مغامرات وزير البيصارة (3/3)
التهمة الجاهزة التي «يسددها» وزير البيصارة عزيز رباح نحو صدور منتقديه هي الكذب. مع أنه ليس هناك، والعياذ بالله، كذاب أكبر منه.
وبدون مقدمات سندخل في صلب الموضوع من أجل عرض مجموعة من الدلائل التي تؤكد أن عزيز رباح كذب ويكذب على دافعي الضرائب الذين منحوه أصواتهم في المدينة التي يتحمل مسؤولية بلديتها، أي القنيطرة.
ولسبب غامض ظل عزيز رباح دائما يخفي مكان مسقط رأسه حيث تتواجد أسرته، فغالبا ما كان يدعي أنه ابن مدينة القنيطرة، والسبب في ذلك يعود إلى أنه كان يخجل من الاعتراف بأنه ينحدر من دوار «لعواوشة» بمنطقة الحوافات. مع أنه لا عيب في اعتراف الإنسان بأصله ومنشئه، بل إن ذلك يزيده قدرا وقيمة عند الناس.
ويعرف الجميع في الدوار أن والد الرباح كان مسؤولا بحزب التقدم والاشتراكية وأن يافطة هذا الحزب معلقة بمنزله إلى أواخر التسعينات. والجميع يعرف أن رباح «ما يعتق ما يرحم» حتى ولو تعلق الأمر بأحد إخوته.
وحسب شهود حضروا في قضية اعتقال أخ عزيز رباح بسبب شيك بدون رصيد قيمته المالية خمسة ملايين سنتيم، فإن أحد إخوة رباح اتصل بهذا الأخير من أجل تأدية مبلغ الشيك لإخراج أخيه من السجن، فرفض رفضا باتا. فما كان من بنعيسى بوعسرية، تاجر المخدرات والكاتب المحلي السابق للحزب بمنطقته والمستشار الذي كان مبحوثا عنه من قبل الشرطة الدولية، إلا أن يقوم بتأدية مبلغ الشيك وتم إطلاق سراح أخ رباح.
وربما من بين الأسباب التي دفعت عزيز رباح لرفض الإفصاح عن قبيلته كونه منبوذا من طرف هذه القبيلة بسبب الأنانية والتكبر اللذين يميزان شخصيته، مما جعل أبناء القبيلة يلقنونه دروسا قاسية كل انتخابات برلمانية وذلك برفض بالتصويت على حزبه رغم نزوله بنفسه لدعم مرشحي العدالة والتنمية.
أما الصعود الصاروخي لرباح في مراتب المسؤولية الحزبية داخل العدالة والتنمية فهذه قصة أخرى تستحق أن تروى. فقد جاء هذا الصعود المريب بعدما ربط «ولد لعواوشة» علاقات مع الراحل عبد الكريم الخطيب، حيث غالبا ما كان يتملق إليه ويتمسح بجلابيبه مقبلا يده مطبقا الحكمة المغربية «تمسكن حتى تمكن»، فزكاه الخطيب رحمه الله ليكون الكاتب العام للشبيبة ثم زكاه في عضوية الأمانة العامة للحزب، وقد ظل رباح يستدعي الخطيب رحمه الله للقاءات جماهيرية لحزبه ويقدم له الهدايا، مما حذا بالدكتور الخطيب إلى تقديمه لمراكز القرار في الرباط وتدخل له لتسهيل مهمته الانتخابية بمنطقة الغرب.
وربما لهذا السبب يروج في كواليس الحزب بالقنيطرة أن بنكيران قال لبعض مناضلي حزبه إنه لم يعين عزيز رباح في الحكومة بل إن تعيينه جاء من جهات معينة.
حياة رباح «ولد العواوشة» مملوءة بالمؤامرات والدسائس حتى مع مناضلي حزبه، فقد شن حملة بواسطة انكشاريته على مخالفي سياسته وعلى الكفاءات التي كان يغار من شهرتها وسمعتها، الأمر الذي دفعه إلى تلفيق تهم العمالة للأجهزة ضد خصومه وطردهم من الحزب حتى يخلو له الجو ويبقى الشخص القوي الوحيد داخل أجهزة الحزب بالغرب.
وقد لقن مناضلو الحزب في المؤتمرين الجهوي والإقليمي الأخيرين درسا لعزيز رباح بعد فشل الموالين له في الظفر بالكتابة الإقليمية والجهوية رغم دعمه العلني لهم، مما شكل صدمة بالنسبة إليه، فحاول دفع أنصاره للطعن في انتخاب الكاتب الاقليمي وشكل هيأة للتحكيم زكت القرار إلا أنه تم رفضه من الأمانة العامة.
نأتي الآن إلى أكاذيب «ولد العواوشة» في ما يتعلق بتسيير المجلس البلدي للقنيطرة، وهي أكاذيب تتعلق بادعائه تطبيق الحكامة وصيانة المال العام من التبذير واقتسام السلطة والفعالية في الإنجاز، وهي كلها شعارات جوفاء سنبين هنا بالدليل مدى تهافتها.
أولا في ما يخص الحكامة، هل من الحكامة في شيء أن يضخ عزيز رباح المليارات من أموال دافعي الضرائب من أجل بناء مجزرة جديدة مع علمه علم اليقين بأن حكومته حررت قطاع المجازر؟
كيف يعقل أن تحرر الدولة قطاعا ما وفي نفس الوقت تظل منافسة له؟
السؤال المحير الذي يطرح نفسه هنا هو كيف سيتعامل القطاع الخاص مع هذه المجزرة الضخمة حين الانتهاء من بنائها، ومن سيلجأ إليها مع تواجد مجازر خاصة ومع حالة التنافي الدستوري؟
أليس هذا تبذيرا للمال العام؟
ونكاد نحدس من هنا إجابة «النكافة» المكلفة بالإجابة مكان رباح، وطبعا فنحن لا نقصد هنا «مرافقة» رباح التي يصحبها في أسفاره، فتلك قصة أخرى، بل نقصد المكلف بإعارة فمه لمضغ الثوم، إذ سيقول إن مشروع بناء المجزرة يدخل ضمن البرنامج الرباعي وهو من دعم المجلس الجهوي والاقليمي والمجلس البلدي والأخير لم يفعل غير إصدار قرار اقتناء الأرض وتدبيرها.
لكن هذا لا يعفي رباح بوصفه رئيس المجلس البلدي من مسؤولية تبذير المال العام.
وبمناسبة الحديث عن تبذير المال العام، ما قول رباح في تحويل أعمدة الإنارة بالملعب البلدي من مكانها مع العلم أن هذا «التحوال» سيكلف ميزانية ضخمة وكان بإمكان رباح تفادي هذه الخسارة لو عمل بنصيحة التقنيين الذين نصحوه قبل تثبيتها أول مرة بالقيام بدراسة تقنية لوضعها في الأمكنة المخصصة لها مرة واحدة وبصفة نهائية؟
مأساة «ولد العواوشة» أنه لا يستمع سوى لما يقوله له «الطانطو ديالو»، ولذلك فقراراته جميعها يتخذها بشكل انفرادي، فهو لا يكاد يمل من إلقاء الخطب حول تفويض السلط، مع أنه في الواقع لم يسبق له أن فوض أي اختصاص لنوابه منذ عين وزيرا على وزارة التجهيز، والتفويض الوحيد الذي منحه أعطاه لنائبه الثالث، وحتى مذكرة تعيين شاوش أو حارس عليها أن تنتظر السيد الوزير للتوقيع عليها.
وعلى ذكر الشاوش، لا أحد يعلم مدى قانونية التمديد للشاوش المتقاعد الذي لا زال يحمل صينية الشاي والماء ليشرب سعادته والأعضاء بقاعة الاجتماعات. هل يعقل أن يوظف الرباح متقاعدا أفنى عمره في خدمة المجالس السابقة؟
ولمعرفة أسباب تعثر مشاريع وزارة التجهيز وتأخر وتيرة تسليمها ما عليكم سوى إلقاء نظرة على مشاريع التجهيز التي أطلقها في القنيطرة التي يرأس بلديتها.
فمشروع قنطرة السكة الحديدية «باساج باب فاس» الذي انطلق في شتنبر 2012 مع إشارة إلى أن مدة المشروع كما هو في دفتر التحملات 12 شهرا، لم ينته إلى حدود اليوم.
وها قد مر على قطع الطريق أكثر من 23 شهرا ولا زالت الأشغال مستمرة في القنطرة ولم ينجز من المشروع سوى 50 في المائة.
فهل عرفتم الآن لماذا تتعثر مشاريع الوزارة، «السيد ما طفروش حتى فمدينتو عاد غادي يطفرو فالبلاد كاملة».
أكاذيب وزير البيصارة لا تنتهي إلا لكي تبدأ. فبالأمس حين كان سعادته في المعارضة كان يصرخ إلى أن تظهر له «ضرسة العقل» ضد الرئيس السابق احتجاجا على تعيينه لعون مصلحة على رأس مصلحة الإنارة العمومية، باعتباره عونا لا إطارا ولكونه موظفا تحوم حوله مجموعة من التهم، كما كان يقول رباح بملء رئتيه. وبمجرد ما أصبح سعادته رئيسا للمجلس البلدي عين الشخص ذاته على رأس المصلحة ذاتها، بل أكثر من ذلك، كرمه ضمن الموظفين النزهاء ووقع له على شهادة تقديرية في حقه لما أسداه خدمة للوطن.
مع أن الجميع في مدينة القنيطرة لا زال يتذكر فضيحة العصابة التي تورطت في سرقة الأسلاك النحاسية مستعملة أدوات ومعدات وسيارة في ملك الجماعة، وقد كان هذا العون ضمن المتهمين الأربعة الذين ألقي عليهم القبض بتهمة بتكوين عصابة، وهو لا زال متابعا في حالة سراح إلى اليوم.
فهل مسؤول ينقلب في الساعة مائة مرة مثل هذا يستحق ثقة الناخبين؟
لقد كنا نعتقد أن ثلاث حلقات مخصصة لوزير البيصارة كافية للإحاطة بكل فضائحه، لكننا اكتشفنا أن لائحة الفضائح التي نكتشف تتوسع كل يوم، لذلك سنعود لولد العواوشة في الأعمدة المقبلة لكي نكشف لسكان القنيطرة وعموم الشعب المغربي من يكون حقيقة عزيز الرفاح، عفوا عزيز الرباح.
ساحة النقاش