كيف ستكون مصر وقناة السويس تحديدا أبرز المتضررين من خط أنابيب النفط الإماراتي الإسرائيلي المطروح حاليا؟ وهل ستوافق السعودية على مروره في أراضيها؟ وماذا لو رفضت؟ وهل نحن أمام إعادة لسيناريو أنبوب الغاز القطري عبر سورية؟
<!--<!--
”رأي اليوم” كلمة رئيس التحرير عبد الباري عطوان
إذا كانت إتفاقات التطبيع الإماراتية البحرينية ألغت دور الأردن كوسيط بين هذه الدول و”إسرائيل”وتجميد كل الدعم المالي له مقابل هذا الدور، فإن المشاريع الإقتصادية التي ستنبثق عنها، وأبرزها المشروع الإسرائيلي الذي تجري دراسته بشكل جدي بنقل النفط الخليجي، والإماراتي تحديدا، إلى أوروبا، عبر ميناء إيلات، سيلغي دور قناة السويس كممر تجاري حيوي للسفن إلى البحر المتوسط.
تتكشف هذه الأيام حقائق تؤكد أنّ دولة الإمارات و”إسرائيل” وقبل توقيع اتفاق السلام في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي، وإلغاء قانون المقاطعة، كانتا تتفاوضان، ومنذ زمن طويل في”السر”لتصدير النفط عبر ميناء إيلات ومنه إلى عسقلان وأسدود وحيفا على البحر المتوسط وصولا إلى أوروبا وربما شمال أمريكيا أيضا.
***
هناك مشروعان اقتربت مناقشتهما مرحلة التنفيذ العملية حسب آخر التقارير الإخبارية الغربية والإسرائيلية:
الأول: بناء خط أنابيب من أبو ظبي إلى ميناء إيلات عبر الأراضي السعودية، وخط الجبيل ينبع على البحر الأحمر لنقل النفط، ووصله بخط أنابيب آخر من إيلات إلى عسقلان جرى بناؤه عام 1959 بين إيران وإيلات في زمن حكم الشاه إيران، لتجنب المرور عبر قناة السويس خشية إقدام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على إغلاقها في وجه ناقلات النفط الإيرانية، وهذا الأمر قد يتطلب امتداد خط أنابيب الجبيل ينبع السعودي 700 كيلومتر شمالا إلى إيلات وإيصاله بالخط المذكور.
الثاني: إرسال ناقلات نفط إماراتية عملاقة، تبلغ حمولتها ضعفي حمولة الناقلات العادية الأصغر المسموح لها بالمرور عبر قناة السويس، إلى ميناء إيلات، عبر خليج العقبة، ليتم تفريغها هناك ثم ضخها عبر خط الأنابيب المذكور، وتجنب القناة المصرية كليا، وربما هذا ما يفسر تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي صنافير وتيران في فم الخليج المذكور للسيادة السعودية.
في الحالتين، سيتم الاستغناء عن قناة السويس التي تدر 5.72 مليار دولار سنويا على الخزانة المصرية، وبما يوفر على دولة الإمارات، وأي دول أخرى تستخدم هذا الخط بعد توقيع اتفاقات التطبيع، مئات الآلاف من الدولارات كرسوم عبور عبر القناة عن كل شحنة نفطية.
المعلومات التقنية تفيد بأن سعة خط أنبوب إيلات عسقلان، أو الموانئ “الإسرائيلية” الأخرى يبلغ 42 بوصة للنفط الخام، ويوازيه خط أنابيب آخر سعة 16 بوصة لنقل المازوت والديزل والمشتقات النفطية الأخرى المكررة، وهذان الخطان يستخدمان لتصدير النفط الأذربيجاني والطاجيكستاني إلى الصين وكوريا الجنوبية تجنبا لرسوم قناة السويس الباهظة أيضا.
الذريعة التي تستخدمها “إسرائيل” لتسويق هذه المشاريع تقول بأن المضائق التي يمر عبرها النفط الخليجي مثل هرمز وبحر العرب وباب المندب وقناة السويس لم تعد آمنة بسبب التهديد الإيراني وخطر الحوثيين على الملاحة في باب المندب، علاوة على تقصير المسافة والتكاليف بالتالي.
ناقلة النفط الإيرانية العملاقة التي احتجزتها سفن بحرية بريطانية اثناء محاولتها العبور من مضيق جبل طارق الى ميناء اللاذقية السوري، اضطرت لتجنب قناة السويس، مثلما قيل رسميا، لأنها أضخم حجما من أن تمر عبرها، وهي رواية ما زالت بحاجة إلى تدقيق أكبر.
السؤال المطروح الآن هو عما إذا كانت السلطات السعودية ستسمح بمرور مشروع خط الأنابيب الإماراتي المقترح إلى إيلات عبر أراضيها، أو أنبوبها المذكور آنفا وتمديده حتى يصل إلى إيلات؟
هناك نظريتان: الأولى تقول بأنّ ردها سيكون إيجابيا ومهدت له بالسماح للطيران المدني الإسرائيلي بالمرور عبر أجوائها إلى أبو ظبي قبيل توقيع اتفاق السلام، وخاصة طائرة العال التي كانت تقل جاريد كوشنر، صهر ترامب وعراب صفقة القرن، ووفدا إسرائيليا يضم يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد، أما النظرية الثانية فتقول أنّ السعودية قد لا تسمح بمرور هذا الخط، طالما أنها لم توقع معاهد سلام مع”إسرائيل”، وما زالت تتمسك بقوانين المقاطعة ومبادرة السلام العربية بالتالي.
مثلما ذكرنا سابقا، ستكون قناة السويس، ومكانة مصر الإقليمية والتجارية، الخاسر الأكبر من هذه المشاريع الاقتصادية بين”إسرائيل”والإمارات وأي دولة خليجية أخرى تسير على نهجها التطبيعي، و”إسرائيل”هي المستفيد الأكبر لأنها ستتحول إلى مركز عالمي لتصدير النفط، الأمر الذي سيدر عليها مئات الملايين من الدولارات سنويا، إن لم يكن اكثر.
***
هل ستعارض الحكومة المصرية هذه المشاريع التطبيعية التي قد تخنق اقتصادها، وتنخرط فيها أقرب حلفائها، أي دولة الإمارات العربية المتحدة، وربما السعودية لاحقا؟
لا نملك الإجابة، لالتزام هذه الحكومة الصمت، ولترحيبها باتفاقات السلام هذه وحلفها القوي مع الإمارات في ليبيا، ولعل سبب هذا الصمت مثلما يقول دبلوماسي مصري سابق تعرضها لتهديدين خطيرين، الأول على حدودها الغربية مع ليبيا، والثاني الخطر القادم من سد النهضة، مضافا للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ولكن هذا الصمت لن يستمر على المدى البعيد، حسب المصدر نفسه، لأن حجم خسائر قناة السويس السنوية من جراء تهميشها والإلتفاف حولها، سيكون من الصعب احتمالها وامتصاص آثارها السلبية.
رفض القيادة السورية لمرور خط أنابيب الغاز القطري عبر أراضي بلادها مراعاة للحليف الاستراتيجي الروسي، أدى لانتقام بتفجير الحرب في سورية، فهل سيؤدي خط الأنابيب الإماراتي الإسرائيلي إلى انفراط عقد التحالف المصري الخليجي في المدى المنظور، خاصة أنّ روسيا أكبر مصدر للنفط والغاز في العالم ستكون من أبرز المتضررين أيضا من جراء الأنبوبين اللذين سيهددان هيمنتها على أسواق الطاقة الأوروبية بشكل أو بآخر؟
إنها “لعبة أمم” جديدة، ولكن اقتصادية هذه المرة، قد تعيد رسم وتشكيل خرائط الشرق الأوسط مرة أخرى.. والأيام بيننا.
ساحة النقاش