فلاش بريس
كاتبة و صحفية
ويكليكس قطر الكروي
فجأة، وجدت قطر نفسها تواجه الأضواء الكاشفة للإعلام والمراسلين والمحققين، بعدما ظـلـت على مـدى سنـوات السائل الوحيد عبر ذراعها الإعلامية القوية «الجزيرة». كان القادة يهابون القناة الأكثر شعبية وكان مراسلوها خصوما لأوطانهم، لكن الربيـــع العربي قلب موازين القوى بشكل غير متوقع. وبعدما حملت قناة «الجزيرة» قطر إلى العالمية، مـحـقـقـة حلـم العـرب باستضـافـة كأس العالم وسط تصفيقات الكبار، ها هي الإمارة الخليجية الأصغر تواجه اتهامات ثقيلة بالفساد لم يفد النفي سوى في تأجيجهـا.
أنهى المحققون عملهم بعد النبش طويلا في ما يمكن وصفه بالإكرامية الأكبر في تاريخ كرة القدم استنادا لـتـقـاريـر الـصـحـافــة البريطانية. وبينما قالت «صنداي تايمز» إنها تتوفر على ملايين الوثائق السرية حول دفع قطر رشاوى بملايين الدولارات للفـوز بتنظيم كأس العالم لعام 2022، كشفت «ديلي تلغراف» أن اللاعب الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القــــدم اجتمع بالقطري بن همام الذي كان مشرفا على ملف المونديال ببلاده في حفل إفطار شهرا قبل حفل التصويت بزيورخ السويسرية، أعقبــه عشاء بين الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
الحلقة تبدو مكتملة وصكوك الاتهام جاهزة ورئيس غرفة التحقيق في لجنة الأخلاق بالفيفا يملك بين يديه نتائج التحريات التـــــي سيعلن عنها بعد ختام مونديال البرازيل منتصف الشهر المقبل. بمعنى أن الفيفا تعلم الآن كل شـــيء أو تقريبـــا بعد فحـص الأدلة المتاحة لديها بما فيها ملايين الرسائل الإلكترونية التي قد تفوح منها رائحة المال القطري.
وحتى قبل أن تنتهي التحقيقات، ظهر المستضيفون المحتملون لمونديال قطر، وعلى رأسهم بريطانيا وأستراليـــا وهما تشاركان بقوة في التحقيقات التي تقول أشياء كثيرة حول «فساد» اللعبة الكروية، وتحمل اتهامات ثقيلة لرئيس الاتحاد الأسيــــوي السابق بن همام بدفع رشاوى لرؤساء ٣٠ اتحادا إفريقيا لكرة القدم.
كم هي قيمة تلك الرشاوي مجتمعة؟ التحقيق سيجيب، لكنها لن تصل بكل تأكيد للأرقام الفلكية التي تعهدت قطر بصرفها علـــــــى المونديال «المعلق» والمقدرة بنحو 200 مليار دولار. وهو مبلغ كافي لاجتثاث الدول العربية المعدومة من الفقــــر والجهل وسد الأفواه الجائعة.
بدأت ضغوط سحب المونديال من قطر بسيطة، حيث ارتبطت بدرجات الحرارة المرتفعة لتقفز إلى انتهاكات حقوق العمال الأسيويين، قبــل أن تصعد الفيفا والإعلام الدولي من لهجتهم بإخراج وكليكس قطر الكروي والتلويح بملايين البيانات والرسائل حول تحويــــــلات مفترضة للأموال. ورغم أن الدوحة سعت لهزم الحرارة بجلب ملاعب مكيفة وعدلت قوانين العمال وأقالت بن همام، إلا أن الآلـــة الإعلامية كانت قد تحركت.
فما الذي حدث حتى تراجع الدعم الدولي لقطر وأصبحت محور اتهامات ثقيلة بعدما كانت مدللة الغرب .
ظاهريا يبدو الصراع حول شفافية الاقتراع لاستضافة اللعبة الأكثر شعبية في العالم، لكن الخلاف في عمقه سياسي. الـفـيـفا تعلم ذلك كما قطر والدول التي يسيل لعابها لانتزاع مونديال 2022. لذلك قالت الدوحة إنها لن تستأنف قرار الطعن في اسـتـضـافـتـهــا للمونديال.
أبعد من اللعبة الكروية، ثمة لعبة سياسية أكبر تعرف قطر أنها لم تعد طرفا رئيسيا فيها كما كانت، وأن دورهــا الـمـحــوري الذي أجج الانتفاضات العربية أصبح محل ريبة بعدما حول المال الخليجي الحلم بالتغيير لكابوس أسـقـط آمــال الـشـعـوب فـي مـسـتنقع السلاح، وأيقظ الغرب على دوي تفجيرات انتحارية ينفذها أبناؤه. وليس «أبو هريرة» الذي فـجـر شاحنـة تحمـل سبعة عشر طـنا من المتفجرات، الأمريكي الوحيد الذي يقاتل ضد نظام بشار الأسد، بل معه نحو مائة آخرين تخشى واشنطن أن يعودوا لاستنساخ 11 سبتمبر جديد فوق أراضيها. ومخاوفها تنسحب بنفس القدر على بريطانيا التي انطلقت منها الاتهامات.
لذلك، حين رفع الغطاء الخليجي عن الدوحة،كان واضحا أن الغطاء الدولي سيتبع. وما حدث في مصر ويحضر له في ليبيا عنوان واضح على تراجع الدور القطري.
لكن لماذا لا تواجه الدوحة بنفس حزم الأمس؟. ببساطة لأنها منشغلة بتأمين انتقال السلطة بعد تنازل الأمـيـر الأب لابـنـه استباقـا لأي ارتدادات في البيت الداخلي وأي تحركات في الجوار الخليجي. ولاحظنا كيف أن الأمير الشاب لم يجد بـــدَا من تـهنئة الرئيس الجديد لمصر المشير عبد الفتاح السيسي ليس اقتناعا ولكن تفاديا للعزلة. لكن الأشواط النهائية للعبة لم تنته، سـواء فـي شـقـها السياسي أو الرياضي. على أن صفارة الحكم ستسدل الستار بعد مونديال البرازيل عن حدود تدخل السياسة في الكرة.
ساحة النقاش