http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

 

 

 

لبس قدك يواتيك

 

لكي نفهم حجم الهوة التي تفصل بين الطبقة الغنية والطبقات المتوسطة والمسحوقة في المغرب يكفي أن نتأمل لائحة الصادرات والواردات. فهذه اللائحة تشرح لنا بشكل أفضل ماذا يبيع المغرب وماذا يشتري.
الخلاصة المؤلمة التي سيخرج بها كل من يتأمل هذا الميزان التجاري المختل هي أن الفضل في استمرار وجود صادرات مغربية هو جود وكرم الطبيعة الإلهية، أي تلك الثروة غير المادية التي حبانا الله بها.
فالمغرب يحتل المرتبة الأولى في العالم في تصدير بعض المواد الطبيعية الخام التي لا دخل للعامل البشري في إنتاجها.
وإذا ألقينا نظرة سريعة على لائحة الصادرات المغربية نحو الخارج سنكتشف أن المغرب يحرز المرتبة الأولى عالميا في كثير من المنتجات المغربية الأصيلة، متفوقا على أكبر الدول وأشدها تصنيعا. ومثلا، بسبب الإقبال الكبير على استعمال الصابون البلدي، يوجد المغرب اليوم على رأس الدول المصدرة لهذه المادة بنحو حوالي 260 طنا في السنة، يصدر أغلبها إلى السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وتعود على الخزينة بحوالي مليون درهم سنويا. ولذلك ربما يشتهر المغرب ليس فقط بإنتاجه للصابون البلدي، وإنما أيضا في «الصابوناج»، بمعنى أن الواحد يكون «ما عليه ما بيه» حتى يضعوا له تحت قدمه صابونة فـينزلق عليها ويسقط على رأسه. وهذا ما يسمى عند المغاربة بـ«دارو ليه الصابونة».
والحقيقة أن وزير التجارة الخارجية يجب أن يشعر بالفخر لأن الصابون البلدي المغربي أنقذ وجه الصادرات المغربية التي تعرف منذ سنوات تقلصا ملحوظا في مقابل الواردات التي ارتفعت بشكل صاروخي. فقد أصبحنا مع هذه الحكومة، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، نستورد كل شيء من الخارج.
بالإضافة إلى الصابون البلدي يحتل المغرب الرتبة الأولى عالميا في تصدير الغاسول بحوالي 1800 طن في السنة. والمغرب هو الدولة الوحيدة في العالم التي تتوفر على مناجم للغاسول، وبالضبط في إقليم بولمان، تحتكر استغلالها شركة الغاسول ومشتقاته التي تملكها عائلة الصفريوي منذ 1970. ولعلكم تتذكرون كلكم كيف كانت أمهاتنا يطلين الغاسول فوق رؤوسهن قبل الذهاب إلى الحمام قبل عشرين سنة. وشخصيا ما أتذكره حول الغاسول هو أن جارتنا كانت تتوحم عليه، وكانت تطلب من زوجها أن يأتيها كل يوم بحفنة منه من عند العطار لكي «تغززها» بأسنانها، ولهذا ربما خرج جميع أبنائها يحملون «توحيمات» في لون الغاسول على أجسادهم.
وعلى العموم فقد كان حال جارتنا مع الغاسول أفضل من حال جارتها مع الفاخر. ففي تلك الأزمنة الغابرة كانت النساء يتوحمن على مواد غريبة توجد فقط عند باعة العقاقير، أما اليوم فبسبب الأزمة وبوار سوق الزواج أصبح في حكم النادر أن ترى امرأة حاملا، فبالأحرى أن تسمع بوحمها. 
ومن بين الصادرات الأساسية للمغرب خلال السنوات الأخيرة والتي نعثر عليها مسجلة في قائمة المكتب الوطني للصرف نجد «البابوش» أو «غلالة». ويساهم «البابوش» في خزينة الدولة بنحو 25 مليون درهم في السنة. وهكذا ففي الوقت الذي «يرزي» فيه بعض الوزراء ميزانية الدولة باقتناء سيارات جديدة لهم ولمديريهم، نجد أن «البابوش» الذي يسرح فوق قبور الموتى المغاربة أكثر وطنية من بعضهم.
وفي لائحة الصادرات التي يحتل فيها المغرب المرتبة الأولى عالميا، هناك النعناع. ويصدر منه المغرب حوالي 4634 طنا في السنة، وخصوصا نحو الدول التي يوجد بها عمالنا المقيمون في الخارج. فالمغاربة عندما يهاجرون أول ما يحملونه معهم في حقائبهم هو «البراد»، فهو بطاقة الهوية الحقيقية التي تميز المغربي عن غيره من الأجناس. والمغربي عندما لا يشرب «أتاي بالنعناع» خلال النهار يشعر بالحزن و«يطيح» عليه «الضيم». وكم من مغربي أخذ معه جذور النعناع وحاول زرعها في حديقة بيته في الخارج وفشل. ففي تلك البلدان البعيدة والباردة ليس سهلا أن تعثر على روث البقر والحمير في الشارع لكي تيبسه وتصنع منه «مازير» وترشه فوق حوض النعناع. ليس هناك سوى فضلات الكلاب التي يجبر القانون أصحابها على جمعها في أكياس ورميها في القمامة، وإلا كانوا مجبرين على دفع غرامة للبلدية. وليس مثلنا نحن الذين نسير جنبا إلى جنب في الشوارع مع الكلاب الضالة، وحتى الحمير التي تجر العربات في قلب الدار البيضاء.
وعلى ذكر الحمير، أعزكم الله، يجب أن تعلموا أن المغرب من أهم مصدري الحمير في العالم، وخصوصا نحو فرنسا وإسبانيا. وليس أي حمير من فضلكم، وإنما الحمير «الأصيلية»، يعني «حمار دوريجين». فالحمير عندنا مثلها مثل البشر، هناك الأصيليون وهناك المزيفون. بالإضافة طبعا إلى «الكياضر»، التي لا أحد يطلبها منا في الخارج فتبقى عندنا في الداخل «تزعرط» في الوقت الذي تظل فيه الخيل مربوطة.
وبالمناسبة فالمغرب يتوفر على احتياطي مهم جدا من الحمير، ويبدو والله أعلم أن تصدير الحمير في اتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية معفي من الضرائب الجمركية.  
وحتى لا ننسى بعض المواد الأخرى التي تشكل مفخرة وزارة التجارة الخارجية، عليكم أن تعلموا أن المغرب رائد أيضا في تصدير «الترفاس»، الذي كما تعلمون يفيد كثيرا ذوي الضعف الجنسي، والذي يتعرض بسبب جمعها مواطنو منطقة جبل لعمور بنواحي فكيك على الحدود مع الجزائر لطلقات حرس الحدود الجزائريين. 
ثم هناك كذلك «الحرمل» الذي يصدر منه المغرب الأطنان كل سنة. والذي شكل إلى جانب «الشبة» دواء شعبيا لطالما استعمله المغاربة ضد «الشم» و«العين» و«التابعة» و«الشقيقة» وباقي الأمراض الغريبة التي يعاني منها المغاربة دون غيرهم من الخلق.
ومن بين الثروات الطبيعية الأخرى التي حبا الله بها المغرب هناك «الخروب»، والذي يصدر منه المغرب حوالي 500 طن في السنة، والذي تحتكر عائلة مشهورة في الأطلس استغلاله وتصديره. ومن بين فوائد الخروب أنه يصلح لصنع الشوكولا، كما يصلح كثيرا لعلاج حالات الإسهال الحاد. مثله مثل الهندية التي انطلقت في نواحي الصويرة وتارودانت عملية استغلالها وتصدير زيوتها إلى الخارج.
والمدهش حقا في هذه المنتجات التي يحتل فيها المغرب الرتبة الأولى عالميا أنها منتجات طبيعية لا دخل للمجهود الحكومي فيها. فالفوسفاط تركه لنا أجدادنا الديناصورات، أما السمك فيعيش في البحار دون حاجة لرعاية من طرفنا، والبابوش يكبر ويتكاثر من تلقاء نفسه في المقابر والحقول، والنعناع لا يحتاج سوى لأكوام من «مازير» لكي يكبر ويورق، والغاسول موجود في الأطلس المتوسط منذ خلق الله الأرض، و«الترفاس» يكبر في باطن الأرض من تلقاء نفسه، و«الحرمل» لا شيء أسهل من الحصول عليه، أما الخروب فيكبر وتتدلى أغصانه وثمراته على حافة الوديان والسواقي، أما الحمير فهي في هذه البلاد أكثر من الهم على القلب.
وفي مقابل الريادة المغربية في تصدير المنتجات الطبيعية الخام، نصاب بالدهشة عندما نكتشف أن المغرب يستورد قائمة ضخمة من المواد الباهظة التي تكلف خزينة الدولة ميزانيات من العملة الصعبة.
فعندما ننظر إلى الميزان التجاري نصاب حقيقة بالدهشة عندما نرى كيف أن المغرب، إحدى الدول التي تحتل مؤخرة الترتيب في سلم التنمية عالميا، يعاني من اختلال كبير في ميزان الواردات والصادرات، بسبب ضعف إنتاجه للمواد القابلة للتصدير وتعويله على استيراد أغلب حاجياته الاستهلاكية من الخارج. يعني أن المغرب يستورد ضعف ما يصدره. وبعبارة أخرى، فالمغرب يريد أن يعيش فوق طاقته.
وتكفي إطلالة سريعة على لائحة الواردات المسجلة في مكتب الصرف المغربي لكي نفهم أن هناك طبقة من المغاربة غير معنية بارتفاع أسعار الزيت أو السمك، ولا بتغير طعم الماء في الصنابير، لأنهم يستهلكون منتجات باهظة قادمة من أصقاع العالم البعيدة تكلف الميزان التجاري عجزا إضافيا.
فالمغرب سيتورد نوعا نادرا من الفريز من جزر البارباديس، ويستورد ذيول اللانغوست من بيليز، والتي تساوي مائة كيلو منها عشرين مليون سنتيم. ومن جزر الباهاماس يستورد المغرب مشروب الروم، الذي يأتي لينضاف إلى حوالي 2.700 طن من المشروبات الكحولية القوية التي يستوردها المغرب، منها 1.383 طنا من الويسكي قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
فقيمة هذه الواردات الكحولية تقدر بحوالي 85 مليون درهم. هذا دون أن نتحدث عن الفودكا القادمة من أوربا الشرقية والتي يستورد المغرب منها سنويا حوالي 1.339 طنا، وتكلف الميزان التجاري 42 مليون درهم.
وعندما نتحدث عن الويسكي السكتلندي الرفيع فلا بد أن نتحدث عن السيغار الكوبي الذي يرافقه، ذلك السيغار الذي يحلو لنبيل بنعبد الله الظهور به في الحفلات العامة، والذي يستورد منه المغرب سنويا من أمريكا اللاتينية حوالي 25 طنا بقيمة 30 مليون درهم في السنة الواحدة.
والمغرب لا يستورد فقط المنتجات الباهظة المخصصة للهاي كلاص، وإنما حتى أبسط المنتجات الاستهلاكية الموجهة للطبقات المسحوقة. فحتى «السليبات» القطنية أصبحنا نستوردها من البانغلاديش. أما الولاعات التي نستوردها من الصين فقد وصل حجمها إلى 34 مليون بريكة، أي بريكة لكل مواطن.
وإذا سرنا على هذه الوتيرة فإننا سنستورد قريبا كيس الحمام من إسبانيا، والخرقة من إيطاليا، والكسال ربما سيكون صينيا هذه المرة، يضع في معصمه ساعة مقاومة للماء «مايد إن تشينا» يحصي بها دقائق كل تكسيلة.

 

المصدر: فلاش بريس = رشيد نيني
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 65 مشاهدة
نشرت فى 13 أغسطس 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

279,928