مهمة مستحيلة
الحقيقة أن وزير النقل والتجهيز الأغر ووزيره المنتدب الأزعر غير محظوظين بالمرة.
فقد كان الأول في «البيصارة» فأصبح، مع حادث اصطدام القطارين، في «الخليع»، والثاني كان أكثر من ذكر الدلاح والبطيخ إلى درجة أن انزلق فوق قشوره، وأصبح مع كل هذه الحوادث التي تعرفها الطرقات والسكك الحديدية غير قادر على توقيف هذا الفيلم المرعب.
وعلى ذكر الأفلام، فالهدية السخيفة التي أعدها رباح ووزيره المنتدب الأزعر لمستعملي الطريق السيار، هي توقف حركة الطريق السيار بمراكش 14 يوما من أجل سواد عيون طوم كروز لتصوير مشهد من 10 دقائق، فقد أعلنت الشركة الوطنية للطرق السيارة، التي يعتبر رباح وبوليف المسؤولين المباشرين عنها، أنه سيتم توقيف حركة السير ابتداء من يوم الأحد 31 غشت الجاري على الساعة السادسة صباحا إلى يوم الجمعة 12 شتنبر المقبل عند منتصف الليل. وما على مستعملي الطريق السيار المتجهين نحو أكادير سوى الولوج إلى محطة الأداء «مراكش النخيل» واتباع التشوير المؤقت.
لو حدث شيء مماثل في أية دولة أخرى من العالم، لسمع الوزير الوصي على القطاع «خل ودنيه» من مستعملي الطريق السيار. فهل هناك وزارة نقل في العالم تقبل أن تقطع واحدا من أهم الطرق السيارة في المملكة، وبداية من يوم عودة المسافرين، لأربعة عشر يوما كاملة لمجرد تصوير مشهد من عشر دقائق؟
إنها قمة الاستخفاف بمصالح المواطنين، فقد قبلت وزارة النقل ومعها الشركة الوطنية للطرق السيارة، بالتعويض السخي الذي ستمنحه لها الشركة المنتجة للفيلم السينمائي، في الوقت الذي نسيت فيه واجبها أمام المواطنين كشركة تقدم خدمة عمومية.
منذ تولي عزيز رباح ونجيب بوليف لوزارة النقل والتجهيز، وخدمات هذا القطاع تتراجع يوما عن يوم، فقد كثرت الحوادث على الطرقات، وأصبحت خدمات القطارات متردية والسفر على متنها غير آمن.
ورب قائل إن فيلم «مهمة مستحيلة» الذي يقوم الممثل العالمي بدور البطولة فيه، سيجلب للمغرب شهرة إضافية مثلما صنعت أفلام براد بيت وغيره.
وهذا طبعا كلام مردود على أصحابه، لأن أفلام هؤلاء النجوم الأمريكيين لم تقدم عن المغرب سوى بلد الإرهاب والإرهابيين والتخلف والفقر والاحتيال.
وقد كنا سنتقبل الأمر لو أن بطل الفيلم كان شخصا مناصرا للقضايا العادلة، مدافعا عن القيم الإنسانية المشتركة بين البشر، أما وإن بطل الفيلم الذي ستغلق من أجل عيونه الطريق السيار أسبوعين كاملين، هو الممثل الجاهل طوم كروز، فإن الأمر يصبح مدعاة للاستنكار والشجب.
إن مشكلة رباح وبوليف ومعهما مدير شركة الطرق السيارة، هي أنهم لا يقرؤون، ولو أن بعضهم يقرأ كثيرا، لكن عندما يتعلق الأمر بـ«الحسايف». لأنهم لو كانوا يقرؤون لاطلعوا على ما قاله هذا الغبي طوم كروز في حق العرب.
ولو أنني لست عربيا، بل مغربيا مسلما يعتز بأمازيغيته، فإن ما قاله طوم كروز في حق العرب يجعل كل من في نفسه ذرة من كرامة ونخوة عربية، يقاطع هذا الممثل الغبي إلى أن يسحب ما قاله ويعتذر عنه. فقد قال في عز الحرب الهمجية على الفلسطينيين، إن العرب هم أصل الإرهاب، وليته اكتفى بهذا بل إنه تمنى أن تبيد إسرائيل كل العرب من الكرة الأرضية.
هذا إذن هو الممثل النجم الذي سيغلق السيد رباح والسيد بوليف الطريق السيار في وجه المسافرين المغاربة والأجانب من أجله. يشتم ويسب ويحقر العرب ويتهمهم بالإرهاب، ويتمنى فوق ذلك من إسرائيل أن تبيدهم جميعا لكي يرتاح العالم منهم.
لو تعلق الأمر بالعملاق أنطوني هوبكينز، الذي يسحرني شخصيا في دور «حنيبعل»، لهان الأمر، فهذا الممثل على الأقل عبر عن خجله مما تصنعه إسرائيل في غزة، وقال صراحة «إسرائيل تعني ببساطة الحرب والتدمير، ونحن الأمريكيون نوجد وراء هذه الحرب»، قبل أن يضيف «كأمريكي أخجل من نفسي».
ولو تعلق الأمر بآلباتشينو، الذي لا يمكن نسيان أدائه الرائع لدور اليهودي في «تاجر البندقية»، لقبلنا الأمر، خصوصا وأنه قال معلقا على تقتيل الجيش الإسرائيلي لأبناء غزة «عندما نقرأ تاريخ إسرائيل نعرف حقيقة من هو الإرهابي».
ولو تعلق الأمر بميل جيبسون، الذي أبكى الملايين في آخر لقطة من فيلم «بريف هارت»، عندما انحنى لكي تضرب رقبته من طرف الإنجليز، لما شعرنا بالإهانة، خصوصا وأنه قال تعليقا على المجازر الإسرائيلية في غزة، إن «الصهاينة هم أصل التدمير، وأتمنى محاربتهم».
أما أنجلينا جولي، فقد ردت على طوم كروز قائلة «العرب ليسوا إرهابيين، والعالم بأسره يجب أن يتحد ضد إسرائيل». وكذلك كان رأي النجم الوسيم جورج كلوني، الذي أفضل دوره في فيلم «الأمريكي» على كل أدواره، فقد قال «بوش، شارون، بلير، ورايس، أسماء سيلعنها التاريخ».
إن طوم كروز، الذي غرق في خرافات «الكنيسة السيونطولوجية»، ينتمي إلى تلك الشرذمة من نجوم هوليود الذين يعلنون ولاءهم المطلق لإسرائيل ويباركون مجازرها ويجاهرون بعدائهم المطلق للعرب والمسلمين، على شاكلة «كانو ريفيس»، و«ريشارد غري»، و«هاريسون فورد» وغيرهم من منتوجات هوليود الاستهلاكية.
فهل نجازي أمثال هؤلاء العنصريين الحاقدين والكارهين لكل ما هو عربي وإسلامي، بإغلاق الطرق أمام مواطنينا من أجلهم لكي يؤدوا أدوارهم الحقيرة في أفلامهم التجارية؟
لقد قال الوزير الأزعر بوليف في حديث ثلاثائه الأخير، «فلنحافظ على صفاء ملكيتنا المشتركة». ونحن نريد أن نسأله، أليست الطريق السيار ملكية مشتركة، هل بإغلاقها في وجه دافعي الضرائب من أجل هذا الممثل التافه، تكونون قد أعطيتم درسا في المحافظة على صفاء ملكيتنا المشتركة؟
لقد أصبح واضحا الآن أن ما يهمكم هو المقابل الذي تجنونه من تذاكر الطرق السيارة وكرائها للمنتجين السينمائيين، وما تربحون من تذاكر السفر على متن القطارات، أما سلامة وراحة المواطنين فآخر ما يشغل بالكم.
هل فكرتم في كل الوقت الذي سيضيع على المسافرين بسبب قراركم هذا؟
هل فكرتم في كل التلوث الذي سينجم عن الازدحام في ساعات الذروة بسبب قراركم هذا؟
فكرتم فقط في الربح الذي ستجنونه من هذه الصفقة مع الشركة المنتجة، ولم تفكروا في الخسارة التي ستتسببون فيها للمسافرين وسائقي الشاحنات، بسبب إتلاف أعصابهم وتضييع وقتهم. وهذا طبيعي، فنظرتكم للأمور لا تتعدى أرنبة أنوفكم.
والنتيجة هي أن القطارات تحولت، رغم أرباحها المرتفعة، على عهدكم إلى مزابل وحمامات صونا متنقلة، وتحولت الطرق السيارة إلى كعكة تقتسمها الشركات التركية الصديقة وتشيدها بالغش كما تشهد بذلك مختبرات شركة طرقكم السيارة، وتحولت الطرق إلى مذبح مفتوح تسفح فوق إسفلته دماء المسافرين يوميا مثل القرابين.
وفوق هذا وذاك تأتون اليوم وتقررون إغلاق طريق سيار أربعة عشر يوما، من أجل عيون ممثل شتم عروقكم وعروق أجدادكم ويتمنى محوكم من الكرة الأرضية أجمعين.
إذا كانت هذه هي طريقتكم في إعادة الثقة والكرامة إلى المغاربة فبئس الطريقة، وتذكروا أن التاريخ لن يسامحكم على هذه الإهانة التي جعلتم الشعب يتجرعها، وإذا كنتم قد أصبتم بسبب التخمة ونعمة الوزارة بآفة النسيان، فتذكروا أن الشعب لديه ذاكرة ولا يمكن أن ينسى بهذه السهولة.
فقد أصبح اليوم واضحا أن «مهمة مستحيلة» ليست فقط عنوان فيلم يلعب بطولته صهيوني أجلف يدعى طوم كروز، بل هو أيضا عنوان فيلم حكومي سخيف يلعب دوره رئيس حكومة اسمه عبد الإله بنكيران فشل في كل المهام التي تحمل مسؤوليتها منذ تعيينه إلى اليوم.
ساحة النقاش