إقبال إلهامي
كاتبة و صحفية
خليفة المسلمين المجهول
مشاهد قطع الرؤوس واستخراج الأحشاء والعبث بالجثث والإعدامات المباشرة على هواء الإنترنت، لم تؤثر في ما يبدو في «شعبية» تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، الذي يزحف ميدانيا مروضا الأرض والإنسان، حتى دنت له دولة الخلافة الإسلامية وهز أميرها أبو بكر البغدادي عروش الملكيات والجمهوريات في منطقة الخليج التي بدأت تعيد حساباتها، بعدما ظلت تشكل السند المالي والسياسي لتلك التنظيمات منذ تفجر الربيع العربي دماء في البلاد العربية.
سيبايع كثيرون في العلن خليفة المسلمين الجديد، رغم أنهم لم يشاهدوه من قبل ولا تعرفوا عليه، لكنهم سمعوا صوته وقد ناداهم لهجرة ثانية إلى إمارته، بعدما اعتقدوا أن زمن الهجرة ولى مع الرسول الكريم، وسيبايعه آخرون في السر نكاية في من باع العراق، وجعل رئيسه يعدم في ثاني أعياد المسلمين عيد الأضحى، حين أوقف حبل المشنقة الملفوف على صدام حسين شهية الملايين في يوم لا ينسى.
وبين المبايعين سرا أو علنا، هناك الرافضون قطعا للتنظيم ودولته الإسلامية، وهم الشيعة والأكراد، الموزعة ولاءاتهم خارج نطاق الوطن الواحد. لذلك ترفض الولايات المتحدة توجيه ضربات جوية لكسر شوكة «الدولة الإسلامية»، فهي لا تريد الغرق في المستنقع الطائفي، كما أنها تتوفر على مراقبين في الميدان يؤكدون لها سيطرة «داعش» على مناطق بأكملها شمال غرب وشرق العراق، في حين لم تعد حكومة نوري المالكي ذات الامتداد الشيعي، تبسط نفوذها سوى على العاصمة بغداد وبعض مناطق الجنوب، فيما يسيطر الأكراد على شمال شرق البلاد، وأقصى ما يمكن للولايات المتحدة أن تضغط للوصول إليه بمساعدة كبار المنطقة، السعودية وإيران، هو توافق مرحلي ظاهره حكومة وحدة وطنية وباطنه لا يخرج عن تفكك العراق بين السنة والشيعة والأكراد.
لكن المالكي الذي فشل على مدى السنوات الثمان الماضية، في توحيد الطوائف الثلاث تحت مظلة الوحدة الوطنية، حين كانت تحرسه عيون أمريكا، سيصعب عليه فعل ذلك، في وقت يوسع فيه زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» حدود «دولة الخلافة»، قاضما أجزاء إضافية من العراق وسوريا، تحت سمع وبصر الأمريكيين الذين يعرفون جيدا من يكون أبو بكر البغدادي وهم الذين اعتقلوه في سجن «بوكا» الذي أقامته الولايات المتحدة في محيط أم قصر في العراق، وأطلقت عليه اسم أحد جنودها رونالد بوكا، الذي لقي حتفه في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وكان هذا السجن يضم أيضا معتقلين تم ترحيلهم من سجن أبوغريب، بعد فضائح تعذيب السجناء العراقيين، بينهم زعيم «داعش» الذي أفرجت عنه القوات الأمريكية بعد أربع سنوات من الاعتقال، لتعود واشنطن وتضعه على قائمة المطلوبين وترصد لرأسه 10 ملايين دولار. ولم ينتبه الضباط الأمريكيون الذين أطلقوا سراح البغدادي حين قال لهم مودعا «أراكم في نيويورك».
ومنذ الإفراج عنه، والبغدادي الذي كان إمام مسجد في سامراء عند الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، يتدرج في سلم القاعدة مسؤولا عن كافة أنشطتها العسكرية التي استهدفت مناطق مختلفة من العراق، بعمليات انتحارية دامية تضاعف عددها بعد الإعلان عن مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن ليصبح في عام 2010 زعيما للتنظيم في العراق، قبل أن يعلن عن «دولة الإسلام» ويستعرض جيشه ويضع الأختام لإمارته ويحدد ميزانيتها، ويصدر عفوا عن مائة معتقل سعيا وراء تكريس شرعية حكمه.
والمثير ليس هو تقدم البغدادي وزحف مقاتليه بعد هروب القوات النظامية العراقية، وإنما التراجع المذهل للغرب. والواقع أن العراق يحصد نتائج سياسة غربية متناقضة، فحين غزا صدام حسين الكويت تجمع ضده تحالف دولي انتهى بدحر نظامه، بينما غزت وسيطرت «دولة الإسلام» على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، ولم يظهر أثر لذلك التحالف الدولي، ولما أعلن صدام حسين شطب دولة الكويت من الوجود، حاربه العالم. لكن لما أعلن البغدادي عن قيام دولة جديدة بحدود تنطلق من سوريا والعراق، وتتمدد بحسب الخريطة التي نشرها تنظيمه من خراسان إلى الأندلس، خرست الألسن والصواريخ.
لن ننتظر أجوبة، فكل ما يحدث لا يعدو كونه عناوين لمسلسل الشرق الأوسط الجديد الذي رسم معالمه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، وتراقب الإدارة الأمريكية الحالية مدى تنفيذه على أرض الواقع العربي.
ساحة النقاش