الرئيس اللبناني إيمانويل ماكرون
<!--<!--
“رأي اليوم” د. خالد فتحي* كاتب وأستاذ في الطب
لا يمكننا أن نلوم الرئيس الفرنسي على زيارته السريعة لبيروت، وتصرفه هناك بالشكل الذي تصرف به، ففي النهاية وكما تروج لذلك الفضائيات، فالرجل قد هب فقط الى نجدة بلد منكوب يوجد الآن في ضائقة حادة، وهذا منتهى “الشهامة ومكارم الأخلاق”. كما أنه لم يزد في تصريحاته على أن صدع بما نعرفه جميعا حين أشهر فساد الطبقة السياسية اللبنانية على الملأ من أبناء الشعب اللبناني، ومع ذلك فإن هذه “الصورة البهية” وسط صور الخراب والدمار، لاتمنع من تحليل مشهد إيمانويل ماكرون، وهو يصول ويجوس خلال الديار اللبنانية، ويتفقد اللبنانين كما يتفقد رئيس مقاطعة تابعة له، أو كما ينزل رئيس لرعاياه مواسيا عقب نازلة مؤلمة ألمت بهم. حدث هذه الزيارة المدروسة جدا يحض على استخلاص المخرجات من هكذا مبادرة لرئيس دولة أجنبية قد شرب حليب السباع، وجعل يؤنب ويوبخ دون أدنى تحفظ ديبلوماسي نظاما سياسيا أمام رعاياه الذين ظهروا كالأيتام المشرئبين نحو الأب البديل أو الكفيل. بل ويتلقف طلبات هؤلاء” المواطنين” بإسقاط النظام الفاسد.
السلطة كالطبيعة لا تحب الفراغ، وبما أنّ السلطة اللبنانية غائبة الآن من على ركح المأساة، بل وضالعة في حدوث هذه النكبة، فماكرون يحضر نيابة عنها بعد أن خلا له الجو وأقفر، فيلتف حوله اللبنانيون كما لوكان هو رئيسهم الذي لم تنجبه لهم انتخاباتهم. للبنان علاقة قوية بفرنسا. فقد كان مستعمرتها القديمة ويبدو أنه لايزال. وكان من غنائمها ذات فترة نزل فيها الإنتداب الأجنبي. ولا يفتأ يوجد به تيار فرنكفوني قوي يخترق المجتمع يمكن أن يخاطبه الرئيس الفرنسي. لا وبل أن يعتمد عليه كذلك في تطبيق خارطة الطريق التي ينوي أن يضعها له، إضافة إلى أن قطاعات كبيرة من الشعب اللبناني اليائسة والناقمة على حكومتها والمنتفضة في وجهها تهرع إلى من كل من يهب ويهرع إليها عند حلول الكارثة. تلك أخلاق القانطين.
فماكرون يفعل مبدأ جديدا في العلاقات الدولية تعلمه خلال جائحة كورونا يتمثل في مبدأ التضامن وقت الشدة . هو يعي أن التحالفات ومناطق النفوذ في النظام الدولي الجديد المرتقب لن تكون بعد اليوم على أساس إيديلوجي. بل على أساس مقايضة الولاء بالمساعدة على تخطي المحنة. ولذلك هو يستمر في تسجيل نقاط لصالح فرنسا. اذ بعد استماتته في إقناع الدول المقتصدة بمساعدة دول الإتحاد الأوروبي المتضررة من تداعيات إغلاق الاقتصاد خلال الحجر الصحي، وظهوره بمظهر القائد لأوربا، ها هو يسير إلى لبنان بسرعة البرق، ويسبق الجميع موجها رسالة إلى كل القوي الإقليمية بأن لبنان لفرنسا كأنه يقلد روسيا في سوريا وتركيا في ليبيا وإيران والسعودية في اليمن. إنّه يستعيد الآن جزءا من نفوذ فرنسا التي يريد من الآخرين أن يأخذوها بعين الاعتبار. لا يريد أن يعيد خطأ التأخر الذي وقعت فيه فرنسا بخصوص الأزمة الليبية
من المؤكد أن فرنسا تتصرف الآن وفق تفاهمات دولية تجعل لبنان من نصيب باريس، أو لربما هكذا يراد لنا أن نبلع بالتقسيط سايس بيكو الجديدة التي بدأت فعلا في تقسيم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرة أخرى.
اللبنانيون الذين وقعوا عريضة تطالب بعودة الإنتداب الفرنسي، هم يقدمون تفويضا لماكرون في لحظة كفر في الوطن يفيده في الحصول على شرعية لما سيتلوا كل مشاهد تجوله في بيروت والعرق يتفصد من جبهته وهو يلقى الناس ويحاورهم، من تدخل فرنسي في الشأن اللبناني. ما أعلنه من ضرورة تغيير الطبقة السياسية وإحلال ميثاق وطني جديد يبدو ظاهريا أمرا جيدا. لكنه إعلان صريح بأن لبنان تحول إلى دولة فاشلة.لكننا ماذا نملك إزاء كل ما يحدث أمام ناظرينا غير أن ننتقد، فالعرب لايقترحون حلا للبنان غير حل المحاصصة والطائفية، إنهم عاجزون عن إبداع غد جديد بأيديهم. وفي هذه الحالة يقول لسان حالهم: لابأس أن يكون هذا الحل بأيدي غيرنا، ولو كانت هذه الأيدي أيدي فرنسا التي هي كانت في أصل المشكلة.
فأمام كل هذا العجز وهذا الهوان، يأمل بعض المتفائلة أن يكون حظ لبنان كحظ اليابان التي أسلمت قيادها بعد تفجيري هيروشيما ونكازاكي للولايات المتحدة الأمريكية، وها هي الآن دولة متقدمة رائدة، فهل يا ترى ويصدق هذا الرهان، ويتغير وجه لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت على يد فرنسا نحو الأحسن؟؟؟ هل تملك فرنسا أصلا القدرة على إحداث هذا التغيير وهي غارقة في مشاكلها الذاتية ؟؟؟. وهل بإمكانها التأثير في بلد ملغوم بالطائفية والتبعية مغرم بالصراع والاقتتال؟؟ ما هي مصلحة المنطقة العربية من وضع فرنسا يدها على لبنان من جديد؟؟ وما هي تداعيات ذلك على الأمن الاستراتيجي العربي؟ وعلى تطور الصراع العربي الإسرائلي.؟؟.
إنها الأسئلة المعلقة التي لن يجيب عنها إلّا المستقبل، وفي انتظار تلك الأجوبة ،علمتنا التجارب مع لبنان أن كل تدويل لأزماته لا تجلب له إلّا الكوارث والنكبات. فهلا ساعدنا لبنان وتركناه يحل مشاكله بيد أبنائه؟؟. إنها أمنية بعيدة المنال. لعلها تتطلب أول ما تتطلب أن يقرر اللبنانيون بداية مساعدة أنفسهم. فهل يتعظون؟؟
ساحة النقاش