حرب الكورونا القادمة في سوريا؟
<!--<!--
ـ “راي اليوم” ـ أ. د. مكرم خُوريْ – مَخُّول* أكاديمي ومدير المركز الأوروبي لدراسات التطرف – كيمبريدج، أنجلترا
تدعى هذه المقالة أنّ بعض مخططي وممولي ومنفذي الحرب الإرهابية على الجمهورية العربية السورية والتي دخلت عامها العاشر قد “يسهلوا” انتشار فيروس الكورونا في سوريا في الأسابيع والأشهر القادمة كجزء من حربهم العامة والتي انتهت بفشلهم بأساليبها العسكرية التقليدية منذ أكثر من عام وذلك في محاولة لتقويض أو على الأقل إضعاف الدولة السورية وليحققوا بذلك ما لم يحققوه في سنوات الحرب محاولين أيضا ‘اصطياد’ بعض الشرائح المجتمعية (أكبر عدد من اللاجئين السوريين والفلسطينيين في مخيمات اللجوء) في لبنان المجاور.
في الرابع عشر من آذار 2020 وعندما وصل تأثير الفيروس الى ذروته في الصين (وإيران) وقبل انتشاره بنسبة ملحوظة صرحت في برنامج ‘مسائية’ قناة ‘الميادين’ المتلفز أنّ مصيبة انتشار الكورونا هي ليست أزمة وباء وإنما حرب. وقد تكون ‘بروفا’ لحرب عالمية بيولوجية رابعة ليس بالضرورة إثنية – قومية؟.
لن أتطرق في هذه المقالة إلى مسألة ما إذا كانت قد تمت هندسة فيروس الكورونا في المختبر أم لا (وهذا نقاش بين الخبراء وله منشورات علمية متعددة) أو إذا ما تم تسرب الفيروس من مختبر عن طريق الخطأ أو مع سابق التخطيط والإصرار؛ إلا أنني أقول وبعد رصد الأبحاث العلمية ومشاهدة لتطور انتشار فيروس الكورونا عالميا ومنذ ثلاثة شهور أنه بالإمكان تقسيم الدول التي ينشط فيها الفيروس الى الفئات التالية:
1. الدول الكبيرة التي تدير حملة حرب الكورونا بشكل مهني إعلاميا ومنذ مطلع آذار الماضي.
2. الدول التابعة (الملاحق) للدول التي تدير الحملة وما أعتقد أنها مخطط كوني – كما ورد في البند الأول.
3. الدول المتروكة في ‘الظلام’ وكل ما فيها أن تفعله هو عدم الاكتراث ولو إعلاميا (بالأعمال الشريرة التي ممكن أن تقف وراء انتشار الفيروس) والتركيز على إجراءات وقائية ضد انتشار الفيروس.
4. الدول (والمناطق) المستهدفة التي قد يتم تسهيل دخول وانتشار الفيروس فيها للتخلص من مواقفها السياسية أو الصراع السياسي-العسكري المسلح والذي دام طويلا ‘وأصبح مكلفا…أو المساس باقتصادها عبر ضرب سياحتها.
اثناء كتابة هذه المساهمة كانت في سوريا ثمان حالات وحالتي وفاة وكانت قد فرضت الحكومة منع تجول من الساعة السادسة مساء.
وكانت قد وصلتني في الأسبوع الأخير من شهر آذار رسالة صوتية مسجلة من طبيب (مسؤول) في سوريا وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي يدعى فيها أنّ فيروس الكورونا سينتهي في نهاية آذار – مطلع نيسان. إضافة إلى أنّ هذا التقييم خاطئ فهو يستند بالأساس على ‘الفوبيا’ التي ترافق انتشار الكورونا – وبالتحديد حملات التخويف وزرع الهلع وليس على معلومات علمية حول انتشار الفيروس في الدول المختلفة في العالم.
اعتقادي أنّه كما كانت إيران دولة مستهدفة (وهذا لا يقلل من مساهمة العادات الاجتماعية في عدم الحد من انتشار الفيروس) فكذلك أيضا ستكون سوريا عرضة وكذلك السوريين (والفلسطينيين) في لبنان مستهدفين في هذه الحرب البيولوجية.
منذ عقدين يتم الحديث (بحثيا علميا وشعبيا) عن إمكانية حدوث حرب فيروسية – بيولوجية بمنابر ووسائل مختلفة ومن قبل شخصيات علمية أو مالية مختلفة وغالبية العالم (ليس العلماء) كانت تظن أنّ هذا الحديث هو ضرب من الأفلام أو الأوهام!
ولذلك وبما أنّ حرب الكورونا الآن أثبتت أنّ هذه الحرب الفيروسية هي واقع، فلا يسعني إلاّ أن أحمل ما قاله السفير الأمريكي الأسبق لدى البحرين آدم إيريلي في تغريدة على تويتر يوم الاول من نيسان 2020 في محمل الجد وليس في إطار ‘زرع الخوف’ إذ جاء في تغريدته ما يلي:
“إن كنتم تعتقدون أن نيويورك لديها مشكلة، فانتظروا فقط حتى يضرب فيروس كورونا الجديد الملايين من النازحين واللاجئين في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا (وكينيا) وغزة “
ووصف إيريلي هذه الدول بأكثر المناطق “كثافة سكانية على الأرض وبأن التباعد الاجتماعي مستحيل فيها وبأنها تعاني من فشل بجهود التعقيم وبأن الرعاية الصحية بأدنى مستويات.. وأنها من حيث تأثير الكورونا هي عبارة عن “قنبلة موقوتة “.
وتأتي تغريدة إيريلي، الذي شغل في الماضي أيضا منصب نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية سابقا، كتعليق على تغريدة للجنة الصليب الأحمر في نيويورك، والتي قالت فيها: “الانتصار على الجائحة يكمن فقط عندما تجتمع الدول والوسائل والموارد معا لاحتواء ومحاربة انتشار الفيروس.. هذا هو الطريق الوحيد للسير قدما“.
صحيح أنّه ولغاية الآن نسبة الكورونا طفيفة للغاية في سوريا. إلاّ أنّ إمكانية أن تقوم جهة معينة بتسهيل إيصال ونشر الفيروس في مناطق مختلفة من الجمهورية العربية السورية ليس بالأمر الصعب وأنّ مناطق شرق الفرات والشمال المحتلين من القوات الغازية الأمريكية والتركية إضافة إلى الصراعات مع المجموعات الكردية المسلحة والإرهابيين تجعل احتمال بدء الإنتشار المتعمد في سوريا أمرا سهلا. فبالإمكان إرسال بعض الطائرات المسيرة الصغيرة لتنفيذ هذا المخطط – الكابوس. وكما استعمل الإرهابيون ومشغليهم المواطنين الأبرياء العزل دروعا بشرية، فبإمكانهم نقل العدوى بعدد صغير من الإرهابيين ‘والتضحية’ بهم وبالعملاء والعاملين في وسائل النقل والذين يخدمون جهات عدة ويمرون من منطقة الى منطقة لنقل وانتشار الفيروس!؟
قد تكون هناك محاولة أيضا لزرع ونشر الفيروس في أوساط الجيش العربي السوري أو بعض القادة المهمين في سوريا ولكن الهدف الأسهل لربما هو زرعه ونشره في أوساط اللاجئين والنازحين السوريين في سوريا وفي لبنان وبذلك خلق أزمة إنسانية تزاوجها حملة دعائية ضد الحكومة السورية واتهامها بجرائم حرب بينما يكون الهدف التخلص من أكبر عدد من اللاجئين السوريين في أكبر عدد ممكن من المناطق الجغرافية لتخلص من كلفتهم الاقتصادية. كما قد يحصل انتشار لفيروس الكورونا في مخيمات اللجوء في لبنان وفي تلك التي تأوي لاجئين سوريين. أما بالنسبة لمخيمات اللجوء الفلسطيني فقد وردت
تصريحات لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والتي انتقد فيها إجراءات الحكومة اللبنانية للحد من انتشار فيروس كورونا مطالبا إياها بإغلاق المخيمات الفلسطينية في لبنان.
بينما سجلت سوريا قبل شن الحرب عليها مطلع عام 2011 اكتفاء ذاتيا إذ كانت صناعة الأدوية قطاعا ناجحا ليس من الخطأ الافتراض أنّ بلدا مستنزفا بشريا وماليا وعسكريا وصحيا (قصف وتدمير مستشفيات) من حرب طويلة ان يكون عرضة او فريسة سهلة لانتشار الكورونا رغم ان البنية الديمغرافية والمكونة غالبا من الشباب قد تشكل جودة مناعتهم فيها جدارا واقيا امام القوة الفتاكة للفيروس.
فقد وفرت (في الشهر الأخير) ما تم تسميتها ولمدة عقود بالدول الأوروبية المتطورة أمثلة مذهلة على عدم استعدادها لتوفير أبسط المواد الطبية مثل ‘جيل الكحول’ لتعقيم الايدي والكمامات والقفازات المعقمة ناهيك عن عدم استطاعتها توفير الكمية اللازمة لأجهزة التنفس وإجراء فحوصات الإصابة بالكورونا وتوفر ‘مسحات القطن الطبي’.
إضافة إلى أنّ الإعتداء على مصادر المياه والينابيع في سوريا من قبل الإرهابيين ورغم إعادة السيطرة من طرف الدولة على غالبيتها سببت بتقليل توفر المياه النظيفة (في كل مكان) لكي تتوفر الفرصة لغسل اليدين (بالمياه الساخن والصابون) بوتيرة عالية إضافة إلى أنّ التباعد الاجتماعي (لعدم انتشار العدوى) في بعض المجتمعات والتجمعات العربية قد يكون صعب التنفيذ.
ولكن بالمقابل، ورغم هجرة العديد من الأطباء السوريين إلاّ أنّ البعض الآخر بقي في وطنه وخدم وما زال يخدم أبناء شعبه بإخلاص وتفاني كما واكتسب الكثير من الخبرة الطبية ألتي لا تضاهى من وخلال الحرب مما قد يجعل المعرفة الطبية لديه عالية (في سوريا).
الوجود الروسي غرب سوريا بالتحديد قد يكون عاملا مساعدا في حالة انتشار الوباء لكنه لن يكون كافيا.
أما الحصول على معلومات وتعاون في مجال مكافحة الكورونا مع ومن الصين والتي تعتبر شقيقة لسوريا قد يكون عاملا حاسما في إطار الواجب الاستراتيجي ولا أعتقد أن عدم توفر الميزانيات لشراء المعدات وبالكم المطلوب ستشكل تحديا كبيرا.
إن تعاون المواطنين مع الدولة وأجهزتها الطبية والمهنية والتوعوية من شأنه الحد من انتشار فيروس الكورونا وبالتحديد عندما تقوم الدولة بالعمل على حماية المواطنين و”عدم التوقيع على الاشتراك في نموذج التخلص من الشرائح الضعيفة والمتقدمين في السن” كالذي يحصل في بعض الدول الأوروبية حاليا، إذ وبسبب شح الأدوات والمعدات وبقية المستلزمات الطبية يتم وضع الأطباء في وضع غير أخلاقي يضطرون فيه العمل على إنقاذ الغير متقدمين في السن على حساب المتقدمين في السن والشرائح الضعيفة.
مما لا شك فيه أنّ التكاتف الاجتماعي والتعاضد بين المؤسسات المختلفة كوضع وزارة الأوقاف مؤسستي “دار الأمان” في كفر سوسة والمرجة بدمشق والمجهزتين بألف سرير تحت تصرف وزارة الصحة إضافة الى وضع جميع المبرات الإسلامية بكافة المحافظات تحت تصرف وزارة الصحة بحال اقتضت الضرورة للحجر الصحي أمر مساعد جدا ويبقى السؤال إذا ما كان بالإمكان توفير القوة الطبية والتمريضية الكافية مثل طلاب كليات الطب والتمريض والمتطوعين لهذا العدد؟
إنّه على الدولة السورية ألتي أثبتت صمودها الأسطوري في الحرب الكونية عليها ألاّ تضيع فرصة التصدي لمحاولة الهجوم عليها ‘كورونيا’ – واعتقادي أنّ هذا سيناريو محتمل. فبعيدا عن البيروقراطية المتكلسة، وذات الدينامية البطيئة في رد الفعل، وغير الخلاقة في إدارة الازمات على القيادة السورية أخذ الموضوع بأقصى درجات الجدية والمهنية ووضع برنامج شامل بالتعاون مع الكوادر الصحية وبقية المؤسسات والمواهب والمهنيين السوريين للخروج باقل نسبة أضرار.
ساحة النقاش