الجلالب والقوالب
أثارت جلابية زوجة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران المزركشة بالزهور، وهي واقفة إلى جانب حرمها في البيت الأبيض مع باراك وميشيل أوباما، الكثير من القيل والقال.
فمن قائل أن ثوب الجلابية يصلح لصنع الكنبات، أي المضارب، أو «المطارب» كما يسميها إخواننا الشماليون. ومن قائل أن ثوب الجلابية يصلح للخوامي.
طبعا فتعليقات الساخرين يمكن أن تكون مؤلمة أحيانا لرئيس الحكومة وحرمه، لكن هذا هو ثمن الشهرة التي يسعى السياسيون نحوها مثلما يسعى النمل المجنح نحو لهيب المصابيح.
وقد ارتبطت الجلابية في المتخيل الجماعي المغربي بالحشمة والوقار، غير أنه ليست كل من ترتدي جلابية هي بالضرورة سيدة عفيفة، فكم من امرأة تلبس تنورة وتجدها أكثر عفة من امرأة ترتدي جلابية، والعكس صحيح. وهذا ما أطلق عليه المغاربة «الجلالب والقوالب».
بعض التعليقات المتعقلة دعت نبيلة زوجة رئيس الحكومة إلى الاقتداء بزوجة رئيس الوزراء التركي التي تحرص على الظهور في المناسبات الرسمية بكامل أناقتها.
أي أن هناك من يريد أن يحول بنكيران وزوجته ووزيراته إلى نسخة شكلية طبق الأصل من حكومة رجب طيب أردوغان. والواقع أن وزيرات العدالة والتنمية المغربي سبقن هذه الدعوة عندما غيرت وزيرة التضامن والأسرة فولارها السوقي بآخر رفيع يحمل ماركة إييف سان لوران.
والحقيقة أن المغاربة لم يصوتوا على حزب بنكيران لكي يتشبه بحزب العدالة والتنمية التركي في الملبس، بل في العمل.
ففي الوقت الذي يغرق بنكيران المغرب في القروض الأجنبية، آخرها قرض من إسبانيا، التي قال بنكيران إن المغرب أحسن حالا منها، بقيمة 5،6 مليون أورو، نرى كيف استطاع حزب العدالة والتنمية التركي أن يحول تركيا من دولة مدينة لصندوق النقد الدولي إلى دائنة له.
صحيح أن مسار أردوغان تركيا وبنكيران المغرب يتشابه في بعض محطاته، فالأول بدأ حياته بائعا للبطيخ والسمسم، والثاني بدأ بائعا للورق ومواد التنظيف. الأول حكم عليه بأربعة أشهر سجنا بسبب خطبة والثاني حكم عليه بثلاثة أشهر بسبب مسيرة، رغم أن الأول قضاها كاملة في السجن، بينما الثاني لم يتجاوز شهرا في الاعتقال. وفي النهاية أصبح الأول رئيسا للوزراء والثاني رئيسا للحكومة باسم حزب يحمل الاسم نفسه والمرجعية نفسها.
ويستطيع رئيس الحكومة عندنا أن يعدد إنجازات حكومته خلال السنتين ونصف التي قضاها في تسيير البلاد، لكن الأرقام عنيدة، كما قال بعظمة لسانه.
والأرقام العنيدة تقول أن نسبة نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2012 لم تتجاوز 7،4 بالمائة، وديون المغرب تجاوزت في عهد حكومة بنكيران 45 مليار دولار.
أما التضخم فقد وصل 9،1 بالمائة بعدما كان في حدود 9،0 سنة 2011. والعجز في الميزانية وصل إلى حدود 40 مليار درهم في 2013.
فما السر يا ترى في تسجيل الاقتصاد التركي بقيادة العدالة والتنمية لكل هذا النمو والتقدم، فيما يسجل الاقتصاد المغربي بقيادة العدالة والتنمية كل هذه التراجعات؟
قبل حوالي أربع سنوات من اكتساح حزب العدالة والتنمية التركي لمقاعد البرلمان وتشكيل حكومة بأغلبية ساحقة سنة 2002، كان أردوغان يقف ليخطب في أنصاره أمام باب السجن الذي كان سيدخل إليه بعدما حكمت عليه المحكمة بالحبس أربعة أشهر بسبب قراءته أمام أنصاره لأبيات من قصيدة الشاعر التركي ضياء كوكالب يقول فيها :
«مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا».
وقبل أن يلج باب السجن أوصى أنصاره قائلا:
«وداعاً أيها الأحباب تهاني القلبية لأهالي إسطنبول وللشعب التركي وللعالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك، سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة والتي ستكون إن شاء الله أعواماً جميلة، سأعمل بجد داخل السجن وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تقدرون عليه، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين وأطباء جيدين وحقوقيين متميزين، أنا ذاهب لتأدية واجبي واذهبوا أنتم أيضاً لتؤدوا واجبكم».
بعد مغادرته للسجن، استطاع أن يخوض انتخابات 2002 إلى جانب الشباب الذين انشقوا عن حزب الفضيلة وأسسوا حزب العدالة والتنمية. ومن السنة الأولى للحكم طبق أردوغان البرنامج الاقتصادي الذي أعده خلال تواجده في السجن، فاستطاع أن ينقل تركيا من حافة الانهيار والإفلاس والإحباط الذي كانت تعيشه سنة 2001 بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر والفساد، إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى حيث أصبحت تركيا ثالث دولة صناعية في أوربا وأصبحت المقاولات وشركات البناء التركية ثاني أقوى الشركات أداء على مستوى العالم، وقفزت الصادرات من 39 مليار دولار عام 2002 إلى 152 مليار دولار عام 2012.
ما هو إذن سر البرنامج الاقتصادي الذي خرج به أردوغان من السجن وطبقه فور وصوله إلى سدة الحكم؟
إنه ببساطة يتلخص في نقطتين، أولا الصرامة في التدبير المالي والموازنة، وثانيا تقوية وضبط قطاع البنوك. وهما بالضبط الورشان اللذان فشل فيهما العدالة والتنمية المغربي.
فإذا كانت خطة العدالة والتنمية التركي قد نجحت في تقوية ثقة المستثمرين في الاقتصاد وخفضت أسعار فوائد القروض في القطاعين الخاص والعام، فإن أرقام العجز والتضخم والتهام ديون الخزينة لأكثر من 8،57 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، تبين بالملموس أن خطة العدالة والتنمية المغربي تسير بالاقتصاد الوطني باتجاه النفق المسدود.
وفي الوقت الذي خفض فيه العدالة والتنمية التركي سعر الدين ونجح في تقليص التهام ديون الخزينة لأكثر من 74 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2002، وأوصلها إلى حدود 40 بالمائة سنة 2008، نرى كيف بدأ حزب العدالة والتنمية سنته الأولى في الحكم بالرفع من دين الخزينة بنسبة 4 بالمائة حيث وصل إلى 8،57 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بسبب اللجوء إلى الاستدانة من البنوك العالمية.
وفي الوقت الذي راقب حزب العدالة والتنمية التركي قطاع البنوك وأحاطه بقوانين تنظيمية صارمة، مما سمح للقطاع البنكي بالتوفر على احتياطي مرتفع من السيولة، وبالتالي ممارسة دوره في إقراض الشركات والمستثمرين والأفراد، نرى كيف كادت تصل نسبة السيولة لدى البنوك في المغرب خلال سنة واحدة عتبة الإفلاس بسبب عدم قدرتها على استخلاص ديونها سواء من الشركات المفلسة أو الأفراد.
وحتى مشروع البنوك الإسلامية عجز بنكيران عن فرضه وإخراجه من فكي مجلس المستشارين، الذي أحاله على المجلس الاقتصادي والاجتماعي لإبداء الرأي فيه رغم مروره بسلام من الغرفة الأولى للمجلس.
إن أول تحد نجح في رفعه حزب العدالة والتنمية التركي هو المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين والرفع من الاستهلاك الداخلي، الشيء الذي خلق نموا وبالتالي مناصب شغل.
أما عندنا فأول شيء بدأت به الحكومة هو اللجوء إلى الرفع من أسعار المحروقات، مما انعكس على قطاع النقل واللوجيستيك، وتسبب بالتالي في الرفع من أسعار كل المواد الأساسية.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه المقاولات التركية تغزو العالم، بما فيها المغرب، بدأنا نرى كيف تعلن الشركات المغربية الكبرى عدم قدرتها على الوفاء بديونها، ومنها شركات متوسطة تشتغل مع مؤسسات عمومية مثل المكتب الوطني للكهرباء أصبح مسيروها مهددين بالسجن بسبب عدم الحصول على مستحقاتهم.
وفي الوقت الذي يجد فيه أردوغان يوميا فوق مكتبه تقارير حول ارتفاع أداء الشركات التركية على الصعيد العالمي، يجد بنكيران فوق مكتبه ملفات شركات كبرى تطلب مساعدة الدولة لكي لا تفلس وتتسبب في طرد مئات العمال إلى الشارع.
لقد أدى تحرير أردوغان للاقتصاد إلى خلق طبقة منظمة من رجال الأعمال الأقوياء والمتدينين من وسط الطبقة البورجوازية. فيما ربح بنكيران عداء رجال الأعمال الذين أعلن بعضهم حربا سرية عليه بسبب انعدام أجواء الثقة بين طبقة البورجوازيين والإسلاميين حديثي العهد بالسلطة.
كما أن تخفيض أردوغان لأسعار الهاتف والإنترنيت ووسائل الاتصال الحديثة، فضلا عن تقوية شبكة النقل ساهم في نقل التكنولوجيا والرفاه الاقتصادي نحو كل أطراف البلاد.
أما عندنا فلازلنا بين الدول الأغلى من حيث سعر الهاتف ووسائل الاتصال الحديثة، أما شبكات الطرق فلازالت تقسم المغرب إلى مغرب نافع وآخر غير نافع. مما يكرس توريث الفقر والتهميش في أكثر من نصف البلاد.
حزب العدالة والتنمية التركي بدأ أولى تحدياته بترؤس أردوغان لبلدية إسطنبول، فنجح في دفع ديونها وأنقذها من القمامة التي كانت غارقة فيها وحولها إلى قبلة سياحية عالمية.
في المغرب المجالس البلدية الوحيدة التي ترأسها العدالة والتنمية انتهى رؤساؤها متابعين أمام القضاء بتهم الفساد، كبلكورة رئيس المجلس البلدي السابق لمكناس، ورئيس بلدية ميدلت الذي ظهر في شريط يتلقى رشوة وطرده الحزب. أما رئيس بلدية القنيطرة الوزير عزيز الرباح فلم ينجز أية «معجزة» أخرى في الإقليم غير ذلك الغبار الأسود الذي يغلف سماء المدينة والذي عجز الجميع عن فهم مصدره.
ولعل أكبر المعارك التي ربحها حزب العدالة والتنمية التركي هي معركة الحريات، فقد سمح بالتعددية وأطلق الحريات واعترف بحقوق الأقليات.
فيما حزب العدالة والتنمية المغربي لازال منشغلا بلقطات القبل في الأفلام وعروض القفطان، ومطالبة وزارة الأوقاف بفرض رقابتها على التلفزيون والسينما وغير ذلك من الإشكالات الأخلاقية التي لا تخلق شغلا ولا نموا اقتصاديا ولا تدفع تضخما ولا تجلب استثمارا.
لهذه الأسباب فمن يريد تقليد العدالة والتنمية التركي فعليه أن يقلده في العمل، أما اللباس فكلها يلبس كي بغا.
ساحة النقاش