ما لم يقله الإعلام.. الشق العسكري من زيارة الروس لدمشق
<!--<!--
الأربعاء ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٠ - ٠٤:٣١ بتوقيت غرينتش
بدت زيارة الوفد الروسي الثقيل الوزن إلى دمشق هادئه إذ كان عنوانها العريض والذي تمحور حول دعم الاقتصاد السوري عبر ما يقارب أربعين اتفاقية تتيح للجانب السوري مواجهة قانون قيصر والحصار الاقتصادي الأمريكي على دمشق.
العالم - سوريا - المصدر: رأي اليوم
وأعطت التغطيات الإعلامية مساحات واسعة للزيارة الروسية في شقيها الاقتصادي والسياسي على وجه الخصوص، حيث وصف وزير الخارجية السوري وليد المعلم المحادثات بين وزير الخارجية الروسي والرئيس بشار الأسد بالبناءة والمثمرة للغاية وفي هذا إشارة هامة لمضامين النتائج المرتقبة لهذه الزيارة، في حين عبر لافروف خلال المؤتمر الصحفي بأنّ الميزة الأهم في هذه المرحلة أنّ سوريا انتصرت بدعم روسيا على الإرهاب الخارجي والذي سعى إلى تدميرها وأنّ عمليات دحر الإرهاب متواصلة بدعم من روسيا، ومثل هذا الحديث يحمل مدخلاً مهماً للحديث عن الزيارة الروسية في شقها العسكري .
روسيا الغائبة عن الساحة الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، عادت وبقوة من البوابة السورية، لتجد في دعمها وتأييدها للدولة السورية المدخل الأقوى لحضورها الدولي، وهذا بالفعل ما جعلها لاعباً محورياً في إدارة العديد من الأزمات الدولية، ومكنّها من تصدير المواقف وتسجيل النقاط على قوى دولية كبرى، ليصل الروس إلى قناعة بأن الحفاظ على الدولة السورية بكل كياناتها هو حفاظ على هذه المكانة الروسية في العالم وحماية لمصالحها وتعزيز لحضورها الدولي الكبير، وفي كل هذا جانب مهم من الخلفيات الحقيقية لهذه الزيارة الروسية ذات العيّار الثقيل في شخوصها وفي عناوينها وخاصة في عنوانها العسكري .
ما يجب الاشارة إليه ابتداءاً هو وصول الوفد العسكري الروسي إلى قاعدة حميميم العسكرية قبل يوم من وصول الوفد الروسي السياسي والاقتصادي، مما يعني الحرص الروسي على استكمال ما كان قد بدأه في سوريا من محاربة الإرهاب، وحضوره هذه المرة بكل هذه المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية وهو ما عبر عنه تنوع الوفود التي زارت سوريا بعناوينها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
طغى الحديث الإعلامي لزيارة الوفود الروسية على الإضاءة للجوانب السياسية والاقتصادية من الزيارة، فيما لم يعطي التفاتة واضحة للزيارة بعنوانها وشقها العسكري، مع ما للحديث عن الجانب العسكري من أهمية تتيح لبقية المسارات وضعاً أفضل لتحقيق إنجازات على صعيدها سواءاً المسار السياسي أو المسار الإقتصادي، ولقراءة الزيارة الروسية ببعدها العسكري يلزمنا أولاً أن نضع جملة من المعطيات ذات الطابع الميداني والعسكري والتي نستطيع من خلالها فهم أبعاد زيارة الوفد العسكري الروسي لدمشق وما الذي يمكن توقعه من نتائج على المستوى العسكري لهذه الزيارة المهمة في توقيتها وفي مدلولاتها والتي سنأتي على الأهم منها .
انتهاء المهلة الروسية المعطاة للتركي والمترتب عليها إعادة فتح الطريق الدولي M4 وهو ما لم يتم الالتزام به من قبل الجانب التركي، والذي عمد مؤخراً إلى الإيهام بأنه طرف مستهدف من قبل الجماعات الإرهابية ذات الإرتباط المباشر به، هذا بجانب استمرار دخول أرتال عسكرية تركية إلى مناطق خفض التصعيد، واستحضر قوات النخبة التركية (أصحاب القبعات المارونية) والتي توازي في قدراتها قوات الكوماندوز الأمريكية، كل هذا في تصعيد تركي واضح يهدف لتكريس احتلاله للمناطق السورية .
وصول المزيد من القوات الأمريكية المحتلة إلى الشمال السوري برفقة قوات عسكرية سعودية وإماراتية مما يحمل مدلولات هامة منها وجود مخطط يُعد له أمريكياً من أهم مضامينه هو استهداف المقاومة الشعبية السورية ومحاولات إخمادها بعد أن تلقى الأمريكيون ضربات موجعة من قبل هذه المقاومة، وكان الإستهداف عبر إنعاش داعش من جديد في البادية السورية، وكذا تحريك أطراف داخلية ذات ارتباطات سعودية إماراتية، وكان من نتائج هذه التواجد ظهور الإرتباط في مناطق البادية السورية والتي كان قد حررها الجيش وهي مناطق نفطية وغازية وفيها تواجد عسكري روسي، مما يعني استهداف المصالح الروسية في تلك المناطق عبر هذا التحرك الأمريكي وهو ما فهمه الروس ولعلّه أحد أهم خلفيات وجود الوفد العسكري الروسي ضمن الوفد الزائر لدمشق .
لأول مرة في تاريخ الحرب على سوريا تشهد الساحة السورية حالة صدام مباشر بين القوات الروسية والقوات الأمريكية، بما يعكسه هذا الصدام من حالة توتر متصاعدة بين الطرفين، هذا الأمر فرض على الروس المزيد من الحضور والتعاون العسكري مع الدولة السورية في سبيل مواجهة التحديات على المستوى العسكري في الصدارة الاحتلال الأمريكي .
استهداف المحتل الأمريكي لحاجز الجيش السوري مما أدى الى استشهاد عناصر منه يمثل تطوراً خطيراً من ناحية السلوك الأمريكي العدائي، وهو مشهد يعلن عن تحول الأمريكي من لص للنفط السوري إلى انخراطه بشكل مباشر لقتال الجيش السوري الذي يواصل مسيرته في محاربة الإرهاب العالمي على الأرض السورية، هذا المشهد العدائي الأمريكي استكمل عناصره التحرك العدائي الكردي والذي عمد إلى استهداف مؤسسات الدولة السورية وسرقتها يؤكد النزعة الإنفصالية والتي يغذيها الأمريكي والإسرائيلي، وهذا في خطوة متوازية لممارسات أمريكية تستهدف مقومات الدولة السورية .
ولنا أن نجمل معطيات المرحلة السابقة بدأً من تنشيط داعش وتصاعد استمرار الأعمال العدائية الكردية بالإضافة لوصول التعزيزات الأمريكية التركية وكذا عودة تحريك الخلايا الإرهابية في مناطق خفض التصعيد واستهدافها للمدنيين والنقاط العسكرية السورية بجانب الأعمال الإرهابية الأخيرة والتي استهدفت بنى الدولة السورية الاقتصادية كل هذه التحركات دفعت بالروسي لإرسال وفده العسكري القادم من المحيط إلى البحر المتوسط ليصل قاعدة حميميم العسكرية قبل وصول الوفد السياسي والاقتصادي لينضم إليه في اليوم التالي من وصوله، وهذا يحمل إشارة واضحة بأهمية الملف العسكري وفي مقدمة ذلك القضاء على الإرهاب، على اعتباره أنّه لا يمكن تحقيق تقدم في المسار السياسي والاقتصادي في ظل وجود الإرهاب والاحتلال .
الأيام القليلة المقبلة تحمل مفاجآت على الصعيد العسكري والميداني، ولنا أن نضع كل توقعاتنا في هذا المقام وأولها هو إنهاء وحسم ملف إدلب عسكرياً، وتعزيز وتطوير المقاومة الشعبية بأقوى مما هي عليه، ولا نغفل هنا من طرح مؤشر مهم لكل هذه التوقعات وهو وصول قوات عسكرية سورية لتعزيز النقاط في مدينة سراقب الاسترايتجية ومحيطها، وبإضافة هذا التحضير السوري الى الزيارة العسكرية الروسية يعني أن هناك تحضير مشترك على مستوى عالٍ لعمليات عسكرية حاسمة تؤكد إرادة الدولة السورية والحليف الروسي في استكمال ما قد بدأوه في حربهم ضد العصابات الإرهابية ومشغليها الإقليميين والدوليين .
ساحة النقاش