إسرائيل تعمل على ضم ثلث الضفة الغربية بمباركة عربية ضمنية
<!--<!--
-“رأي اليوم”- حماد صبح* كاتب فلسطيني
وفق ما كشفته القناة الحادية عشرة في التليفزيون الإسرائيلي سيزور يوسي كوهين رئيس الموساد مصر والأردن وعددا من الدول العربية التي ليس لها علاقات رسمية بإسرائيل . وهذه الدول معروفة متوقعة. وهدف الزيارة، مثلما قالت القناة نقلا عن مصادرها الرفيعة، معرفة موقف هذه الدول من خطة الضم، وحثها على تخفيف رد فعلها عليها. وتقديرنا أن للزيارة هدفا آخر أبعد. إسرائيل تعرف تماما موقف هذه الدول من خطة الضم، وتعرف أنه ليّن متساهل، بل مبارك، خلاف ما تعلنه. ولو كانت هذه الدول رافضة للضم رفضا جادا صادقا يضع إسرائيل أمام مخاطر تبعاته لما وصلت، إسرائيل، في السير في طريقه إلى هذه المرحلة، وإلى هذه الجرأة في الحديث عنه، وتحديد مطلع يوليو الآتي موعدا لإعلانه. إنها تتجه إليه في ثقة مطلقة كأنها تتجه إلى شيء يخصها وحدها، ولا اعتراض لأحد عليه. ضمنت تأييد أميركا، وتيقنت من أن السلطة الفلسطينية لن تتخطى في رد فعلها عليه بيانات الشجب، ونسقت معها إعلان تحللها من التزامات أوسلو صوريا، ورتّبت الإبقاء على أهم ما فيه وهو التنسيق الأمني.
وعلاقتها بمصر والأردن في أعلى درجات الحميمية، وفي التعاون الاستخباري هي في القمة. ويصنف التعاون الاستخباري الأردني _ الإسرائيلي في المرتبة الثانية بعد التعاون الاستخباري الإسرائيلي _ الأميركي . ومصر نظامها العسكري منصرف كليا عن مشكلات المنطقة السياسية، وظهره عارٍ من جهة ليبيا بعد خسارة رهانه على حفتر الفرجاني أمام حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، وحاله في نزاعه مع أثيوبيا حول سد النهضة حال اليائس المستجدي الذي انسدّت في وجهه كل سبل الرجاء، وخذلته كل الوسائل. والدول الأخرى التي سيزورها كوهين، ونظنها بلاد الحرمين والإمارات، وربما قطر والسودان؛ أغلى مناها علاقات رسمية علنية مع إسرائيل تخيلا سرابيا منها أن إسرائيل تملك عصا سحرية ستحل كل مشاكلها داخليا وخارجيا . ولهذه الدول علاقات استخبارية وأمنية مع إسرائيل في أحسن أحوالها. ومن ثم فهدف الزيارة في رأينا أبعد وأعمق من المعلن عنه، والتقدير أنه تنسيق رد الفعل مع هذه الدول في حال حدوث اضطرابات في الضفة، وانفجار حرب مع غزة قد تتسع وتمتد إلى الجبهة الشمالية وإيران. وكل الدول التي سيزورها كوهين لها موقف مضاد من الأطراف التي قد تشتبك معها إسرائيل عقب الضم.
وإنها في الحق لمأساة أمة أن يطوف رئيس أحد أجهزة مخابرات عدوها الحقيقي على بعض دولها لينسق معها كيفية مواجهة رد فعل جزء من هذه الأمة على ضم أرض عربية. الخبر الإسرائيلي في ذاته إهانة كبرى لهذه الدول ولانتمائها لأمتها، بيد أن هذه هي حقيقتها التي تعلمها إسرائيل، وتتصرف معها وفقها. ومن حط قدر نفسه لن يرفعه أحد وتخصيصا إن كان هذا الأحد هو إسرائيل. عندما أعلنت إسرائيل توحيد القدس بعد حرب 1967 ضامة شرقيها إلى غربيها؛ فعلت ذلك دون مقدمات لإدراكها تبعات هذه المقدمات، وفعلت نفس الشيء عند ضمها الجزء المحتل من الجولان السوري في 1981. كانت الأحوال حينئذ مختلفة عنها اليوم. كانت تخاف رد فعل عربي وعالمي إن تحدثت عن التوحيد والضم وأطالت الحديث والجدل، فقررت وضع الجميع أمام الواقع الذي تريده، ونجحت. اليوم لا تخاف عربا ولا عالما. معها إدارة أميركية متهورة، ومعها أكثر العرب ولو ضمنا، ولهم أن يقولوا خلاف هذه المعية تسترا ومواراة لبؤس ما انتهى إليه حال الفلسطينيين والعرب. الأرض كل شيء في أي صراع، وإذا ضمت إسرائيل في خطوة أولى ثلث الضفة تكون فازت بالشيء النفيس في الصراع، وستتغير أمور كثيرة في الضفة بعد ضم ثلثها الأول في حياة المستوطنين وحياة الفلسطينيين.
المستوطنون سيزدادون استقرارا واطمئنانا إلى مستقبلهم في الضفة، وستشتد عدوانيتهم على الفلسطينيين، وستضطرب حياة الفلسطينيين ويفارقهم كل أمل في الاستقرار في ما تبقى في أيديهم من وطنهم، وستجتهد إسرائيل في انتزاع هذا المتبقي بكل الوسائل، وستجد هذه الوسائل. وكل ما تريده الآن أن تضم الثلث الأول بدون مشاكل كثيرة، وسبيلها إلى ما تريده أن يتم الضم بمباركة عربية ضمنية ، والمقدر أنها ستنجح.
ساحة النقاش