مغامرات وزير البيصارة (3/1)
لم تكد المنصة الكبيرة في الملعب القنيطري تسع عزيز الرباح وهو يقف إلى جانب البطل العالمي بدر هاري، وعندما كانت حناجر المشجعين تصدح باسم «هاري» كان الرباح يكاد يقضم أصابعه غيرة من هذا البطل الذي لديه كل هذه الشعبية.
ولأن الرباح يستغل كل شيء من أجل تلميع صورته وتأكيد حضوره في إقليم القنيطرة الذي يترأس مجلسه البلدي، فإنه يكره كل من يعكر عليه صفو هذه الصورة.
وبدون مبالغة يعتبر صدر عزيز الرباح، رئيس بلدية القنيطرة ووزير النقل والتجهيز، أحد أكثر صدور المسؤولين العموميين المغاربة ضيقا بما تكتبه الصحافة من نقد حول طريقة تسييره للشأن العام.
وردا على ما نشرناه بخصوص التعيينات الأخيرة التي قام بها الرباح في وزارة النقل والتجهيز، كتب في صفحته على الفيسبوك تعليقا كله سب وقذف في حقي ونعتني فيه بالبوق المسخر. نعم أنا بوق مسخر من طرف دافعي الضرائب لكي أضرب لكم الطر يوميا. فهذا دوري، وهذا ما سأستمر في القيام به.
ولمعرفته الجيدة بأن الإعلام، خصوصا الإلكتروني،يمكن أن يصبح سلاحا ناجعا لتلميع صورته الانتخابية،فقد حرص الرباح على خلق «ميليشيات إلكترونية» في منطقة الغرب بكاملها، ويتولى بعض من يدعون «تامغريبيت» إلى جانبه تجييش«الباجدة» لشتم ومهاجمة كل من ينتقد سعادة رئيس المجلس البلدي والوزير الذي لا يشق له غبار.
وهناك شخص له ماض أكثر من مخز في مجال الخيرية والمخيمات وجمعية المعاقين بشاطئ المهدية يقوم بهذه المهمة خير قيام، وقد جازاه الرباح بعضوية أحد مكاتب «الكاك». فالرباح يستدرج الغياطة والمطبلين له من مهن وحرف بعيدة كل البعد عن الإعلام، كعالم «التاكسيات» و«التيليبوتيكات» وقاعات الأفراح وأصحاب السوابق العدلية.
ولمعرفته بأهمية الكرة وجمهورها فإن الرباح يتحكم حتى في جزء من جمهور «حلالة بويز» عبر مستشار كان فقيرا معدما فأصبح بقدرة قادر غنيا وصاحب شركات، وهو الذي لا يتجاوز مستواه الدراسي التاسعة إعدادي. إلى جانب صاحب مقهى مشبوهة يقال إن الرباح فوت له فضاء رياضيا على نهر سبو وبقعة أرضية في الحي الصناعي، ومراسل إحدى اليوميات في الرياضة الذي نصبه الرباح رئيسا لإحدى جمعيات المراسلين الرياضيين للتحكم فيهم.
مكتب «الكاك» نصبه كذلك الرباح ووضع على رأسه رئيسا متابعا قضائيا وهو موثق كرئيس شكلي بينما الرئيس الفعلي شخص آخر كان يعمل مرة مساعد حلاق ومرة قارئا على قبور الموتى في مقبرة البوشتيين وسيدي البخاري. وهو ابن الدوار بالساكنية من أصل تازي دخل القنيطرة في سنوات الثمانينات ودخل الانتخابات في 2009 في لائحة الرباح ولم يكن يحلم بأنه سيصبح يوما منتخبا، ولما أصبح مستشارا من 2009 إلى 2013 وبعد تولي الرباح وزارة النقل أصبح يملك أسطول نقل مستخدمي إحدى شركات «الكابلاج» بالمناولة، فأصبح ينافس الرباح في لبس «الكوسطار». ويعتبر الرباح هذا الشخص بمثابة مروض الأفاعي إذ يتحكم في البلدية والموظفين والمواطنين والكاك ويتحدى السلطة في الدورات ويهين الصحافة.
وقد كان وراء تمويل حفلات تكريم فاخرة لعدد من الصحافيين من التلفزيون على الخصوص من البيضاء والرباط وطنجة، بحضور الرباح، مقابل ضمان تطبيلهم لمكتب «الكاك» الذي فصله الرباح على مقاسه.
مشكلة السيد الرباح، الذي دخل الحياة الوزارية قبل سنتين ونصف على متن سيارة «كونغو» وجلسة أكل «زلافة البيصارة بزيت العود» وانتهى اليوم يتنقل على متن الطائرات ويأكل في أفخم الفنادق،أنه لا يطيق أن يراقب أحد طريقة تدبيره للقطاعات العمومية التي يشرف عليها، ولا يحب من الكتابة الصحافية غير الزغاريد والتصفيقات، وهي نفسها التصفيقات التي أثارت غيرة رئيس الحكومة نفسه في حفل تكريم الجالية عندما كان الرباح يقوم لتسليم الهدايا للمكرمين فتتبعه عاصفة من التصفيقات، فقال بنكيران «هاد الرباح خطار، عندو الأنصار».
والواقع أن الرباح «خطار» بالفعل، لأنه يستطيع بدهائه السياسي أن يجيش أتباعه لكي يضمنوا له الحد الأدنى من التصفيق في الملتقيات الجماهيرية، خصوصا أنه سمع في كل لقاءاته الأخيرة في القنيطرة ونواحيها ما لا يرضيه من طرف من صوتوا عليه فرد لهم خيرهم «بومزوي».
الرباح «خطار» أيضا ليس لأنه قادر فقط على استمالة خصومه بكل الوسائل الممكنة، سواء بالعصا أو الجزرة، بل لأنه أيضا يقوم بتنفيذ مخطط خطير داخل الوزارة التي يتحمل حقيبتها هدفه الأول والأخير السيطرة على مفاتيح أكثر الوزارات تأثيرا وغنى على مستوى الصفقات العمومية.
الأسبوع الماضي، وبالضبط يوم الجمعة 8 غشت، شهدت وزارة النقل والتجهيز تعيينات وتنقلات جديدة فتحت الباب أمام عودة الاستقلاليين بقوة إلى دواليب هاته الوزارة.
بين العائدين إلى دواليب الوزارة أحمد الوداني، الذي سبق أن استبعد من المسؤولية داخل الوزارة من طرف الوزير المكلف بالنقل، نجيب بوليف، قبل أن يعلن توليه، الأسبوع الماضي، رئاسة قسم في مديرية الملاحة التجارية بوزارة النقل.
الوداني كان قد عين قبل ذلك رئيسا للمركز الوطني للتجارب والتصديق بالدار البيضاء، وهو الجهاز المشرف على منح الشهادات التقنية للسيارات بعد فحصها، قبل أن يبعد من هذا المنصب شهرين فقط بعد تعيينه خلفا لمسئول سابق كانت الوزارة قد قررت إعفاءه من هذا المنصب بعد تحقيقات أشرفت عليها لجنة تفتيش، لكنها لم تؤل إلى متابعة المسؤول المذكور الذي ظل يرأس المركز الذي يتصرف في ميزانية تقدر بستة مليارات سنتيم، رغم أنه لا يضم سوى 10 موظفين.
تزامنا مع تعيين الوداني أجرى مسؤول مركزي بوزارة النقل، موكول له تدبير النقل الطرقي والسلامة الطرقية، والمحسوب على حزب الاستقلال أيضا، حركة تنقيلات واسعة شملت تعيين رؤساء أقسام جدد لم يلتحقوا بمكاتبهم الجديدة بعد.
هذه الحركة سبقتها تعيينات وتنقلات أخرى أطلقها الرباح بعد مجيئه إلى وزارة التجهيز والنقل. كان الوزير يحاول، حينها، ضبط الوزارة على إيقاعه الخاص، إلى الحد الذي يسمح بولوج محسوبين على حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه إلى وزارة التجهيز والنقل، إحدى الوزارات المؤثرة والغنية بالمغرب.
وهذا ما اتضح من خلال عدة خطوات قام بها الرباح، آخرها إصداره، بتاريخ 29 ماي الماضي، مذكرة تحمل رقم 002422، يعلن من خلالها عن حركة واسعة النطاق تهم جميع مسؤولي الوزارة.
كرونولوجيا الأحداث داخل وزارة التجهيز والنقل تكشف انصراف الرباح، بعد الضجة الفارغة حول لائحة مأذونيات النقل، نحو صياغة خريطة جديدة للموارد البشرية داخل وزارة التجهيز والنقل، ففي سنتي 2012 و2013 أجرى الرباح حركة تنقيلات شملت مسؤولين سامين في الوزارة.
المعطيات الخاصة بهاته الحركة تكشف أنها أجريت لفتح الباب أمام محسوبين على العدالة والتنمية لولوج مناصب المسؤولية داخل وزارة التجهيز والنقل، وتحديدا مهام رؤساء الأقسام والمصالح. الرباح سمى هذه العملية «الحركة الأفق»، والتي لم يجر النص عليها في مرسوم سنة 2011 الضابط للتعيين في المناصب.
تفاصيل هذه العملية كان الهدف منها فتح الباب أمام أشخاص بعينهم، إذ تم الاعتماد على المقابلات مع المرشحين، ليسهل التحكم في نتائجها. هذا ما أفسح المجال أمام أسماء بعينها للظفر بالمناصب المتبارى عليه، وذلك على حساب كبار المهندسين ودكاترة الدولة الذين تقدموا لتشملهم الحركة.
وهكذا وضع الرباح المخطط الشامل للتحكم في أغنى وزارة من حيث الصفقات وأهمها من حيث التأثير على الانتخابات البلدية.
ساحة النقاش