جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حكيم عنكر
ابن بطوطة يصرخ من رمسه
العدد : 2350 - 16/04/2014
حادث اندلاع النيران في قبر الرحالة المغربي الكبير ابن بطوطة ووشوك اللهب على الإتيان على مدفنه في طنجة، يكشف عن الحالة المزرية التي أصبحت عليها الكثير من مدافن المشاهير والعلماء والأعلام في الثقافة والفكر ممن أضرحتهم مترامية في أطراف البلاد.
وهذه الحادثة ليست هي الأولى والأخيرة، التي تمس رموزا كبيرة أو مآثر تاريخية، فحوادث الاعتداء، سواء كانت مدبرة بليل أو عارضة ومعزولة، لا تنفك تكشف عن مستوى الوعي الحضاري للقائم على حماية هذه المرافق، التي تحولت بفضل السياحة عند من يتقن صناعتها إلى مجال للربح والتنمية، وإلى واجهة من واجهات استعراض العراقة.
ففي بلدان أخرى، يبذلون جهدا كبيرا من أجل النبش في دفاتر وسجلات الماضي، لعلهم يعثرون على اسم ينفض عنه غبار النسيان، ويخرج إلى الوجود مرة أخرى في احتفاليات كبيرة، تقدم الوجه الرمزي المشرق للبلاد وتعكس مدى مساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية.
قبل يوم احتفل محرك البحث غوغل بالمفكر والفيلسوف العقلاني الأندلسي ابن رشد، الرجل الذي دفع قدما بالعقل العربي إلى آفاق غير مسبوقة من المغامرة ومن تجاوز الحدود والأجوبة الجاهزة.
هذا الرمز العربي والمغربي الكبير قلما تتذكره الثقافة العربية، أو تقيم له احتفالات واسعة، وتصنع من أجله الوثائقيات وأفلام التحريك للأجيال الجديدة، وتعرف به على أوسع نطاق، وتقدمه كدليل أمام الصورة المخدوشة التي يركبها الإعلام الغربي عن العالم العربي الإسلامي، باعتباره منتوجا خالصا من منتجات الإرهاب والتعصب والتقليد والرجعية.
لا شيء من ذلك يحدث، المالك للإعلام العربي منصرف إلى حروب وهمية، والسياسي العربي مشدود إلى صراعات الحزب والطائفة والقبيلة، ورجل المعرفة باعها رخيصة وتحول إلى وكالة للخدمات مدفوعة الأجر.
والحاصل، هو ما نلاحظه من استخفاف بالموروث والعجز عن محاورته والخوف من تقليب النصوص ومساءلتها، والسقوط في حفرة عميقة من العماء الحضاري، غير مسبوقة في الحضارة العربية الإسلامية.
ولو جاز لنا إصدار حكم، لقلنا إننا نجتاز أسوأ حقبة من حقب التاريخ العربي الإسلامي، لا شبيه لتخلفها، ولا أشد من قوة أخطارها على هوياتنا العربية والإسلامية، مع ما يصحب ذلك من عجز حضاري، وفارق معرفي وعلمي وثقافي، أدى إلى اتساع الهوة، وانعدام فرص المواكبة واشتداد كل أشكال تدمير الذات
والأوطان.
احتراق ضريح ابن بطوطة، الرحالة العظيم، حدث مؤلم، فهذا الرجل ظل دوما يعطي للمغاربة الضوء على أنه مهما كانت العصور حالكة، ومهما كانت مستويات العصبيات اندحارا، فإن كل ذلك لن يكون حائلا أمام ارتياد الآفاق واكتشاف الآخر ومحاورته حيث هو، من موقع الندية ودون الشعور بالنقص ولا بالدونية.
ابن بطوطة جسد قيم التواصل الحضاري في زمنه، وفي صورها الأكثر إثارة، وهو اليوم، كما في المستقبل، سيمنح الأجيال أملا في تجاوز المستحيل وربح الرهانات.
وابن رشد، الذي يعرفه الغرب أكثر منا، يمنح المثال على أن وجه الثقافة العربية الإسلامية ليس ما نراه اليوم من انحدار وتدن حضاري وسلط دينية وسياسية متصارعة، ويبعث الاطمئنان في النفوس على أن ضوء العقل العربي والإسلامي قادر على اختراق كل تعصب أعمى وكل فكر منغلق يريد عزل العربي والمسلم في زاوية التقوقع والجهل وتجريده من سلاح التفكير والإبداع، رأسماله الوحيد وطوق نجاته.
لا أقول أوقفوا تدمير ضريح ابن بطوطة وغيره، بل اخجلوا، يا أمة الخجل، كما قال الراحل نزار قباني مرة، فالتاريخ سيحاسبكم بقسوة.
ساحة النقاش