ماذا خلف کواليس التظاهرات الليلية العارمة ضد نتنياهو؟
<!--<!--
الأحد ٠٢ أغسطس ٢٠٢٠ - ٠٦:٠٦ بتوقيت غرينتش
الخبر:
مع تزايد حجم تظاهرات المستوطنين ضد نتنياهو كل ليلة، يحاول نتنياهو تصوير هذه الحركة المناهضة للحكومة على أنها عمل اليسار الإسرائيلي ومن ناحية أخرى، لتحويل الرأي العام العالمي عن الأزمات الداخلية المتصاعدة في حكومته بالمغامرات خارج إسرائيل.
الإعراب:
بدأت المظاهرات في إسرائيل قبل شهرين ونصف الشهر في ظل معارضة بعض المستوطنين في الأراضي المحتلة لقرار نتنياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن إلى إسرائيل. يعتقد معارضو القرار أنها جريمة حرب، جريمة ضد السلام والديمقراطية وسوف تؤدي في النهاية إلى إراقة الدماء. وعلى الرغم من تأجيل القرار عن اضطرار رغم تحديد موعد تطبيقه علی أرض الواقع إلّا أنّ الاحتجاجات لم تنته واستمرت في شكل سوء إدارة نتنياهو لتفشي کورونا، وفتح الدعاوى الحقوقية ضد نتنياهو، وتصعيد أزمة البطالة وإضعاف اقتصاد النظام وبالطبع تزايدت کل يوم.
إنّ العزم الجاد للمتظاهرين الإسرائيليين على الاحتجاج ضد حكومة نتنياهو وجهود الإطاحة بها جاد للغاية لدرجة أنهم حتى دون مراعاة المسافة الاجتماعية وأحيانًا دون استخدام الکمامات يحضرون مسيرات تصل أحيانًا إلى مائة ألف مشارك وفي بعض الحالات أدى إلی وضع الجدار أمام منزل نتنياهو في منطقة "قيسارية" وامتد أيضا إلی البرلمان الإسرائيلي.
دفع عدم فاعلية حکومة نتنياهو في التعامل مع كورونا إسرائيل إلى تحطيم بعض الأرقام القياسية الدولية في الظروف الأخيرة على الرغم من عدد سكانها البالغ 9 ملايين نسمة في السنوات الأخيرة. وبفعل إخفاق نتنياهو في إدارة أزمة الکورونا فإنّ 55 في المائة من المستوطنين ووفق الاستفتاءات الأخيرة قلقون علی عجزهم عن تدبير معاشهم. تشير الإحصائيات إلى أنّ 4 ملايين من سكان النظام يواجهون أزمة بطالة. وفيما بلغت إسرائيل المرتبة الثالثة من ناحية الإصابة بکورونا بالمقارنة مع الأقطار الأوروبية إلّا أنّ الکيان تم تصنيفه في القائمة الحمراء وتم منع الإسرائيليين من السفر إلى أوروبا. ومن المثير للإهتمام أنّ "لجنة كورونا" التي تم تشكيلها في إسرائيل قبل شهرين لم تنجح في السيطرة على الأزمة، ويذكر أنّ عدد القتلى الرسمي في كورونا يبلغ 600 على الأقل في إسرائيل حتى الآن.
ارتفعت البطالة في إسرائيل إلى 21٪ حتى الآن، وهذا الرقم في الأكثر ترجمة للرسائل التي تسمع في شكل شعارات للمتظاهرين الإسرائيليين أو معروضة على قمصانهم ولافتاتهم. عبارات من قبيل: "الوزير المجرم"، بدل رئيس الوزراء، أو: "ضقنا ذرعا بك يا نتنياهو! أو "رئيس وزراء الخطيئة والجريمة" ليست سوى جزء يسير من نظرات الجماهير الحاشدة التي تطالب بإسقاط رئيس الوزراء اليميني الإسرائيلي.
في حين أن الملفات الحقوقية الثلاث المنفصلة "الفساد" و"خيانة الأمانة" و"الرشوة" تلقي بثقلها على نتنياهو، وحاول مرارًا وتكرارًا رفضها بذرائع مختلفة فيبدو أن المتظاهرين مصمّمون بالفعل لتحقيق هذه المطالب وهذه المرة بشکل أکثر جدية. تدل على ذلك شعارات المتظاهرين ولافتاتهم وقمصانهم التي کتبوا عليها مطالبين بها صراحة أن يعود نتنياهو إلى السجن. يبدو أن المتظاهرين يصرون هذه المرة علی الإطاحة بحکومة نتنياهو وعقر مرکب خلافته.
على الرغم من أن كورونا، وعدم كفاءة نتنياهو في السيطرة على الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وإدانته الأخيرة للفساد يمكن أن تشکل سببا لتصعيد الاحتجاجات الليلية في إسرائيل، فإن هذه ليست کل الحکاية، ولا تكشف عما يجري هذه الأيام خلف الکواليس في إسرائيل. إلی جانب عدم الثقة في نتنياهو وحکومته يجب التركیز على هذه القضية الرئيسية: إنّ المشاركين في المظاهرات الإسرائيلية الليلية ليسوا سوى جزء صغير من خصومه الذين تمكنّوا من النزول إلى الشوارع، وأنّ الباقين فضّلوا أن يقفوا متفرجين لما يجري بالنظر للقضايا الصحية والأمنية واعتقادهم بالأزمة السياسية الموجودة في الکيان الصهيوني رغم موافقتهم التامة لهذه القضايا.
ثانياً،يبدو أن المشاركين في الاحتجاجات يأتون من مختلف الجماعات والأحزاب السياسية الذين رغم تحالفهم مع نتنياهو، يعترضون بشدة على أفعاله ولا يعتبرونه جديراً بمنصب رئيس الوزراء، وإن بطريقة تناوبية.
ثالثا: رغم أن نتنياهو يفضل نسبة المعارضين الحاضرين في المظاهرات إلی الأحزاب اليسارية المعارضة له لكن التأمل في وجهات نظر قادة اليمين في إسرائيل في الأشهر الأخيرة يظهر بوضوح أنّ جزءًا من السكان المتظاهرين ينتمي إلى الأحزاب اليمينية الجديدة، اليمين الوسط ويمين الوسط. بعبارة أخری يمکن البحث عن رسالة التظاهرات الليلية في إسرائيل في الإعلان عن التبري من الحكومات اليمينية واليسارية التي تحكم تقليدياً في إسرائيل. في هذه الأثناء يمکن إضافة جمعيات مثل حريدمها أو السلفيين الإسرائيليين إلی المعارضين الحقيقيين لنتنياهو، الجمعية التي تختلف ليس فقط مع نتنياهو، ولكن أيضًا مع الکيان الصهيوني من أساسه اختلافات کبيرة للغاية ولا يؤمنون بهويّة تسمى الدولة والنظام الصهيوني.
يبدو أن المشاكل الداخلية للنظام الصهيوني قد دخلت للتو مرحلة جديدة، وهذه المشاكل، وهذه المشاکل وبالأحری"الأزمات"استهدفت شرعية وكفاءة الأحقية المزعومة لرئيس هذا النظام. وليس بمستبعد أن يصطبغ مسلك نتنیاهو مع المتظاهرین بالعنف کما سبق أن جربوه مع المحتجين من أصول إثيوبية وحريديمها كما أنه ليس بمستبعد أن يفتح نتنياهو صفحات جديدة من المغامرة في بلدان مثل لبنان وسوريا وفلسطين وحتی إيران هروبا من الأزمة. مع أنّ اقتدار محور المقاومة ومحاصرة إسرائيل من الجهات الثلاث في الحدود البرية جعل من هذا خيارا نهائيا لنتنياهو. إنّ الهجوم الفاشل على کفرشوبا قبل بضعة أيام لم يحقق سوی متاعب وهزيمة أخری في حرب نفسية شاملة لرئيس الوزراء هذا.
ساحة النقاش