علي والأربعين حرامي
هكذا فجأة أصبح علي الفاسي الفهري «شوشو» رئيس الحكومة يدافع عنه في وجه كل من يطالب بمحاسبته على عجز المكتب الوطني للماء والكهرباء والوضعية المفلسة التي انتهى إليها المكتب على عهده.
فقد قال بنكيران أمام المستشارين في الغرفة الثانية متحدثا عن «علي» في الجلسة الشهرية أن «الرجل خدام». وبنكيران معه حق، فالرجل فعلا خدام، «خدام كايغرق الشقف للمكتب».
ويحق للمتتبع لمستويات الخطاب عند رئيس الحكومة أن يتساءل عن سبب تغييره للهجته في الأيام الأخيرة، فقبل أشهر كان يتدروش ويقول إنه جاء فقط «باش يعاون» وأنهم «على نية الله» ولا يريدون سوى الإصلاح ما استطاعوا، شاكيا باكيا من تعدي الداخلية عليه وعلى حزبه الذي منع نشاطه في طنجة.
واليوم شرب بنكيران حليب السباع وأصبح يقول إنه هو رئيس وزير الداخلية وكل من سيتدخل من العمال والولاة لصالح الحزب المعلوم فإن مصيره سيكون هو السجن.
ولم يمض يوم واحد على إشهار بنكيران لسيفه في وجه وزير الداخلية وتذكيره بأنه رئيسه المباشر الذي يجب أن يأتمر بأوامره، وكأنه كان غير متأكد من ذلك في ما قبل رغم أن الدستور أعطاه هذا الصلاحية، حتى قال في مجلس المستشارين إنه هو من رشح علي الفاسي الفهري للملك للبقاء في منصبه.
وليس رئيس الحكومة هو المحامي الوحيد لعلي الفهري، بل لقد سبقه «عماره» الوزير المتبرم الوصي على القطاع، الذي حمل وزارة الداخلية في حوار صحافي مسؤولية تأخر أداء فواتير المؤسسات التابعة لها للمكتب الوطني للماء والكهرباء، وهدد باللجوء إلى القضاء ضد الداخلية لدفعها للأداء.
عبد القادر عمارة، وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، يعتقد بدوره أن مسؤولية إفلاس المكتب الوطني للماء والكهرباء لا يتحملها علي الفاسي الفهري. وبالنسبة إلى معالي الوزير فأزمة المكتب تعود لسببين لا ثالث لهما، أولا قرارات سياسية لم تؤخذ دائما في الوقت المناسب، ويقصد الوزير التخفيض الذي أقره المكتب في الفواتير بسبب موجة الربيع العربي التي أخرجت مئات الآلاف من المغاربة للاحتجاج على غلاء الفواتير.
وثانيا الخدمات العمومية التي يقدمها المكتب والتي لا تتناسب مع منطق السوق.
بعبارة أخرى فالسيد الوزير يؤاخذ الدولة على استجابتها لمطالب الشعب بخفض الفواتير في فترة ملتهبة من تاريخ المغرب، كما يؤاخذ المكتب على استمراره في تقديم خدمات عمومية، خصوصا في العالم القروي، بأسعار أقل من الأسعار المعمول بها في السوق.
وحسب ما يروج في الكواليس فإن التوجه العام يسير في اتجاه سحب المكتب الوطني للماء والكهرباء من الانتاج. بمعنى آخر إفساح السوق أمام «باعة» آخرين خواص يستطيعون بيع المغاربة الطاقة البديلة المستخرجة من الريح والشمس. «باعو كلشي وما بقا ليهم غير الريح حتى هوا يبيعوه».
وقبل أن نصل إلى هذا الوضع، دعونا ندقق قليلا النظر في ما يعيشه مكتب علي الفهري.
ففي الواقع إن ما تعيشه هذه المؤسسة العمومية منذ سنوات من نهب واختلاس هو ما أدى إلى إفلاسها، فكيف يمكن لمدير عمل سنوات كمسؤول عن قطاع كرة القدم أن يدبر مؤسسة تصرف مليارات من الدراهم، ظل غائبا عنها طيلة الوقت، وبسبب تكوينه الذي لا علاقة له بالتسيير والذي يجعله يوقع على كل ما يوضع أمامه.
ولعلم بنكيران فإن تقرير وزارة المالية حول مديونية مكتب الكهرباء والماء يتكلم عن ديون بقيمة 53 مليار درهم حسب ما هو مدون في تقرير المؤسسات العمومية المضاف إلى ميزانية الدولة لسنة 2014، أما الحكومة فتتكلم عن ديون بقيمة 70 مليار درهم، وهو ما يعني أن واحدا من الاثنين إما أنه يكذب أو ليست لديه الأرقام المضبوطة .وفي كلتا الحالتين فهذه مصيبة.
لقد حصل المكتب الوطني للماء والكهرباء خلال السنوات الأخيرة على قروض عديدة، وهذا مثبت في الحسابات السنوية لهذه المؤسسات الدولية كالبنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي والبنك الألماني للتنمية وأيضا الصندوق الكويتي والصندوق العربي للتنمية بالكويت.
كما أن هناك أيضا قروضا أخرى حصل عليها مكتب الماء والكهرباء من صناديق سعودية وإماراتية والبنك الأوربي للاستثمار.
نتحدث عن هذه القروض لأننا نعرف أن المكتب الوطني للكهرباء يبرم الصفقات العمومية مع الشركات الخواص في إطار نشر الكهرباء في العالم القروي بعد أن يتم اقتراض مبلغ الصفقة من أبناك دولية، مثل البنك الإفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية، وعندما تحسم الصفقة يتم إرسال الفواتير إلى البنوك لكي يتم سحب المال على أساس أن الشركات تتقاضى أموالها، لكن الذي يحدث هو أن أموال هذه الشركات تذهب للإنفاق على الفيول.
وعندما تطالب هذه الشركات بديونها يتم إحالتها إلى البنوك المغربية كي تقترض منها بنسب فائدة كبيرة، هكذا أصبحت البنوك هي المستفيد الحقيقي من الأزمة، مع أن البنوك الدولية لا علم لها بالجهة التي تم تحويل القروض إليها.
وحتى يأخذ السيد بنكيران محامي علي الفاسي الفهري نظرة موجزة عن القروض التي تسلمها المكتب الوطني للماء والكهرباء ليسمح لنا أن نضع بين يديه هذه الأرقام.
لقد منح البنك الإفريقي للتنمية قروضا للمكتب الوطني للماء والكهرباء بقيمة حوالي 17 مليار درهم بين 2005 و2011. أما البنك الدولي فقد منح ما مجموعه 502 مليون دولار ما بين 1990 و2010. وفي ما يخص البنك الدولي، فقد منح ما مجموعه 450 مليون دولار ما بين 1990 و2010.
وبالنسبة إلى صندوق الكويت للتنمية فقد منح 84 مليون دينار كويتي، ومنح صندوق الطاقة الكويتي 42 مليون دينار كويتي.
أما الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي فقد منح 84 مليون دينار كويتي.
المؤسسة الألمانية للقروض منحت ما مجموعه 380 مليون أورو منذ 1996 وإلى 2008.
المؤسسة الألمانية للقروض الخاصة بالطاقة الهوائية منحت ما مجموعه 263 مليون أورو ما بين 1997 و2004 و2006.
أما قروض البنك الإفريقي للتنمية (BAD) للمكتب فيمكن أن نجملها كالتالي:
سنة 2012 منح المكتب سبعة ملايير درهم، وسنة 2009 تسلم المكتب قرضا بقيمة مليار درهم و100 مليون.
سنة 2008 تسلم قرضا قيمته 84،33 مليون أورو و34،53 مليون دولار (97 مليون دولار) لتمويل المشروع العاشر للتزويد بالماء الصالح للشرب في المغرب.
سنة 2005 تسلم المكتب قرضا بقيمة 430 مليون أورو، أي ما يعادل 4،6 ملايير سنتيم.
سنة 2011 تسلم المكتب حوالي 39،3 مليار درهم، دون أي إشارة إلى المشروع الذي يتطلب هذا القرض. أما القروض التي منحها البنك الدولي لمكتب علي الفاسي الفهري سنة 2010 وحدها فتصل إلى، «وحزم سروالك مزيان أسي بنكيران»، 1396 مليون دولار.
أما البنك الألماني للإنماء (KFW) فقد منح المكتب الوطني للماء والكهرباء 517 مليون درهم ما بين 1995 و2008.
فيما قروض الصندوق الكويتي للمكتب ما بين 1997 و2007 تجاوزت 257 مليون درهم.
ومجموع القروض الممنوحة للمكتب من طرف الصندوق الكويتي للتنمية ما بين 1990 و 2014 هو 8،387 مليون دينار كويتي.
نحن لا نطلب من رئيس الحكومة أن يحاكم علي الفاسي الفهري بسبب وضعية الإفلاس التي انتهى إليها المكتب، لعلمنا أن السيد علي ليس المسؤول وحده فقبله كان إدريس بنهيمة الذي باع محطة الجرف الأصفر للأمريكيين والذين أعادوا بيعها للإماراتيين، وكلا المديرين أبلى البلاء «الحسن» في ميزانيات المكتب.
بل إن كل ما نطلب من رئيس الحكومة هو أن يتكرم معاليه ويشرح لدافعي الضرائب الذين صوتوا عليه كيف صرف السيد علي والسيد بنهيمة أموال كل هذه القروض، وهل تم إنجاز كل المشاريع التي كانت هذه الأموال مرصودة لها.
ففي نهاية المطاف هذه القروض الثقيلة سيؤديها المغاربة من جيوبهم، ولذلك فمن حقهم أن يعرفوا أين ذهبت هذه القروض.
«أسيدي جاوبنا غير على هادي والله يسامح فالشي لاخر».
ساحة النقاش