بدأت الاحتجاجات الأمريكيّة ضِدّ العنصريّة تُعطِي ثِمارها سريعًا.. نائبة رئيس إفريقية الأصل لجو بايدن في حال فوزه في الانتِخابات.. وتعيين أوّل جِنرال أسود رئيسًا لسِلاح الجو الأمريكيّ.. هل ستَصِل هذه الثّورة المشروعة إلى عالمنا العربي؟ وتجتث العُنصريّة والطائفيّة من جُذورها؟
<!--<!--
“رأي اليوم” الافتتاحية
لا يفلّ الحديد إلا بالحديد، ولا يُغيّر الثّقافة العُنصريّة وقوانينها إلاّ الإحتِجاجات الشعبيّة الضّخمة التي تُطالب بالعدالة والمُساواة وإنهاء حالة الصّمت السّائدة في المُجتمعات الغربيّة، والولايات المتحدة تحديدًا، وكُل ما يتفرّع عنها من مُمارساتٍ ضدّ ذوي البشرة السّوداء أو مِن أُصول إفريقيّة.
وفاة جورج فلويد الشّاب الأمريكيّ الأسود البشَرة اختناقًا تحت رُكبة شرطي عُنصري أبيض أحدثت ثورةً في الوعي الأمريكيّ، وأجبرت الدولة العميقة العُنصريّة البيضاء على تبنّي قوانين وسلوكيّات تُنصِف بني جلدته وتُنهي كُل مُمارسات التّمييز ضدّهم، وكان أوّل الغيث في ولاية نيويورك التي بدأت بإصلاحاتٍ جذريّةٍ في جهاز الشّرطة، إلغاء أُسلوب الضّغط على أعناق المُتّهمين أثناء توقيفهم.
أمّا التطوّر الأهم في نظرنا فيتمثّل في وعد جو بايدن المرشّح الديمقراطي للإنتِخابات الرئاسيّة المُقبِلة لاختيار نائب أو نائبة رئيس من الأصول الإفريقيّة في حال فوزه، وهُناك ترجيحات تقول بأنّه سيختار واحدةً مِن ثلاثِ شخصيّاتٍ نسائيّةٍ لهذا المنصب أبرزهم السيّدة كامالا هاريس، عُضوة مجلس الشيوخ التي نافسته في الإنتِخابات للفوز بترشيح الحِزب الديمقراطي، فهي مِن أبوين مُهاجِرَين من الهند وجامايكا، أو النّائبة فال ديميينغيز، وهُناك من يُضيف اسم كيشا لانز رئيسة بلديّة أتلانتا إلى القائمة.
وفي مُحاولةٍ لتهدئة الخواطر، وتَطويق الإحتِجاجات، أعلن مجلس الشّيوخ الأمريكيّ تعيين الجِنرال تشارلز بروان جونيور رئيسًا لهيئة أركان سِلاح الجو الأمريكي في خطوةٍ غير مسبوقة، وهو الذي جاهَر بتعرّضه للكثير مِن المُضايقات العُنصريّة طِوال خدمته في القوّات المسلّحة وطالب بالمُساواة للجميع.
ولا ننسى في هذه العُجالة نجاح المُظاهرات الإحتِجاجيّة ضِدّ العُنصريّة في أوروبا التي أطاحت بتماثيل رموز العُنصريّة مِثل الملك البلجيكي ليوبولد الثّاني الذي قتَل ملايين الكونغوليين أثناء استِعمار بلاده للكونغو، أو تِمثال إدوارد كولستون تاجِر الرّقيق في مدينة بريستول البريطانيّة.
إنّها الموجة الجديد للثّورة ضِدّ العُنصريّة التي فجّرتها وفاة جورج فلويد البَشِعَة، وشارك فيها السّود إلى جانب أشقائهم البيض جنبًا إلى جنب لاستِئصال هذه الآفَة مِن مُجتمعاتهم الغربيّة.
مِن المُؤسِف أنّ هذه الصّحوة المُتصاعِدة ضدّ العُنصريّة لم تلتفت إلى أكبر دولة عُنصريّة في العالم وهي دولة الإحتِلال الإسرائيلي التي أصدرت قوانينًا بتشريعها وتُرسِّخ التّمييز ضدّ المُواطنين العرب مسيحيين كانوا أو مُسلمين، وقتلهم بطُرقٍ أكثر بشاعةً من نُظرائهم السّود في أمريكا.
أخيرًا نَجِد لِزامًا علينا تحذير مُعظم الحُكومات العربيّة، إن لم يَكُن كلّها، من استِمرارها في تبنّي سِياسات عُنصريّة، ليسَ ضدّ المُواطنين ذوي البشَرة السّوداء، وإنّما أيضًا الذين ينتمون إلى طوائفٍ أو أديان أو حتّى قبائل أُخرى.
من العار أن يُعارض بعض العرب العُنصريّة في أمريكا ويتعاطف مع السّود ويُطالب بالمُساواة لهم، بينما حُكوماته تُمارس أبشع أشكال العنصريّة، والتّمييز الطّائفي والعِرقي ضدّهم، وفي الفَم ماء.
ساحة النقاش