إبن سلمان والمسمار الأخير.. السقوط الوشيك لمملكة الرمال
<!--<!--
عرفات الرميمة كاتب وأكاديمي من اليمن المصدر: الميادين نت
نشر موقع "ديفينس وان" الأميركي المُتخصّص في شؤون الدفاع قبل عامين تقريباً تقريراً بعنوان "أبدأوا الاستعداد لسقوط المملكة السعودية" وقد طلب من واشنطن بأن تكون جاهزة لسقوط مملكة الرمال.
الكثير من مراكز الأبحاث المُعتمَدة في الغرب تتنبّأ بالإنهيار الوشيك للمملكة السعودية. ربما يكون محمّد بن سلمان هو المسمار الأخير الذي تدقّه مطرقة الرأسمالية المتوحّشة في نعش المملكة المُتهالِك خصوصاً بعد أن قلّ شاكروه وزاد شاكوه في الداخل والخارج. وهناك العديد من الأسباب المنطقية ـ الفكرية منها والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ـ التي تُسرِّع في سقوط المملكة، ليس أولها أنها تعيش في مرحلة أرذل العُمر بعد اشتعال رأسها شيباً وتنكيس خلقها وخُلقها بفعل سفه حكّامها من العدوان على اليمن والانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بسرعة غير محسوبة، واغتيال خاشقجي ـ والعديد من الأسباب التي سوف يناقشها هذا المقال ـ وهو ما يتوافق مع ما ذكره العلاّمة عبد الرحمن بن خلدون عن حياة الدول. فالسعودية هي مملكة الكراهية ـ بحسب توصيف دوري غولد في كتابه الذي يحمل نفس العنوان ـ التي نشرت الفكر الإرهابي الوهّابي ودعمت الإرهابيين خصوصاً في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001م.
وهي كذلك الدولة الهشّة بحسب التوصيف الذي اختاره الصحافي الأميركي كارين إليوت هاوس عنواناً لكتابه ـ الصادر عام2012م في واشنطن ـ عن حال مملكة الرمال، يتنبّأ فيه بالسقوط الحتمي للسعودية لأن عوامل بقائها على قيد الخريطة الدولية ومناعتها الاقتصادية والسياسية والدينية بدأت تتآكل من الداخل.
وهذا ما بشّر به أستاذ مادة التاريخ الحديث في جامعة كامبريدج كريستوفر ديفيدسون في العام 2013 في مؤلَّفه "ما بعد الشيوخ" وقصد به الانهيار المقبل للممالك الخليجية ـ وعلى رأسها السعودية ـ وهو يرى أن مجموعة ضغوط داخلية وخارجية بدأت تتراكم في تلك الممالك قبل أحداث 2011، وقد توقّع أنه في حال سقطت إحدى دول الخليج "الهشّة" لأيّ سبب، فإن البقية ستتهاوى كأحجار الدومينو تباعاً.
وفي الوقت الراهن هناك الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية المُعتمَدة في الغرب ـ ذات المصداقية العلمية المشهود لها على مستوى العالم ـ جميعها تتنبّأ بالانهيار الوشيك للمملكة السعودية وانقراض عائلة عبد العزيز بن سعود، بناء على مُعطيات ووقائع ودراسات اجتماعية واقتصادية مُتخصّصة.
من تلك المراكز ـ على سبيل المِثال لا الحَصْر ـ مركز فيريل للدراسات في برلين في ألمانيا والذي نشر دراسة عام 2016م من جزءين عنوانها: "2023م لن تكون هناك دولة إسمها السعودية". وفحوى الدراسة أن انهيار السعودية آتِ لا محالة وقد توقّعه الكثير من الخبراء الغربيين خلال عقودِ قادمة، لكن الأسرة المالِكة بتصرّفاتها الصبيانية وسلوكها المُنحَرِف تُسرِّع في عملية الانهيار، وقد رأت الدراسة أن الأمم تنتهي من الداخل إلى الخارج، وتقول: نحن في مركز فيريل للدراسات نتوقّع انهيار المملكة السعودية عام 2023م.
تلك الدراسات المُستقبلية تعتمد على مُعطياتٍ حقيقية، فمن المعلوم أن مملكة الرمال قامت على ثلاثة أعمدة مثّلت مثلّثاً متساوي الأضلاع، وكانت سبباً في تماسكها وبقائها قوية طيلة الفترة الماضية هي: تماسُك العائلة الحاكِمة والتحالف والشراكة مع المؤسّسة الدينية الوهّابية وتصدير النفط .
سقوط الضلع الأول
ليس خافياً حجم الخلافات داخل الأسرة الحاكِمة خصوصاً بعد إقصاء محمّد بن سلمان لكلٍ من محمّد بن نايف ومتعب بن عبدالله والكثير من أبناء المؤسِّس وحَبْس الكثير من الأمراء في الريدز عام 2018م والاستيلاء على أموالهم بحجّة مُحاربة الفساد ـ الذي يغرق فيه إلى قمة رأسه ـ والاضطرابات الداخلية من داخل الأسرة الهالِكة هي السيناريو الأقرب لانهيار العائلة الحاكِمة وليس التهديد الخارجي، وما حدث في بداية شهر آذار/مارس الماضي من اعتقالٍ للأميرين أحمد بن عبدالعزيز ومحمّد بن نايف وبتوجيهٍ من وليّ العهد، يؤكّد ما ذهبنا إليه إذ كانا يحاولان تعيين أحدهما رئيساً لمجلس البَيعة لمنع وصول محمّد بن سلمان إلى العرش، وهذا هو التهميش الذي قصدته صحيفة الغارديان البريطانية وبحسب موقع (ميدل إيست آي) أن عدد الأمراء المُعَتقلين مؤخّراً بلغ العشرين أميراً. تلك الصِراعات والاعتقالات بين الأحفاد وبعض أبناء المؤسِّس كسرت التماسُك الذي كان قائماً داخل الأسرة الحاكِمة وسقط معه الضلع الأول في مثلّث المملكة.
سقوط الضلع الثاني
وقد مثّل تهميش المؤسَّسة الدينية وجعلها خادمة لنزوات وقرارات محمّد بن سلمان الذي قلَّص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنًهي عن المُنكر، وجعل مؤسّسة الترفيه بديلاً مُستقبلياً عنها إسفيناً آخر دقّه بن سلمان في نعش المملكة المُتهالِك، ومثّل اعتقال بعض الدُعاة وخُطباء المساجد والنُشطاء السياسيين المُعارضين لسياسات بن سلمان بِتَهمِ الانتماء إلى تنظيم الإخوان كَسْراً لهذا الضلع الذي كانت مهمته ليّ عنق الدين لصالح سياسات الأسرة الحاكِمة، وجعل الفتوى مطية لتحقيق أحلام الملوك. لقد كُسِرَت هيبة الفتوى في السعودية التي تحمي الملك بقوَّة الدين وكُسِرَت معها هيبة الملك الذي كان يحميها بقوَّة السلاح والمال، وتبيَّن للمجتمع أنها الناطِق الرسمي باسم السياسة ولا تُشبه الدين إلا كما يُشبه القرد الإنسان.
سقوط الضلع الثالث
مثّل إنهيار أسعار النفط طيلة الأعوام الماضية عامِلاً مُحفّزاً يُعجّل في السقوط الوشيك للسعودية، والسبب في بعض ذلك هو اكتشاف النفط الصخري خصوصاً في أميركا. وقد تم الإعلان بداية عام 2016م أن الإنتاج الأميركي من النفط سيتجاوز السعودية وروسيا وهو أكثر من 10 ملايين برميل يومياً. ويؤكّد الخبير الاقتصادي جيري روبسو على أن السعودية تحتاج إلى سعر (105) دولارات لبرميل النفط إذا أرادت مواجهة الانهيارالاقتصادي، كما أن نفاد الاحتياطات النقدية لها سيكون أسرع مما كان متوقّعاً لها (نهاية 2018 أو بداية 2019م)، فتجارة النفط كانت سبباً في ازدهار السعودية وعلوّ مكانتها، وسوف تكون كذلك سبباً في انتكاستها وسقوطها. وقد بدا ذلك واضحاً من العجز الذي تُسجّله الميزانية السعودية للسنة الخامسة على التوالي وتآكل الاحتياطي النقدي، ولجوء المملكة إلى طلب قروض من البنوك العالمية للعام الخامس على التوالي لتدعيم الصناديق السيادية.
والانهيار الأخير في أسعار النفط قبل شهر وتزامنه مع جائِحة كورونا وإغلاق السعودية للسياحة الدينية والغَرَق السعودي في مُستنقع العدوان على اليمن، كل ذلك يُثقِل كاهِل الاقتصاد السعودي وسوف يُصيبه بالترهّل، وقد توقّعت وزارة المالية السعودية أنه في العام الحالي سيرتفع عجز الميزانية إلى 49.86 مليار دولار من 34.93 مليار دولار في عام 2019. والسبب، هو تضرّر الإيرادات المالية نتيجة تراجُع أسعار النفط.
كل تلك الأسباب جعلت التنبؤ بانهيار مملكة الرمال وشيكاً، فالمُستشرِق اليهودي شاؤول يناي الذي يرى في السعودية حليفاً لـ"إسرائيل" يؤكّد أن ما يواجه العائلة الحاكِمة سوف يؤدّي بهم إلى الزوال الحتمي وذلك بناء على مُقدّمات منطقية ناقشها الكاتِب ليصل إلى تلك الحقيقة المتوقّعة منها الجَمْع غير المنطقي بين العَصْرَنة ـ التي يقودها الآن بشكلٍ واضحٍ محمّد بن سلمان ـ والمحافظة الشديدة المُتزَمّتة التي تتمسّك بها المؤسّسة الدينية، هذا التناقض بين أقصى اليسار وأقصى اليمين هو ما سيولّد حالأ من التمزّق وانعدام الهوية التي ستؤدّي بها إلى الانتحار والزوال الحتمي.
وقد نشر موقع (ديفينس وان) الأميركي المُتخصّص في شؤون الدفاع قبل عامين تقريباً تقريراً بعنوان "ابدأوا الاستعداد لسقوط المملكة السعودية" للكاتبين ساره شايز واليكس دي وول، نقلا فيه حيثيات قولهما بسقوط السعودية، وقد طلبا في نهاية التقرير من الولايات المتحدة بأن تكون جاهزة لسقوط مملكة الرمال قريباً والتعامُل مع ذلك كواقع. وهذا عين ما توقّعه المُحلّل السياسي الفرنسي الأشهر تيري ميسان من أن العائلة الحاكِمة في السعودية سوف تجد نفسها أمام حركات التمرّد القَبَلي وأمام ثورات اجتماعية لم تعهدها ولا قِبَل لها بها وربما تكون ـ من وجهة نظره ـ أشدّ فتكاً ودموية من كل الثورات التي شهدها الشرق الأوسط مؤخّراً.
وهناك العديد من الدراسات والتوقّعات لا يسمح المجال بعرضها في هذه العُجالة، وسوف نشير إلى سنّة كونية ذكرها القرآن في قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرا).
وتلك سنّة إلاهية مؤكَّدة وهي أن زوال الأمم سببه ترف وطغيان وفسق حكّامها، وهل هناك مَن هو أطغى وأفسق وأترف من حكّام عيال سعود وخصوصاً محمّد بن سلمان؟ إن مستقبل مملكة الرِمال حالِك لا محالة، وحتماً أنها سوف تصبح رمالاً في يومٍ من الأيام بلا مملكة.
ساحة النقاش