العدوّ يخضع لـ«تأديب ما قبل العقاب» وقواته التزمت «الوقوف على إجر ونص»
<!--<!--
السبت ٢٥ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٦:٣٦ بتوقيت غرينتش
بعد مرور أيام عدة على العدوان الصهيوني على دمشق الذي أدّى إلى استشهاد أحد مقاتلي حزب الله العدو مستنفر و ينتظر الرد على هذا العدوان.
العالم_لبنان *ابراهيم الأمين - الأخبار
وكتبت صحيفة الأخبار اللبنانية اليوم السبت أن إسرائيل تعرف، نتيجة خبرة 35 سنة، أنّ التعامل مع حزب الله ليس كما مع غيره، سواء كان قوى أو حكومات أو حتى أفراداً. وبالتالي، فإنّ على العدو أن يحسب في كل مرة الكثير من العناصر عندما يقوم بعمل قد يصيب حزب الله صدفة أو عن طريق الخطأ المدروس. وهذا ما يجعل العدو مقيداً بصورة شبه كاملة في لبنان، ومقيداً بصورة كبيرة جداً في المناطق التي يوجد فيها عناصر من الحزب، أو يحتمل أن يكونوا موجودين فيها.
عند هذا الحدّ، يجب العودة إلى العقل الإسرائيلي حيال التصرف مع حزب الله على وجه التحديد. ليس حصراً لأن الحزب يمثل العمود الفقري لقوى المقاومة في المنطقة، بل لكون العدو يعتقد، وهو محقّ، بأن حزب الله يملك القدرات البشرية والتقنية والخبرات التي تسمح له بالمشاركة في إدارة هذه البرامج الإستراتيجية، بما في ذلك التي يُعمل على بنائها في سوريا، وخصوصاً أنّ الحزب يملك فعلياً ثقة إيران وسوريا، إضافة إلى ثقة كل القوى الرئيسَة في محور المقاومة.
وبالتالي، فإنّ العدو يركز ضمناً على شكل تعطيل أو إحتواء دور حزب الله في هذا المجال.
صحيح أن العدو يحرص على عدم إيذاء عناصر الحزب مباشرة، لكنه يرتكب الأخطاء، عمداً أو سهواً. وهو يعرف بأن عليه تحمّل مسؤولية ما يقوم به. ولمّا حاول في الخريف الماضي تبرير الأمر، وأنه سعى إلى الإبلاغ عن الهجوم قبل حصوله ووصل به الأمر إلى حد الإعتذار عن استهداف شباب المقاومة، إلّا أن قيادة حزب الله بعثت برسالة واضحة بأن لكل خطأ ثمناً.
ويومها، سعت المقاومة إلى تثبيت حقها في معاقبة العدو على الخطأ، لكنه عقاب يستهدف ليس حصراً تدفيعه الثمن، بل ردعه ومنعه من تكراره. وكانت عملية أفيفيم، التي لن يصدق أحد - ما عدا المقاومة وإسرائيل - أن عدم وقوع قتلى فيها كان نتيجة خطأ عسكري، لا نتيجة قرار.
اليوم عاد العدو إلى ارتكاب الخطأ نفسه. صحيح، أن الغارة على موقع قرب مطار دمشق مطلع الأسبوع الجاري يبررها العدو بأنها في سياق عمله ضد "التمركز الإيراني" في سوريا، لكنه تصرّف هذه المرة، مصحوباً بمناخات تحتاج إلى تدقيق، ولا سيما "نزعة التفلّت" من القيود السائدة لدى بعض أركان مؤسستَيه العسكرية والأمنية، هؤلاء الذين يراهنون بقوة على "تبدلات في المعطيات تسمح برفع سقف المواجهة مع إيران والحزب". وهذه التبدلات، كما يظهر في كل المعطيات المتداولة عند من يهمهم الأمر، تركز على أن حزب الله يمرّ بمرحلة "كبح جراء الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية التي تواجه لبنان".
عند هذه النقطة، يجب فهم أن العقل الإسرائيلي كان يعمل وفق قاعدة أنّ ظروف الحزب في لبنان لا تسمح له بالقيام بـ"ردّ تناسبي من النوع الموجع بطريقة تمنع العدو من تكرار المحاولة. ورغم ذلك، يلجأ العدو، وكما جرت العادة، إلى استعدادات، أساسها الاتصالات السياسية والعمل السياسي - الأمني الهادف إلى محاولة إقناع الحزب أو "مَن يمون عليه" بعدم الرد؛ وبقية عناصرها تتعلق بالإستعداد لمواجهة قد تبدأ بصدام موضعي وتنتهي إلى جولة قتالية أو ربما حرب واسعة.
ليل الإثنين الماضي، أغار طيران العدو على موقع قرب مطار دمشق. وبعد ساعات، علم الإسرائيليون أن أحد الشهداء هو من حزب الله. فبادرت قيادة قوات الاحتلال ومؤسساتها الأمنية إلى إطلاق برنامج عمل أساسه الاستنفار والاستعداد على طول الجبهة الشمالية، متوقعين رداً من قبل المقاومة. وقد شملت الإجراءات الميدانية والإستطلاعية التقنية كل المنطقة الممتدة من ساحل الناقورة غرباً في لبنان حتى الحدود الشرقية للجولان السوري المحتل، وكل المنطقة المتاخمة للحدود. وتزامناً، باشرت قوات الاحتلال تنفيذ خطة وقائية تشمل المستوطنات المليئة بالسكان والقواعد العسكرية ونقاط المراقبة الحدودية.
كما سارعت إلى الطلب من القوات الحليفة أو الصديقة، من الجيش الأميركي في قاعدة التنف إلى قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، القيام بما يسمح بتكوين صورة واقعية ودقيقة عما يمكن أن يقوم به حزب الله. وفي جنوب لبنان، وصل الأمر بعدد من مراقبي القوات الدولية إلى القيام بدوريات مكثفة في نقاط محددة، حيث يعتقد العدو أن رجال المقاومة يمكن أن ينتشروا فيها أو أن يتموضعوا لأجل القيام بعمليات عسكرية.
لكن العدو سعى في المقابل إلى رهن خطواته بأشياء أخرى، من بينها مراقبة تصرفات وتصريحات قيادة حزب الله. وبعدما تنفّس بعض قادة العدو الصعداء عند انتشار البيان الأول لنعي الشهيد علي محسن، بالقول بأنه سقط أثناء قيامه بواجبه الجهادي، عاد التوتر مع انتشار بيان نعي جديد، يقول بأن الشهيد سقط جراء الإعتداء الإسرائيلي. لكن العدو ازداد ارتباكاً وقلقاً عندما تم توزيع البيان الجديد من قبل جهات في إعلام المقاومة، ولكن ليس عبر بيان رسمي.
فيما ترقب العدو خروج الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لإطلاق موقف من المسألة، وهو ترقب مستمر إلى الآن. ففي دائرة القرار عند العدو، ثمة مَن يفكر بأنه في حال أطل السيد حسن، فسوف يحسم الأمر. فيما يعتقد بعضهم، أو يراهن، على أن عدم صدور موقف رسمي أو خطاب علني، يُبقي الباب مفتوحاً أمام خيار "عدم الرد" أو "الرد الشكلي". وفي هذه النقطة، سرعان ما يعود العدو ليقدّم رهانه ربطاً بالأوضاع الداخلية للبنان. وكان أبرز من تناول هذا الموضوع هو قائد المنطقة الشمالية في جيش العدو أمير برعام الذي قال لـ"هآرتس" إن لبنان يعاني أوضاعاً صعبة للغاية وأنّ حزب الله لديه انشغالاته الداخلية الكثيرة التي تقيده. لكن الجنرال نفسه عاد ليتحدث عن الخطرين الرئيسين: قوات الرضوان والصواريخ الدقيقة. ومثل كل قائد عسكري أو مسؤول أمني لدى العدو، فإن ذكر الرضوان والصواريخ يجب أن يعالج بجرعة من التهديدات الكبيرة. وهي تهديدات يريد قادة العدو الرد من خلالها على ما يعتبرونه "الحرب النفسية التي يقودها حزب الله ضدنا". قال برعام: "نصرالله هو بطل العالم في الحرب النفسية"!
عند هذه النقطة، يمكن العودة مرة جديدة إلى العقل الإسرائيلي. الآن، حين يرفع جيش الاحتلال من مستوى استنفاره على الحدود مع لبنان، ويعزز قواته العسكرية والأمنية وأذرع جيشه كافة، لا يزال مصدر القلق الإدراك العميق بأن الردّ آت". لكن ما يزيد من القلق هو صمت حزب الله. في المرة السابقة، أطل السيد حسن نصرالله وقال لهم: انتظرونا على إجر ونص!. هذه المرة لم يقل لهم ذلك، لكنهم لا يتحملون هذا المستوى من "التأديب قبل العقاب". ربما الناس عندنا، أو حتى المستوطنون، يعتقدون أن عملية إخلاء عسكرية وأمنية لمنطقة حدودية شاملة وبعمق عدة كيلومترات، أمر سهل. بينما هو في حقيقة الأمر عمل منهك على الصعيد اللوجستي، ومكلف مادياً، لكن الأهم، هو إهانة كبيرة لجيش يعتد بنفسه ويأتي من يلزمه بالاختباء لفترة غير محددة. وهذا بالضبط ما حاول العدو القيام به منذ ليل الإثنين الماضي. أي أن يقوم باتخاذ تدابير وإجراءات احترازية، تزيل أهدافاً محتملة من أمام مهداف حزب الله، لكنها لا تلزمه الخضوع لعقاب الإجر ونص.
ساحة النقاش