http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

هكذا اخترق أطباء أوروبيون مزيّفون وجواسيس المخزن والمجتمع

<!--<!--

هسبريس - مصطفى شاكري

الثلاثاء 28 أبريل 2020 - 07:00

جسّد الطب إحدى الأدوات التي وظفتها القوى الأوروبية لاختراق المغرب، لاسيما خلال القرن التاسع عشر، حيث وُظفت الخدمات الصحية من أجل "تليين" موقف المجتمع من الأوروبي (الكافر)، فلم يعد المخزن لوحده يعتمد على مهارة الطبيب الأجنبي، وإنما بدأ الطب الأوروبي يتوغل في المجتمع المغربي بدءاً من القرنين الـ15 والـ16.

وقد سخّرت البلدان الأوروبية منتحلي الطب والجواسيس من أجل التمهيد للحماية، إذ كانت مجموعة من القوى الأجنبية تستغل تقارير ورسائل ومذكرات الأطباء الحقيقيين والمزيفين لتجميع الأفكار والمعلومات عن تركيبة المخزن وبنية المجتمع، قبل أن يُوظف الطب، ضمن فترة الحماية، لتحقيق التغلغل السلمي في إطار ما عُرف بـ "الطب الاستعماري".

وسلط الدكتور أحمد المكاوي الضوء على الموضوع، من خلال كتابه المعنون بـ "الدور الاختراقي والاستعماري للطبابة الأوروبية في المغرب"، الصادر عن منشورات الزمن، مشيرا في البداية إلى تألق الطب المغربي قبل التقهقر والتبعية لأوروبا في هذا المجال الحيوي اعتباراً من العهد السعدي. هكذا، قال المؤرخ المغربي: "مارس الأطباء المسلمون، خلال فترات سابقة على حروب الاسترداد، دور أساتذة الطب والصيدلة على الأوروبيين، قبل أن يتراجع هذا الدور وينهار، ليصبح العالم الإسلامي خاضعا للهيمنة الطبية الأوروبية"، وزاد: "تبدلت الوضعية اعتبارا من القرنين الـ15 والـ16،إذ أضحى التفوق الأوروبي في الطلب جليا". وأضاف الباحث: "لم يمانع المغاربة في التطبيب على أيدي الأوروبيين حتى في أوج الصراع الديني والعسكري بين المغاربة والأوروبيين، حيث شهد النصف الأول من القرن الـ16 الاعتماد على أطباء من أصل برتغالي رغم شدة الصراع بين الوطاسيين والبرتغاليين، ثم حدث تبدل خلال النصف الثاني من القرن المذكور، إذ تم جلب أطباء من بلدان أوروبية أخرى". وأورد المؤلف: "أدرك الأوروبيون ثقة المغاربة في الطب الأوروبي، فشرعوا في استغلال هذه الثغرة (الثقة)، بأن أضحى المغامرون والجواسيس ينتحلون صفة أطباء، ليس لأجل كسب المال فقط، وإنما ليكونوا كذلك عيوناً تنقل أدق التفاصيل عن واقع المغرب، بما في ذلك ما يجري داخل البلاط السلطاني".

وذكر الكتاب حالتين من منتحلي الطب الأوروبي في العقد الأخير من القرن الثامن عشر؛ أولاهما تتعلق بالمغامر الإيطالي Romanelli الذي مكّنه إدّعاؤه لصفة طبيب من أن يقتحم العالم المغلق للحريم المغربي، فأنجز تقريرا استخباراتيا عن الوضعية العسكرية للمغرب، مسجلا ضعف تحصيناته ودفاعاته ودور المرتدين في جيشه.

وثانيتهما ما قام به الباحث النباتي الفرنسي Broussonet حينما دخل المغرب بصفته طبيبا، حيث زار هذا الطبيب المزعوم مدن طنجة والقصر الكبير والرباط، وقدم علاجات للسلطان مولاي سليمان قبل أن يصبح نائبا للقنصل العام الفرنسي في مدينة الصويرة، إذ أنجز عددا من التقارير والمذكرات عن المغرب تضمنت أفكارا استعمارية واضحة.

وأردف المكاوي: "بفعل تدفق الأطباء ومنتحلي الطب الأوروبيين على المغرب، بدأت تتراكم المعلومات والأفكار عنه، استنادا إلى مذكرات وتقارير ورسائل الأطباء الحقيقيين والمزيفين. وبصفة عامة، لم ينحصر الأمر، خلال العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر، في الاعتماد على أطباء أوروبيين، بناء على رغبة ذاتية للسلاطين كما كان الشأن من قبل، وإنما أضحى بعض منتحلي الطب الأوروبيين يفرضون أنفسهم على المغاربة، مخزنا ورعية، بفعل الحاجة والجهل معاً". ويشكل ذلك توطئة لانتشار ظاهرة فرض الخدمات الصحية بالمغرب خلال القرن التاسع عشر، تبعا للمؤرخ، إذ فرضت الدول الأوروبية على المخزن عددا من الأطباء ضمن بعثاتها العسكرية، في سياق التنافس فيما بينها لاكتساب مواقع نفوذ، كما ارتبط تقديم الخدمات الطبية بالحملات التنصيرية وفرض نظام الحجر الصحي المعروفة بـ الكرنتينة" في بعض مراسي المغرب ضد إدارة المخزن وأحيانا بموافقته من موقعه كطرف مغلوب.

ولفت الكِتاب إلى انتقال بعض المغاربة النافذين (من الجهاز المخزني) للتداوي في أوروبا، وهذه جميعها أمور لم تكن معروفة بالمغرب قبل منتصف القرن التاسع عشر تحديدا، مبرزا أن الاعتماد على الخدمات الطبية الأوروبية أضحى خلال القرن التاسع عشر أمرا لا يمكن تفاديه بحكم الحاجة الماسة إليها وغياب بديل محلي (مغربي) حقيقي.

وأشار إلى أن الطب لم يعد يلقى الاهتمام تدريسا وتكوينا وممارسة، ذلك أن أهم مركز تعليمي في المغرب، وهو جامعة القرويين، انقطع عن منح إجازات في الطب اعتبارا من سنة 1832، مؤكدا أن الإرساليات الطلابية إلى مختلف الدول الأوروبية إبان القرن التاسع عشر لم تغير في الشيء الواقع المشار إليه سابقا، وهو تدهور الطب تدريسا وممارسة وتأليفا.

وأرجع الدكتور المغربي سبب الوضعية إلى توجيه معظم الطلبة لتعلم الشؤون العسكرية، أما عدد المكونين في الميدان الطبي فكان محدودا جدا، ومن ثمة أضحى الاعتماد على الأطباء الأوروبيين ضروريا حتى لدى السلاطين الأكثر محافظة، وفي مقدمتهم السلطان مولاي سليمان، إذ اضطر هذا الأخير إلى أن يطلب من الإمبراطور الإسباني إعانة طبية إثر اجتياح الوباء الفتاك للمغرب سنة 1799.

وقد عرف الحضور الطبي الأوروبي في المغرب تغييرا ملموسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حسَب المؤلَّف، لا سيما بعد حرب تطوان التي أظهرت هشاشة المخزن وعرّت ما بقي لديه من هيبة، حيث تفطن الأوروبيون، أكثر من أي وقت مضى، إلى فاعلية الطب في اختراق مكونات المجتمع المغربي.

وَوَظف عدد من المغامرين والجواسيس صفة طبيب لعبور حواضر المغرب وقبائله أو الاستقرار فيها، منهم الجاسوس الألماني Gehard Rohlfs المعروف في المصادر المغربية بمصطفى النمساوي أو مصطفى الألماني، والمستكشف الفرنسي Duveyrier، والمغامر الإسباني خواكين كائيل، والألماني Krake، والطبيب الإنجليزي John Davidson.

كما جمع عدد من الأطباء المنتحلين لمهنة الطب بين العلاج والتنصير، وفق الكتاب، إذ وظفوا التطبيب في محاولة لصد المغاربة عن دينهم، وهو ما قامت به الهيئات التنصيرية المتنوعة، إنجليزية وأمريكية وغيرها، وهو ما انتبه إليه المخزن في فترة لاحقة.

وإذا كان الأوروبيون قد وظفوا الخدمات الطبية لاختراق المغرب إبان القرن التاسع عشر، فإن الفرنسيين والإسبان كانوا مجبرين، بعد فرض حمايتهم على المغرب سنة 1912، على العناية بالأوضاع الصحية في المغرب بما يخدم وجودهم فوق أرضه، مرتكزين على الرصيد الذي تحقق خلال القرن التاسع عشر، المتمثل أساسا في التكسير الملموس للنفور التقليدي من الأوروبيين، يخلص إلى ذلك المؤرخ المغربي.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 32 مشاهدة
نشرت فى 28 إبريل 2020 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

280,580