ما مدى صحّة الخِلاف الذي تحدّثت عنه صُحف أمريكيّة بين العاهل السعودي ووليّ عهده حول التّطبيع مع إسرائيل؟ وما هي المُؤشّرات الأربعة التي تُرجّحه؟ وكيف ستكون انعِكاساته في الدّاخل السعوديّ والمِنطقة العربيّة؟
<!--<!--
“رأي اليوم” الافتتاحية
عندما تتحدّث صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة المُقرّبة مِن الرئيس دونالد ترامب عن وجود خلاف بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله الأمير محمد، وليّ العهد، حول قضيّة إبرام سلام مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي على غِرار ما فعلته كُل من الإمارات والبحرين أخيرًا، فإنّ هذا الحديث، وبحُكم العديد من القرائن، ينطوي على بعض، إن لم يَكُن الكثير مِن الصدقيّة، ويجب أخذه في عين الاعتِبار بالنّظر إلى الظّروف الحاليّة التي تَمُر بها المملكة.
الصّحيفة التي تُعتبر من الصّحف المُفضّلة أيضًا للأمير محمد بن سلمان، وأعطاها رعايةً خاصّةً، وخصّها بإجراء مُقابلات معه، ومسؤولين سعوديين آخرين، وتغطية الكثير من الفَعاليات في بلاده، وخاصّةً بعض جوانب الحرب في اليمن، أكّدت أنّ الملك سلمان يَرفُض توقيع أيّ اتّفاق تطبيع مع دولة الاحتِلال، ويُعارض نجله الذي قالت إنّه لم يُخبره بالاتّفاقين الإماراتي والبحريني مُسبقًا، وأنّه مُتمسّكٌ بمُبادرة السّلام العربيّة، وقِيام دولة فِلسطينيّة مُستقلّة على عكس وليّ عهده.
هُناك أربعة مؤشّرات رئيسيّة علنيّة تُرجّح بعض ما قالته الصّحيفة الأمريكيّة يُمكن رصدها كالتّالي:
الأوّل: الاتّصال الذي أجراه الرئيس الأمريكي ترامب مع العاهل السعودي الملك سلمان، وحاول فيه إقناعه بضرورة توقيع المملكة “اتّفاق سلام” مُماثل، ولكن هذا الاتّصال لم يُثمِر عن أيّ نتيجةٍ حتّى الآن، واكتَفى الرئيس الأمريكي بالقول “أنّ المملكة ستُقدِم على خطوة التّطبيع ولكن في الوقتِ المُناسب”.
الثّاني: لم يُرحّب البيان الذي صدر عن اجتماع مجلس الوزراء السعودي في جلسة ترأسها الملك سلمان يوم الثلاثاء الماضي بالاتّفاقين الإماراتي والبحريني، بل ولم يأتِ على ذكرهما كُلِّيًّا، وقال البيان “أكّد العاهل السعودي على وحدة وسلامة الأراضي العربيّة، ووقوف المملكة إلى جانب الشّعب الفِلسطيني، ودعم الجُهود الرّامية إلى حلٍّ عادلٍ وشامِلٍ للقضيّة الفِلسطينيّة”.
الثالث: ليس من عادة المملكة أن تكون تابعًا لأيّ دولة عربيّة، وحتى لو كانت تُريد توقيع اتّفاق سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي فإنّها تُفضِّل دائمًا أن تكون لوحدها، وليس في معيّةِ دولٍ أُخرى أقل منها حُكمًا ومكانةً، فقد جرت العادة أن أيّ مسؤول أمريكي أو عربي يُريد أن يقوم في جولةٍ في المِنطقة فإنّ عليه أن يبدأها بالرياض، أو أن يعود إلى بلاده ثم يأتي لزيارتها، فإذا كان هذا الشّرط البُروتوكولي ينطبق على الزّيارات الرسميّة، فالأَحرى أن يُطبّق أيضًا على خطوات واتّفاقات محوريّة مِثل مُعاهدات السّلام.
الرابع: سفيرة المملكة الأميرة ريم بنت بندر لم تحضر مراسم توقيع الاتّفاقيّات في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي، ولم تُرسِل من ينوب عنها أو سفارة بلادها.
من غير المُستَبعد أن يكون الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد، قد أعطى وَعدًا لـ”صديقه” جاريد كوشنر عرّاب هذه الاتّفاقات وصِهر الرئيس، بأنّ المملكة ستسير على النّهج الإماراتي والبحريني نفسه وتُوقّع اتّفاق سلام ثانٍ أو ثالث، ولكنّه فَشِلَ في إقناع والده بمِثل هذه الخطوة، وأخفى عنه السّماح للطّائرات الإسرائيليّة بالمُرور بأجواء المِنطقة، وأعطى الضّوء الأخضر للبحرين بالسّير على نهج الإمارات، ولكنّ جميع هذه التكهّنات المُتداولة تظَل بُدون أدلّة مُقنِعَة في هذا الصّدد.
هُناك نظريّة رائجة، داخل المملكة وخارجها، تقول إنّ “تبادل أدوار” يجري حاليًّا بين العاهل السعودي ووليّ عهده، أيّ يُعارِض الأوّل، أيّ الملك، ويقبل الثّاني، أيّ وليّ العهد، لأنّ المملكة أقدمت على خطوات تطبيعيّة “سريّة” مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وأرسلت مسؤولين فيها، بعضهم أُمراء في الأسرة الحاكمة مِثل الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستِخبارات السّعودي الأسبق، وشجّعت جُيوشها الإلكترونيّة على تهيئة الأجواء، لهذا التّطبيع، وتشجيع التّقارب والسّفر إلى الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة.
من الصّعب على أيّ مُراقب أن يجزم بصحّة هذه النظريّة أو عدمها، نظرًا لحال التكتّم الشّديد في المملكة حول العديد من السّياسات والمواقف المُتعلّقة بهذا المِلف هذه الأيّام، مُضافًا إلى ذلك أنّ العاهل السعودي مُقِل جدًّا في الحديث واللّقاءات المُباشرة، بينما يختفي وليّ عهده عَن الأنظار مُنذ فترةٍ طويلة، ربّما لأسبابٍ أمنيّة، ويُمسِك بقبضةٍ حديديّةٍ على وسائل الإعلام، ويعتقل كُل من يتجرّأ، سواءً داخل الأسرة الحاكمة، أو في المُؤسّستين الدينيّة والإعلاميّة على التّغريد خارِج السّرب الرسميّ في وسائل التواصل الاجتماعي، وهُناك العديد من كِبار الأُمراء ورجال الدين يقبعون حاليًّا خلف القُضبان لمُجرّد الشّبهة، أو حتّى الانتِقاد في المجالس الخاصّة.
مكانة المملكة العربيّة السعوديّة القياديّة، إسلاميًّا وعربيًّا، تراجعت كثيرًا في الفترةِ الأخيرة بسبب شُبهات التّطبيع مع دولة الاحتِلال، وبسبب حرب اليمن، وتخشَى قِيادتها من أن يُؤدّي إقدامها على أيّ خطوة تطبيعيّة رُضوخًا لضُغوطٍ أمريكيّةٍ، إلى أزماتٍ داخليّةٍ، وفُقدان “هيبتها” ورعايتها المُطلقة للأماكن المُقدّسة في مكّة والمدينة، في ظِل وجود مُنافسة شَرِسَة، وتوجّهات قويّة، من قِبَل دول إسلاميّة باتت تتطلّع إلى انتِزاع هذه الرّعاية مِنها، وتبحث عن ذرائع في هذا المِضمار.
إذا صحّ هذا الخِلاف بين العاهل السعودي ووليّ عهده، حسب رواية الصّحيفة الأمريكيّة المذكورة، فإنّ تَبِعاته خَطيرةٌ جدًّا في المُستقبل المنظور، وربّما تَنعَكِس أهمّها في تغييراتٍ غير مُتوقّعة في هيكليّة الحُكم في الأسابيع أو الأشهر القليلة المُقبلة.. واللُه أعلم.
12تعليقات
اردنيToday at 6:53 pm (56 minutes ago)
الجميع بصم، أبا عن جد. والتاريخ يشهد بالوثائق والتاريخ لا يرحم. كما أن الشعوب لا تهزم.
لبيب فارسToday at 6:51 pm (58 minutes ago)
لماذا أنهيت مقالك بالقول الله أعلم؟يا عزيزي الفاضل عبد الباري عطوان الله ليس أعلم بأي شيء إنما ترامب ونتنياهو هما العالمان بكل صغيرة وكبيرة. فبلا جدال هناك خلافات بين الملك وابنه فالإبن يريد عمل تطبيع وغالبا فهو نادم علي أن تسبقه دول تابعة مثل الإمارات والبحرين مما يفقد المملكة دور القيادة لدول الخليج إضافة إلي ما هو أخطر وأقصد به غسل جريمة قتل خاشوقجي التي يمكن فقط لنتنياهو وترامب بما لهما من تأثير علي حكومة إسطانبول، مكان الجريمة وهو أمر سيمكّنه من العودة بزهو إلى الصفوف الأولي ضمن قادة العالم من ثم قيادة العالم العربي المنبطح لدولة الصهاينة.
نبيلToday at 6:51 pm (59 minutes ago)
حتى وإن سلمنا وأنّه كان هناك خلاف بين الملك وولده فإن أيام الملك معدودة وهو هيأ البلد لولده الذي سيوقع لاحقا على ما يبدو والملك له مستشارين وعيون يطلعونه على ما يقوم به ولده. ثم أنّ الإمارات ومحاميه البحرين لم يكونا ليجرؤا على التوقيع بدون ضوء أخضر من الرياض.
عربيToday at 6:46 pm (1 hour ago)
المملكة تجاوزت مرحلة الضغط الترامبي-الكوشنيري عليها للتطبيع وكل ما حصل عليه كوشنير هو الإمارات والبحرين وربما لحقتهم عمان. لم يعد هناك متسع من الوقت فالإنتخابات بدأت فعليا، أما التصريحات عن دول عربية عديدة تنتظر في الطابور فهو مجرد تهويل نفسي. الآن يجب العمل على عزل الإمارات و البحرين وتركهما تتذوقان ثمار التطبيع المُرَّة لوحدهما.
البحرToday at 6:41 pm (1 hour ago)
السعودية العظيمة لن تطبّع ولن تتنازل عن مبادرتها العربية،كل العرب العقلاء يجب الوقوف مع السعودية وحمايتها من أي ابتزاز باقلامنا الشريفة، السعودية دولة تحترم تاريخها والملك سعود، يرحمه الله من خيرة من دافع عن قضية فلسطين عندما شعر بما يحاك ضدها، المبادرة العربية رفضها الصهاينة-السارق وقح بطبيعته-فلن يقبل كبرياء السعودية أن يمشي كيان مسخ دون الغرب لا يستطيع الوقوف على رجليه يوم-كلمته عليها،السعودية دولة بكل المعايير بتاريخ واقتصاد ورجال،علينا أن نجعل أقلامنا الشريفة أكثر حكمة ونكتب ما يغيض العدو وليس على كتابة ما يزيد الوجع بيننا ويسعده.
ماجده أبوشرارToday at 6:23 pm (1 hour ago)
أخ عبد الباري مع احترامي لكل ما تفضلت به لكن حين قرأت مقالتك أعتقدت أنك تكتب عن دولة من الدول صاحبة القرار في الوطن العربي وتستطيع أن تقبل وترفض وللأسف هذه الدولة التي تتحدث عنها دفعت في ليلة واحدة 450 مليار دولار لترامب، هذه الدولة وضعت خدمة لمشروع إنهاء القضية الفلسطينية من قبل وعد بلفور.لهذا ما تقرره أمريكا سيفرض قبل سلمان أو لا، هو من ضمن هذه المنظومة التي تتعاون وتعمل على إنهاء قضية فلسطين.
خواجه فلسطينToday at 6:04 pm (1 hour ago)
لا يوجد خلافات بل اختلاف ما هو إعلانه أولا التطبيع أو الملك الجديد، والملك الجديد خائف
محمد عايض النقيبToday at 5:58 pm (1 hour ago)
إذا كان التطبيع سيؤثر فعلا على هيبة السعودية ويزعزع مكانتها القيادية عربيا وإسلاميا فأعتقد أنّ الإدارة الأمريكية بنفسها سترفض هذا التطبيع لأنها تريد أن يبقى حليفها السعودي قويا ومؤثرا على العالم العربي والإسلامي وهي تدرك أنها لو فقدت هذا الحليف فلن تستطيع تعويضه بحليف آخر بنفس القوة والإخلاص والقدرة على رعاية المصالح الأمريكية ليس في العالم العربي والإسلامي فحسب وإنما في العالم، فضلا عن أنّ ذلك سيصب في مصلحة إيران وسيوسع المجال أمامها لزعامة العالم الإسلامي وهو أمر لا ترغب به أمريكا. أما إذا كانت أمريكا تريد التطبيع فعلا مع وجود خلاف فعلي بين الملك وولي عهده بهذا الشأن فإنّ ذلك يعني غالبا أنه سيتم قريبا جدا تنصيب محمد بن سلمان ملكا على السعودية وبأي طريقة كانت.
أحمد النجارToday at 5:33 pm (2 hours ago)
لكن الفلسطينين الأحرار يرفضون إقامة دولة فلسطينية هزيلة على ١٠٪ من أرض فلسطين،
الفلسطينين الآن هم المفروض يرفضون رفضا قاطعا حل الدولتين ويرفضون العودة للمفاوضات العبثية، لأنّ الكيان الصهيوني أخلّ بكل الإتفاقيات والمعاهدات ومازال يصادر الأراضي الفلسطينية ويقيم عليها مستوطنات يقيم بها أكثر الناس عنصرية وكرها للعرب،
على كل فلسطيني شريف أن يرفض العودة للمفاوضات العبثية وأن يطالب بدولة مدنية واحدة تضم كل سكان فلسطين المسلمين والمسيحين واليهود والدروز وكل المذاهب والأطياف،
على الفلسطينين أن يرفضوا رفضا قاطعا إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين بل يجب عليهم المطالبة بدولة مدنية واحدة تضم جميع الأديان وكفاهم جماعة أوسلو فشلا وكفاهم متاجرة بآلام الشعب الفلسطيني المحاصر والمظلوم.
مهدي العربي السنيToday at 5:11 pm (2 hours ago)
الفانوس سيعلق قريباً….Beem up scotty!!
انشرToday at 4:44 pm (3 hours ago)
سبق وأن ذكرت أنّ السعودية لن تطبع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ولكن في نقطة أودّ أن أذكرها تاريخيا القبائل السعودية عموما يحترم صغيرها كبيرها ولا يعصي له أمرا فما بالك بولي العهد محمد بن سلمان الذي لن يرى إلّا ما يراه والده الملك سلمان حفظة الله والصحيفة وول ستريت وغيرها تؤلف الكثير من أخبارها ودائما ترامب يهاجم تلك الصحف فإذا كان رئيس أميركا يهاجم إعلامه ويقول أنت تكذب في كثير من اللقاءات فأكيد ستؤلف تلك الصحيفة بعض الأكاذيب.
راميToday at 4:27 pm (3 hours ago)
السعودية آخر المطبعين لأن هذا دورها المرسوم أمريكيا. السعودية دمرت الوحدة العربية والقومية منذ الخمسينيات وهيأت ظروف تدمير الساحة العربية وزرعت أفكار السلام منذ مبادرة فهد. لا يزال هذا الدور مطلوب من السعودية بمكانتها المالية ووجود الحرمين. الولايات المتحدة ستبقى السعودية بعيدة عن التطبيع المباشر حتى تستطيع السعودية تدمير باقي الدول العربية والإسلامية القادرة على قول لا.
ساحة النقاش