضين للملك، فالرباط مدينة صادقة مع نفسها ومتصالحة مع المواقف والتاريخ.
وفي الرباط تجد شارعا باسم باتريس لومومبا الذي منذ أن قتله البلجيكيون، لم يعثر له الناس على قبر أو جثمان كما هو مصير جثمان المعارض المهدي بنبركة. وما يحمله شارع باتريس لومومبا من ذكريات ومعالم حولته إلى مؤسسة كبيرة، فحين تعبره قادما من شارع الحسن الثاني بدءا من محطة الحافلات ومواقف سيارات الأجرة، تجد على يسارك حديقة للعشاق وللحنين فهي قلب للعاشق ورئة للمدينة تنقي هواءها.
وفي الجانب الآخر تجد مقهى «الليل والنهار» التي لو حولت لياليها إلى حكايات وروايات لملئت بها مكتبة كاملة. وغير بعيد تجد مطعما لصاحبه «ميشيل» الذي يحمل بنديره في ساعة متأخرة من الليل، ليطرب رواد مطعمه بصوت متميز وجبهة عريضة وعينان جاحظتان:
هاهو ميشيل سمعوه ألغالطين ... خدمتو النهاركامل وجيتوه طايعين
خليتو المرا والدراري في الدار نايمين... وجبتو لمزيودة وانتوما ضاحكين
وعلى مقربة منه مراكز للأمن، وتاريخ للكاب آن الأمنية، ولجريدة الأنباء الرسمية، ومنها نرحل إلى المسرح في الجهة اليسرى، والمكتبة فالكنيسة، فصندوق الإيداع والتدبير، ومكتب الصرف، ثم زنقة البريهي وداخلها التلفزيون، وبعدها جريدة الحركة،  فالوزارات، والثكنات العسكرية، إلى أن تصل إلى القصر الملكي.
في هذا الشارع لوحده تجد مدينة بكاملها؛ مكاتب لتدبير الأموال ولصرفها، وصحافة ومسرح، ومكتبة وتلفزيون، وأمن وأجهزة، ومقاهي ومطاعم وحانات، وفيه جل الوزارات وبعض الثكنات.
وعن الرباط كتب الصحافي محمد التازي سنة 1956 مقالة بجريدة «العلم» يحكي فيها: «الرباط في الصيف يرتفع مستوى جمالها.. فقد جاءت الطالبات لحضور الامتحانات.. فتحول هدوء العاصمة الممل إلى حلبة استعراض للموضة والسوالف المسدولة على الصدور.. أما الفتيان فقد أصبحت لهم موضة غريبة، ذقن قصير ورأس حليق، وسيجارة ترقد في زاوية مهملة من الفم، بينما الفكان يلوكان اللبان.. والرجلان تتحركان على انغام الروك الفاجر.. كل هذا والرباط بخير».
لم يستسغ الراحل مولاي علي العلوي مدير جريدة «الحركة» نقل مكتبه من شارع محمد الخامس إلى باتريس لومومبا، فشكا إلى أحد أصدقائه الذي كان مؤرخا، فبدأ الآخر يحكي له عن المكانة التاريخية لهذا الشارع الكبير، وذكره بالعلاقة التي ربطت الملك محمد الخامس بالزعيم باتريس لومومبا، فأوقفه مولاي علي العلوي قائلا: «هل تعتقد أن ما تحكيه سيقلص مسافة الطريق لأصل إلى مكتبي باكرا في الصباح؟».
وحين كان مكتبه في شارع  محمد الخامس دخل يوما إلى المقر فلاحظ غياب مجموعة من الصحافيين، فسارع إلى كتابة تنبيه لجميع المتأخرين، ولم تتجرأ كاتبته على استفساره حول بعض الكلمات الغامضة، فرقنته كما فهمته، وقدمته له للتوقيع، فظل التنبيه منشورا لأزيد من أسبوع هكذا:
«لقد لوحظ تهاون بعض الصحفيين وتأخرهم عن العمل، ولن يقبل بعد هذا التاريخ أي تأخير ما لم يكن يحمل تعسيلا مبردا» وهو يقصد تعليلا مبررا.

 

المصدر: فلاش بريس = عبد العزيز الرماني
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 22 سبتمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,067