بوتفليقة يتحول لبرنامج سياسي
ماذا يعني أن يلتقي خمسة رؤساء وزراء سابقين في الجزائر، عند ضفاف محور واحد يتمثل في معارضة استمرار حكم الرئيس العليل عبد العزيز بوتفليقة؟ قد تكون وحدة الهدف جمعت بين أطياف السياسة الجزائرية، إلا أن الأهم أن المعارضة لم تعد حكرا على رموز بعيدة عن التمرس في شؤون الحكم، كما في أنواع المعارضات التي لم يكتب لها أن تتحمل المسؤولية، بل امتد إلى قلب النظام.
ما يجمع علي بن فليس وأحمد بن بيتور وأحمد غزالي ومقداد سيفي ومولود حمروش أنهم تحملوا المسؤولية على عهد الرئيس بوتفليقة وقبله،وبالتالي فهم أكثر إلماما بطبيعة الأزمة التي تجتازها البلاد.أكان ذلك على صعيد فشل مشروع الانتقال الديمقراطي الذي لم يتحقق بعد انتخاب أول رئيس مدني في شخص بوتفليقة الذي مدد لنفسه،أكثر مما فعل العسكريون الذين سبقوه، أو على صعيد الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي أشعلت الشارع الجزائري،بعد أن خمد لهيب ما يعرف بالربيع العربي. ولم يكن لكل هؤلاء المسؤولين السابقين أن يلتقوا لولا أن الأزمة البنيوية التي يعانيها النظام الجزائري حتمت الصراخ من الداخل والخارج بأعلى الأصوات الممكنة.
لا يواجه كل هؤلاء نظاما يعرفون أنه لا يحكم البلاد، بل تقمص شخصية حاكم شارد، وإنما يواجهون محيطه الذي يشتغل باسمه علنا وفي الخفاء، وفي حال انضمام عبد العزيز بلخادم آخر أوفياء بوتفليقة قبل عزله من الحكومة والرئاسة وجبهة التحرير، ستزيد القائمة اتساعا، فيما يشبه عصيان الداخل، بعد أن لم تنفع مساعي الإصلاح واقتياد البلاد إلى سكة التغيير الملح الذي لا يحتمل الإرجاء.
غير أن تشكيل جبهة بهذا التنوع وهذا الزخم ليس تلقائيا، ولا يمكن أن يتم بمعزل عن آليات الصراع التي تدار من أجل خلافة الرئيس العليل. فثمة اعتقاد سائد بأن شارة السباق أعطيت، ولم ينقض العام على بدء الولاية الرابعة لبوتفليقة التي عارضها كثيرون، انطلاقا من عدم قدرة الرئيس على امتلاك زمام الأمور صحيا وسياسيا. إضافة إلى أن شغور مقعد الرئاسة يدفع إلى ملئه بالمتربصين المتخندقين حول المحيط الذي بات شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة رمزه الأول بامتياز.
أقرب إلى استفتاء من دون تنظيم استشارة، تندرج جبهة المعارضة الجزائرية التي يقودها رؤساء وزراء سابقين، هدفه نزع الشرعية عن النظام، إن لم يكن بمبرر سياسي، طالما أنه حاز على ثقة الناخبين في اقتراع بلا مفاجأة، فأقله بوازع صحي، لأن تحمل المسؤولية يفرض سلامة الجسد والعقل معا. ولا يبدو أن نعت هؤلاء بأنهم يمثلون «معارضة الصالونات» كان لتبرير الوضع الراهن. خصوصا وقد تحول شغور مقعد الرئاسة إلى برنامج سياسي واقتصادي ومعنوي.
استفاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تعبيد الطريق أمام ولاية رابعة من دعم خارجي وبعض التفهم الداخلي، من منطلق أن استقرار البلاد لا يجب أن يتعرض لأي اهتزاز أو مغامرة، بخاصة في ظل التداعيات السلبية للربيع العربي الذي أشاع الفوضى والاضطرابات والعنف وغياب الأمن والارتهان إلى المجهول. غير أن وصفة الاستقرار ليست جامدة، بل تتطلب حراكا على طريق التغيير الذي أصبح مطلبا حيويا، وتأكد الآن أن من الصعب على بوتفليقة أن يمضي قدما في مسار التغيير، باستثناء ما يتعلق بحروب المواقع والخنادق التي سمحت له بإطاحة رؤوس وحمل أخرى إلى الواجهة، بما في ذلك بعض الشخصيات العسكرية والأمنية.
غير أنه إذا كانت تلك المناقلات ومع ذات الدائرة المحيطة بالرئيس ومساعديه ورجاله، جاءت على مقاس التمهيد للولاية الرابعة، فإن ما بعد المرحلة أصبح مطروحا. ولم يكن لبعض زعامات المعارضة أن تلوح بشغور كرسي الحكم، لولا أنها تتوفر على دلائل حول الترتيبات الجارية، أي أنها تسعى بصورة أو بأخرى لاستباق الأحداث.
تصور محيطون بقصر المرادية أن إبعاد عبد العزيز بلخادم يكفيهم مشقة تطلعاته إلى الخلافة، فإذا بهم يواجهون زخما معارضا أكبر، وإن كان لايزال في بداية التشكل كجبهة عريضة مناوئة. ذلك أن ما يجمع رؤساء الوزراء السابقين، على اختلاف مشاربهم وميولهم وقناعاتهم وارتباطاتهم أنهم يقدمون بديلا جاهزا. سواء في حال الذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة أو عند البحث في أي صيغة محتملة لتعديل دستور البلاد، لكنها المرة الأولى التي تخرج فيها معارضة من عباءة النظام ذاته، وفي ذلك رسالة واضحة إلى شركاء الجزائر،ممن يودون استمرار الرهان على الاستقرار واستمرارية النظام بمواصفات جديدة،أقرب إلى التغيير، في حال تعذر إنجازه، فالبلاد لا تواجه ثورة، بل زخما إصلاحيا انطلقت معالمه بصفارات مسموعة وأخرى خلف الغرف المغلقة.
ساحة النقاش