هاجر أعليلة
صحفية
اللهم إنّي صائم ..
في رمضان فقط .. تكثر جملة «اللهم إنّي صائم»، وكأنّ الصوم بطاقة حمراء وباقي أشهر السنة تمنحنا بطاقة بيضاء لنتلفّظ بــما شئنا من ألفاظ ونتورّط في ما نريد من أغلاط ..
في رمضان فقط.. يمضون أكثر من 15 ساعة صائمين ويمضون اليوم كله يشتهون ويُفطرون فيُفرطون ويـتـسـحّـرون فيكدّسون جيوبهم المعدية كما لو أنّهم لسبات طويل يتجهّزون ..
في رمضان فقط.. تستطيع أن تحصل من أيّ كان على مـواقـيـت الآذان.. وتسأل عن مـيـعاد أذان صلاة الفجر والمغرب، فتحصل على التوقيت بالدقيقة والثانية.. وينتهي رمضان فلا تجد التوقيت مضبوطا إلا في حصة أوقات الصلاة التي تصدرها دار المطبوعات.
في رمضان فقط.. يزداد عدد المستاءين صباحا وعدد النّائمين عصرا والمتخمين مساء والساهرين ليلا ..
في رمضان فقط.. يقرؤون القرآن ويتسابقون على ختمه أكثر من مرّة، وينتهي رمضان فيصير من جديد ديكــــورا في المكتبة أو أداة تصديق على قسم،إلى أن يأتي موسم الحفلات التنكرية لحمله من جديد والتسابق على من يختمه أكثر من مرّة للحصول على تأشيرة المؤمن المخضرم ..
في رمضان فقط.. يمتليء«الفايسبوك» بالوُعّاظ والناصحين، ويكفّرونك إن لم تنشر دعاء أو لم تسجّل إعجابا على منشور دينيّ..
في رمضان فقط.. تصير للذهاب إلى المسجد بلباس تقليدي قدسية كتلك التي تصبغ الحضور في الأعــــراس والمناسبات العائلية، فتحرص النساء على أغطية رأس تحترم أناقة جلابيبهن ولا يغفل الرجال بلغة وقبعة ترافق جلبابهم..في رمضان فقط تستطيع أن تصادف عارضي أزياء محتشمين !
في رمضان فقط..تستقبلنا شاشاتنا الغبية بمسلسلات وإشهارات وأفلام رديئة وترفع ضغطنا بجملتها الشهيرة«رمضان يجمعنا».. فهل يجمعنا رمضان لنتجمّد أمام شاشة التلفاز لنتبلّد بإنـتـاجـاتـهــا المشوّهة ولنزيد حرقتنا المعدية ببعض الأحماض البصرية، أم لنمنح أرواحنا إجازة روحانية تغسل أوساخنا وتمهّد المسافة بيننا وبين مواصفات المسلم الــحــقـّـة؟ فــي رمضان فقط.. يصابون بشره مرضي أقرب للــبــولـيميا، يتسوّقون بشراسة، يشترون الحلو والمالح وأنواع اللحوم وعصائر بالحليب وأخرى بالبرتقال.. ويملؤون المخبزات بطوابيرهم الطويلة ويتجهّزون لموعد الإفطار كما كانت تتجهّز قريش لرحلة الشتاء والصيف ..
في رمضان فقط.. يكون التّبرج والتدخين والاستماع إلى الأغاني نهارا حراما،وفي ليله يصير السّهر والسّمر في المقاهي والعلب الليلية حلالا، و في فجره يكون تجديد التوبة وعقد النية من جديد واجبا وملاذا ..
وفي الختم..، بعد رمضان فقط ستعرف من أحيى رمضان حقّا ومن يستحق جائزة «الأوسكار» عن دور الحرباء فعلا !
ساحة النقاش