كاتبة و صحفية
لوائح للنشر
في الوقت الذي قفز فيه سعر المتر المربع إلى ما فوق المليونين في الرباط وغيرها من المدن الكبرى، فاجأت الحكومة الجميع ببيعها شققا تقع في ملك الدولة لساكنيها بـ150 درهم للمتر المربع. وهو ما جعل كثيرين يتساءلون عن سر هذا التخفيض الصاروخي الذي يرتقب أن يستفيد منه نحو مائتي ألف شخص. وقد صادقت الحكومة على هذا القرار في اجتماعها الأسبوعي الخميس الماضي معللة عملية البيع التي تشمل نحو 40 ألف عقار بكون تلك البيوت والمحلات التجارية «لأن هناك أيضا محلات تجارية مشمولة بقرار البيع» قديمة تعود للخمسينات والستينيات وتوجد في أحياء شعبية بالرباط والدار البيضاء على وجه الخصوص. مع أنه توجد بنايات مماثلة بمختلف أنحاء الرباط والدار البيضاء لا يقل سعر المتر المربع فيها عن مليون سنتيم في أحسن الأحوال.
وإذا كان المقصود هو الفئات المعدومة، فالأمر يبقى مرحبا به، لكن المشكل أن القرار ينسحب أيضا على محتلي تلك الشقق والمحلات التجارية من الموظفين الذين تتجاوز سلاليمهم الأحد عشر، بما يعني أن قدرتهم الشرائية معتبرة مقارنة بالفئات الأقل هشاشة. والمريب أن هذا المرسوم تم تمريره بسرعة ودون أي نقاش في البرلمان بما يصون شفافية العملية وعدم جعلها محور حملة انتخابية سابقة لأوانها.خصوصا أن السعر المقترح لا وجود له إطلاقا لا في المدن ولا في القرى ولا حتى في الجبال النائية.
لذلك من المطلوب أن تنشر الحكومة لوائح المستفيدين من عملية البيع تحقيقا للشفافية وحتى لا تتم مقايضة الأسعار بالأصوات. فمائتا ألف مشتري تعني مائتي ألف صوت لا يعرف كيف حدد وزير المال والاقتصاد محمد بوسعيد الذي اقترح المرسوم أهلية استفادتهم ولا السعر المحدد للبيع، والذي قدرته الحكومة بين 150 درهم للشقق و900 درهم للمحلات التجارية.
وفي مقابل السرعة في تنفيذ قرارات الزيادة في الأسعار والمحروقات والماء والكهرباء، أبدت الحكومة مرونة غير معهودة بإمهال المستفيدين عامين لأداء ما بذمتهم. وهي مرونة لم يظهر لها أثر في التعاطي مع الطبقة المتوسطة التي تسعى لامتلاك سكن حيث تواجه شروطا تعجيزية مع الغلاء الفاحش في الأسعار.
لذلك لا ضير من العودة لسنة النشر لرفع الغطاء عن طبيعة المستفيدين، رغم أن الحكومة لم تعد تظهر نفس الحماس في نشر اللوائح كما فعلت في بداية عهدها، حين نشرت لوائح المستفيدين من أذونات النقل «لكريمات» ولوائح مستغلي مقالع الرمال بالإضافة إلى لوائح المستفيدين من السكن الوظيفي. وإذا كان الوزراء ناشرو تلك اللوائح برروا التوقف عن النشر بالسجال المرافق لتعميمها والردود العنيفة للمعنيين، بيد أن ذلك التوقف الاضطراري أملته اعتبارات تبدو خارج سياق ضغوط المنشورة أسماؤهم والذي جسده الحذر من الاقتراب من لوائح الكبار من مالكي رخص الصيد في أعالي البحار والمحتلين للملك البحري المترامي على شواطئ البحر والذين حولوا بعض إقامتهم إلى قصور رغم أنهم لا يملكون حق البناء فوق بقع تعتبر في ملك الدولة بالإضافة إلى أن الحكومة لم تسع في أي وقت من الأوقات لوضع يدها على الشقق والفيلات الفخمة التي تدر على أصحابها الملايين دون أن تستفيد خزينة الدولة من فلس واحد.
واللافت أنه في الوقت الذي تشكو فيه الحكومة من فراغ خزائنها،وتلجأ إلى إثقال كاهل المواطنين بزيادات متتالية،تغض الطرف عما يمكن أن تجنيه من الضرائب المستحقة عن السكن البحري الذي تصل سومة كرائه إلى 3000 درهم لليوم الواحد في شواطئ مثل الصخيرات تتم بعلم الجميع إلا مديرية الضرائب. بحيث تتم عمليات الكراء خارج أي غطاء قانوني يحمي المكتري المصطاف وحقوق الدولة في استخلاص واجباتها.
ولا يعرف لماذا لا تنفتح شهية الحكومة على الملك البحري رغم أنها تعلم أن ثمة شططا كبيرا في استغلال مساحات مقدرة خارج أي تحفيظ أو تملك للأرض. مما سمح ببناء إقامات عشوائية تأخذ للمرة الأولى طابع القصور والإقامات الفخمة التي تلتهم أحيانا من الشارع العام دون خوف أو احتساب لرد فعل السلطة بما يعني أن أصحابها موقنون أنهم خارج أي مساءلة قانونية.
ساحة النقاش