لماذا نَشعُر بالصّدمة ونحن نرى منظر “المُقاتلين” السوريين الأسرى المُهين في ليبيا؟ وكيف يُذكِّرنا أحدهم وهو يَستجدِي المال من آسريه بالمُعتصم القذافي في لحظاتِه الأخيرة مع الفارق؟ ولِمَن ستكون الغلَبة في النهاية لـ”طبّاخ بوتين” أم للرئيس أردوغان؟.
<!--<!--
“رأي اليوم” كلمة رئيس التحرير عبد الباري عطوان
تزدحم وسائل التّواصل الاجتماعي هذه الأيّام بأشرطةٍ مُصوَّرةٍ “صادمة” أبطالها “مُقاتلون سوريّون” أرسلتهم السّلطات التركيّة للقِتال في صُفوف حُكومة الوفاق الليبيّة، ووقعوا في أسر القوّات التّابعة للجِنرال خليفة حفتر المدعوم إماراتيًّا ومِصريًّا وروسيًّا وسَعوديًّا وأمريكيًّا وفرنسيًّا.
نقول أنّ هذه “الفيديوهات” صادمة، لأنّ “المُقاتلين” السوريين يظهرون بصورةٍ مُهينةٍ، ويُعاملون بطريقةٍ “فظّة” من قبل سجّانيهم، ويُدلون بأسمائِهم، والمُدن السوريّة مسقط رأسهم مِثل حمص وحماة وحلب، ويُعبّرون عن ندمهم، ويعترفون أنّهم جاءوا إلى ليبيا بسبب الإغراءات الماديّة، وأبرزها الحُصول على 2000 دولار في الشّهر، ووعد بالجنسيّة التركيّة لهُم، وعائِلاتهم في المُستقبل، أيّ بعد تحقيق النّصر، هذا إذا لم يعودوا في التّوابيت، وهو الأكثر ترجيحًا.
نُدرك جيّدًا أنّ هذه “الفيديوهات” دعائيّة بالدّرجة الأولى، وجُزءًا من الحرب النفسيّة في هذه الحرب “الأهليّة” القذرة التي تجري على الأرض الليبيّة، فطَرفاها والدول الداعمة لهما تُجنِّد المُرتزقة للقِتال في الجبهات الأماميّة، فهُناك سودانيّون وتشاديّون، وروس، يُقاتلون في صُفوف قوّات الجِنرال حفتر، والسوريّون والشيشانيّون والتركمان والقوقازيّون، والجميع مُرتزقة دوافعه المال دون أيّ استثناء، والضحيّة الشّعب اللّيبي الذي يعيش نِصفه في المنافي في ظروفٍ بائسةٍ، فلم يظفَر بالديمقراطيّة ولا بالنّظام الديكتاتوري، وإنّما المزيد من الجُوع والفقر وسَفك الدّماء و”الكورونا” والمُستقبل المَجهول.
***
نَكتُب عن هؤلاء الشبّان السوريين دون غيرهم الذي يصل عددهم إلى أكثر من خمسة آلاف، جرى تجنيدهم عبر مكاتب خاصّة في إسطنبول وظّفتها الحُكومة التركيّة لهذا الغرض، بمُناسبة دُخول “الأزمة” السوريّة عامها العاشر، وانحِراف “الثّورة” عن أهدافها، وتحوّل بعض فصائلها إلى أدواتٍ في يَد داعِميها لتحقيق أغراضهم، ونحن نتحدّث هُنا عن الدّاعم التركيّ الذي تخلّى عن حُلفاؤه وشُركاؤه، وبقِي وحده في السّاحة ابتداءً من أمريكا ومُرورًا بفرنسا، وانتهاءً بالسعوديّة وقطر والإمارات، ومِن المُفارقة أنّ مُعظم هؤلاء الحُلفاء يُقاتلون الآن إلى جانب الجِنرال حفتر ضِد حُكومة الوفاق في طرابلس التي تدعمها تركيا، وتُرسِل المُقاتلين والمدرّعات والطّائرات المسيّرة لمنع سُقوطها.
الحُكومة التركيّة لا تُرسل هؤلاء السوريين إلى ليبيا لدعم ثورة شعبيّة تُطالب بإطاحة نِظام ديكتاتوري مُستَبد، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، وإنّما من أجل مصالح اقتصاديّة بالدّرجة الأولى، أبرزها عُقود جرى توقيعها مع حُكومة الوفاق تُعطي شركات تركيّة حُقوق التّنقيب عن النّفط والغاز، وحصّةً في صفقات مشاريع البُنى التحتيّة تصل قيمتها إلى حواليّ 30 مِليار دولار، وسُقوط هذه الحُكومة يَعنِي خسارة كُل شيء.
فالجنرال حفتر الذي يتباهى بالدّعم الأمريكيّ وعُلاقته القويّة مع وكالة المُخابرات المركزيّة (سي آي إيه) ودعمها له وتدريبها لقوّاته للقيام بأكثر من مُحاولة لقلب نظام حُكم العقيد معمر القذافي، كان شريكًا في المُؤامرة الغربيّة للإطاحة بالنّظام المذكور عبر غارات حلف النّاتو جنبًا إلى جنب مع السيّد السراج والفصائل الإسلاميّة وغير الإسلاميّة الدّاعمة له في طرابلس ومِصراته، ومِن المُفارقة أنّ تركيا كعضو في الحِلف، كانت مُشاركةً في هذه الحرب جنبًا إلى جنبٍ مع خُصومها الحاليين في ليبيا، والمُفارقة الأكبر أنّ المُقاتلين في جبهات القِتال في طرابلس تدرّبوا على أيدي ضبّاط المُخابرات الأمريكيّة سوريين كانوا أو ليبيين ومُرتزقة في صُفوف طُبرق “الحفتريّة”.
إنّها حربٌ من أجل الارتِزاق، والمصالح الاقتصاديّة، والاستِيلاء على السّلطة، وليس لها أيّ علاقة بالقيم والأخلاق والديمقراطيّة والحُكم الرشيد، ووقودها الليبيّون أوّلًا، وهؤلاء من الشبّان السوريّون الذين تعرّضوا لأكبر خدعة في التّاريخ الحديث، عندما حمَلوا السّلاح ضِد جيش بلادهم أوّلًا لخدمة مُخطّطات أمريكيّة غربيّة بحتة مُعادية للعرب والمُسلمين، وللثّأر من حُكومات انخرطت في أربع حُروب ضِد إسرائيل، وثانيًا، لأُخرى تتقاتل حُكوماتها على الكعكة النفطيّة الليبيّة.
شَعرنا، ونَشعُر بالألم، ونحن نرى أحد المُقاتلين السوريين المخدوعين الأسرى مُنبَطِحًا يتوسّل إلى أحد آسِريه “الغُلظاء” شربة ماء، الأمر الذي ذكّرنا بالمعتصم معمر القذافي بعد إلقاء القبض عليه مُباشرةً، ثمّ تفجيره بقذيفة مدفع “آر بي جيه” مع الفارق الكبير في المشهدين، فالأوّل قاتل من أجل المال والجنسيّة، والثّاني من أجل “دولة” ونظام حُكم في مُواجهة غزو أجنبي اتّفقنا مع هذه الدّولة أو اختلفنا.
لا نعرف ما هو الشّعور الحقيقيّ لهؤلاء “المُقاتلين” السوريين “المُرتزقة” وقد وجدوا أنفسهم يُقاتلون على أرض تبعد عن حلب وحمص ودِمشق أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، ومن أجل المال فقط بعد إكمال “ثورتهم” عامها التّاسع ودُخولها عامَها العاشر، نسأل هذا السّؤال لهُم، وليس للمُرتزقة الروس الذين جنّدتهم شركة “فاغنر” التي يملكها “طبّاخ بوتين” أو مالكها يفغيني بريغورين، رجل الأعمال الذي حصل على هذا اللّقب لأنّه كان مُتعهِّدًا لإيصال الوجبات الشهيّة إلى الكرملين، فالمُرتزقة الروس احترفوا هذه المِهنة، ولم يخدعهم أحد بالفتاوى والشّعارات، ويزج بهم في آتون المعارك وتدمير بلادهم تحت عُنوان الديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة وتغيير النّظام الديكتاتوري.
***
عندما اتّضحت ملامح المُؤامرة على ليبيا في شباط (فبراير) عام 2011، وبدأت طائرات حلف النّاتو تقصف طرابلس تحت ذريعة حِماية الثورة، كتبنا مقالًا على الصّفحة الأولى في جريدة كُنّا نرأس تحريرها عُنوانه “بروفة ليبية والهدف سورية” ولكن لم يخطر ببالنا مُطلقًا أن نرى “ثُوّارًا سوريين” يُشحَنون إلى ليبيا للقِتال في حربٍ ليس لهم وفصائلهم فيها “ناقة أو جمل”.
انتقلت المُؤامرة إلى سورية وكاد السيناريو نفسه يتكرّر في الجزائر، وربّما دول عربيّة أخرى، فالغُرف السوداء المُغلَقة كانت وما زالت جاهزةً، ولكن إرادة الشّرفاء المُؤمنين بهذه الأمّة وعقيدتها كانت وما زالت هي الأقوى.. والأيّام بيننا.
10 تعليقات
الأشعريToday at 8:49 pm (45 minutes ago)
لا أسف على المغفلين !! فالمغفلين هذا مصيرهم.
taboukarToday at 8:48 pm (46 minutes ago)
هذا إن دل على شي فهو دلالة قطعية على أن سوريا مغدورة من بعض أهلها أولا .. و البقية صامتة.. أو نازحة!!! و ليبيا نفس الشيء.
AnonymousToday at 8:08 pm (1 hour ago)
المال ثم المال ثم المال والشيطان.
فتش عن قطرToday at 8:07 pm (1 hour ago)
إنها قطر يا أبو خالد أبو الإرهاب وأمه وراعيته. تفعل في ليبيا مثلما فعلت في سوريا؛ إغراء بالمال ووعود بمناصب عليا أما تركيا فهي أيضا تقوم بالسمسرة أو بدور الوكيل مقابل مبلغ مادي كبير. قطر ما زالت تمارس دورها التخريبي في الدول العربية خدمة للصهيونية العالمية.
taboukarToday at 8:03 pm (1 hour ago)
اللي ما فيه الخير في وطنه.. ما فيه الخير في وطن غيره.. لعل هذا فيه تخفيف للصدمة. وهذا ينسحب على كل المتآمرين على ليبيا .. دول و منظمات و مرتزقة و مجرمين و أصحاب المصالح . والعصابات المختلفة الجنسيات.
وسيمToday at 8:01 pm (1 hour ago)
هذه هي الفوضى الخلاقة لتحقيق الشرق الأوسط الجديد التي افتخر الرئيس التركي أردوغان في خطابه الشهير عام ٢٠٠٦ بأنّه مكلَّف بتنفيذها في المنطقة. ولمن يريد التأكد بإمكانه مشاهدة الفيديو صوت وصورة على اليوتيوب
taboukarToday at 8:01 pm (1 hour ago)
اللي ما فيه الخير في وطنه .. ما فيه الخير في وطن غيره .. لعل هذا فيه تخفيف للصدمة. وهذا ينسحب على كل المتآمرين على ليبيا .. دول ومنظمات ومرتزقة ومجرمين وأصحاب المصالح.
رشاد زكارنهToday at 7:58 pm (1 hour ago)
الثائر الحقيقي لرفع الظلم عن شعبه في بلده لا يمكن أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى مرتزق يساند الظلم على شعب بلد آخر؛؛ وهؤلاء السوريون مرتزقة أردوغان في ليبيا دلالة على أنهم خونة وعملاء اشتراهم أردوغان شيالوك بالمال لطعن شعبهم العربي السوري ودولتهم بالظهر ثم بعد أن أصبح لديه فائض عملاء منهم قام بنقلهم إلى جبهة عربية شقيقة أخرى(ليبيا) ليطعن بهم شعبها المظلوم من بطش وعدوان وحوش الامبريالية ووحوش الاستعمار القديم وعملائهم من الحكومات العربية.
عبد الالهToday at 7:38 pm (1 hour ago)
أيضا يجب علينا أن لا ننسى أمرين:
1) أنّ الأنظمة العربية ومن ضمنها السوري والليبي هي فاسدة وديكتاتورية وشمولية لا تستحق الاحترام وهي سبب ما حدث في بلادها بقصد أو بدون قصد لأنها سهلت للأجنبي التدخل في شؤونها بسياساتها تجاه شعوبها وعدم احترامها لها ويجب علينا أن لا ننسى أن مقاومة المستعمرين لا تستوجب الفساد وسرقه المال العام والديكتاتورية والحكم بالحديد والنار ويجب أن لا ننسى أن ذلك المستعمر لم يضع السلاح على رؤوس المسئولين في تلك الأنظمة وقال لهم اسرقوا أموال شعوبكم وزجوا بهم في أقبية المخابرات الخ.
2) هناك أخبار عديدة عن هبوط طائرات لشركة أجنحة الشام السورية في مناطق سيطرة اللواء حفتر وهي محمله بالمقاتلين وهذه الأخبار يجب لا تنسينا أعاده افتتاح السفارة الليبية (حفتر) في دمشق قبل أسابيع قليلة (أنا مؤيد لحفتر على الأقل بسبب كرهي لأردوغان و قطر).
سامر الخيرToday at 7:04 pm (2 hours ago)
مقال رائع ولكن أستاذنا العظيم يوجد بعض المصطلحات لم أقتنع بها مثل(انحراف الثورة عن مسارها) (ثوار سوريين)
ساحة النقاش