المعاراضيا
كان الملتقى الأخير لشبيبة العدالة والتنمية بسلا مناسبة لكي يخطب الكاتب العام لهذه الشبيبة أمام رئيسه بنكيران ويقدم تصور الحزب وشبيبته وحركة التوحيد والإصلاح التي يعتبر الكاتب العام عضوا فيها، للمعارضة وما يجب أن تكون عليه.
ففي حوار صدر قبل الملتقى بيوم واحد قال الكاتب العام لشبيبة بنكيران إنهم مستعدون للعب دور المعارضة مكان المعارضة، لأن الطبيعة تخشى الفراغ. وخلال كلمته التي قدمها في الملتقى استسمح رئيسه بنكيران لكي يتقمص دور المعارضة في غياب الأحزاب التي يفترض فيها القيام بذلك.
نكاد نتفق مع الكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية في كون المعارضة الحزبية في المغرب مهلهلة ورخوة ومهرجة وغير قادرة على لعب دورها الطبيعي داخل المؤسسة التشريعية، وهذا ما يفسر تغول حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ونجاحه في بسط سيطرته في أروقة ولجان البرلمان بالشكل الذي يسمح له بتمرير كل قرارات الحكومة.
وبالنسبة للكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية فإن المغاربة الذين ذهبوا للمشاركة في قطع الرؤوس في العراق وسوريا في صفوف «داعش» ليسوا سوى ضحايا، فهم حسب ما قاله، أبناؤنا الذين لا يجب أن نفرط فيهم، ويجب على الدولة أن تستقبلهم وتحاورهم بالتي هي أحسن وتوظف لهذه المهمة العلماء والفقهاء. فالمساكين يريدون العودة إلى المغرب لكنهم خائفون من الاعتقال. بقي له فقط أن يطلب من الدولة أن تستقبلهم بالتمر والحليب في المطارات.
هل يعرف السيد الكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية كم رأسا قطع هؤلاء الذين اعتبرهم مجرد ضحايا؟
والغريب أن ما يجب محاربته، حسب الكاتب العام لشبيبة بنكيران، هم من سماهم «دواعش» الإعلام والسياسة الذين يشوشون على عمل الحكومة بانتقاداتهم المتواصلة.
يعني أن الصحافة المستقلة، وبالأخص «الأخبار»، التي تراقب وتنتقد عمل رئيس الحكومة ووزرائه أخطر بكثير من قاطعي الرؤوس في صفوف «داعش».
هذا الكلام طبيعي من جانب حزب لم يحدد بشكل واضح وصريح موقفه من «داعش»، فكل ما سمعناه منهم منذ بداية الحرب في سوريا هو دعوتهم للمغاربة للذهاب للجهاد ضد بشار، والآن دعوتهم لعدم تهويل خطر «داعش»، ثم مطالبتهم الدولة باستقبال المقاتلين المغاربة في صفوف «داعش» الراغبين في العودة إلى المغرب وفتح حوار معهم واعتبارهم مجرد أبناء ضالين.
وما يثير مخاوف الحزب الحاكم وشبيبته هو الصحافة المستقلة التي تعلب دور المعارضة رغم أنفها في غياب المعارضة الحزبية التي تخلق التوازن في المشهد السياسي.
ونحن اليوم واعون أشد ما يكون الوعي بأن دورنا لا يقتصر فقط على نقل الأخبار إلى القراء، بل يمتد لكي يشمل معارضة الحكومة عبر كشف عيوبها وقراراتها غير الشعبية أمام الرأي العام.
مجبر أخوك لا بطل، كما يقول الشاعر. ففي بلد تدس معارضته رأسها في الرمال مثل النعامة، وعندما تخرجه لكي تعارض تقول حماقات تثير السخرية أكثر مما تثير الانتباه، لا خيار أمام الصحافي سوى أن يتقمص دور المعارض للمسار الانتحاري الذي تقودنا إليه الحكومة باختياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولهذا يساوي بنكيران والكاتب العام لشبيبته بين المعارضة والإعلام، ويريدان لعب دور المعارضة في ما بينهما طبقا للحكمة المغربية التي تقول «ضربة الخو ما تضر»، أو «نضربك وما نخلي من يضربك».
فرئيس الحكومة يريد معارضة متحكما في لجامها، معارضة لايت من ذلك النوع الذي سماه الساخر بزيز خلال حكومة التناوب «المعاراضيا»، معارضة تدغدغ أكثر مما تقرص، وتدهن الجرح عوض أن ترش الملح فيه. أي ببساطة يريد رئيس الحكومة أن «يدق» وفي نفس الوقت يقول «شكون».
ولهذا السبب بالضبط أسند هذه المهمة رسميا لشبيبة حزبه لكي تغطي معارضتها الشكلية والسطحية على المعارضة الصارخة والمؤلمة التي تقوم بها «الأخبار» يوميا لقراراته ومواقفه، انسجاما مع وظيفة الصحافة وواجبها في مراقبة الموظفين العموميين والوزراء وطريقة صرفهم للمال العام. تماما كما فعلنا مع حكومة اليوسفي وحكومة جطو وحكومة عباس الفاسي.
ولهذا السبب أيضا خص بنكيران شبيبة حزبه في ملتقاها بسلا بسكوب حرم منه الرأي العام المغربي الذي كان ينتظر من رئيس حكومته عقده لندوة صحافية بعد عودته من أمريكا لإخبارهم بما دار بينه وبين المسؤولين الأمريكيين. لكن رئيس الحكومة انتظر حتى صعد إلى منصة الخطابة في ملتقى شبيبته بسلا لكي يخبرهم بما دار بينه وبين وزير الخارجية الأمريكي حول حماس وفلسطين.
وطبعا فرئيس الحكومة، كما قال قبل ثلاث سنوات، «خدام مع الناس اللي صوتو عليه» أي شبيبته ومناضلي حزبه، وهؤلاء هم الذين يشعر بنكيران أنه مدين لهم بتقديم معلومات حول لقاءاته مع القادة في الخارج، أما عموم الشعب الذين يدفعون راتبه ورواتب وزرائه من ضرائبهم فلا يعنيه أمرهم.
أما عندما ذهب رئيس الحكومة إلى أمريكا واستضافه راديو «سوا» وسأله عن مشاكله مع الصحافة المغربية، فما كان من رئيس حكومتنا سوى أن قسم الصحافة إلى جزء ينتقده بحسن نية، وجزء مأجور يتوصل بالأموال من أجل التشويش عليه.
لو أن وزيرا أو مسؤولا في أمريكا قال هذا الكلام ضد صحافة بلاده لطالبه القضاء فورا بالإدلاء بما يؤكد اتهاماته، وإذا امتنع فإنه سيكون محل متابعة بتهمة التستر على جريمة.
عندنا لم يحرك ما قاله رئيس الحكومة شعرة واحدة في رأس وزير العدل، كما لو أن الجريمة التي بلغ عنها رئيس الحكومة لا تستحق فتح تحقيق عاجل حولها لخطورتها.
رئيس الحكومة يعرف صحافيين مرتشين ومأجورين يتلقون المال مقابل التشويش عليه، ألا يستحق هذا الاتهام الخطير فتح تحقيق مع رئيس الحكومة لكي يدلي بالأسماء التي لديه من أجل أن تنال جزاءها؟
هم لا يريدون لا فتح تحقيق ولا سيدي زكري، هم يريدون فقط خلط الأوراق في ذهن المغاربة لكي يصبح كل من ينتقد بنكيران ووزراءه داخلا في عداد الصحافيين المأجورين الذين يقصدهم بالاتهام.
على رئيس الحكومة أن يكون شجاعا وأن يكمل خيره بإمداد وزيره في العدل بأسماء الصحافيين الذين يقصدهم باتهاماته، وأن يقدم له الدلائل التي تورطهم في جريمة الارتشاء، لأن سياسة خلط الأوراق من أجل تمييع عمل الصحافيين ووضعه كله في سلة واحدة لا يخدم سوى هدف واحد هو تخوين وتشويه كل صحافي يمارس واجبه بمراقبة العمل الحكومي والمتصرفين في المال العام.
في أمريكا التي ذهب إليها رئيس الحكومة تنظم رابطة المراسلين العاملين بالبيت الأبيض عشاء سنويا يحضره كل الصحافيين والمراسلين العاملين بأمريكا بالإضافة إلى مشاهير السياسة والسينما، وخلال العشاء يلقي الرئيس خطابا ساخرا ويحاول إضحاك الصحافيين.
وخلال هذا اللقاء يكون على الرئيس أن يلقي نكاتا تضحك الصحافيين دون أن يفوته في الأخير الثناء على عملهم.
ويبدو أن رئيس الحكومة لم يستفد خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض من هذا الدرس، بل إنه اختار أن يهاجم صحافة بلاده من قلب واشنطن وفي محطة إذاعية تابعة للكونغريس.
هل سمعتم رئيس حكومة واحدا في العالم يشكو صحافة بلاده في كل الدول التي يذهب لزيارتها؟
ساحة النقاش