تحليل: بعد انتكاساته في إدلب.. أردوغان يواجه أعداءه في الداخل
<!--<!--
الميادين نت = حسني محلي*باحث علاقات دولية ومتخصص بالشأن التركي
ستدفع كلّ هذه الاحتمالات أردوغان إلى التَّفكير ملياً قبل وضع استراتيجياته الجديدة وتطبيقها، بعد أن بات واضحاً أنّ الوضع الاقتصاديّ والماليّ والسياسيّ والأمنيّ والنفسيّ لم يعد يتحمَّل الكثير.
انتكاسات أردوغان في إدلب وضعته أمام تحدّيات جدية داخل بلاده.
بشيء من التّأخير، أعلن وزير الاقتصاد التركي السابق علي باباجان، الأربعاء (11-3-2020)، عن حزبه الجديد، وأسماه حزب "الديمقراطية والوثبة" (DEVA)، وهذه الأحرف الأربعة تعني بالعربية كلمة "الدواء" أيضاً. ربما قصد باباجان ذلك، وكأنَّه أراد أن يقول إنَّ حزبه هو الدّواء الشّافي لجميع مشاكل تركيا، وأهمّها الاقتصاديّة، الَّتي لم تكن موجودة عندما كان في السّلطة.
وفي حديثه خلال المؤتمر، وجَّه باباجان انتقادات عنيفة جداً إلى الرئيس التركي رجب أردوغان وسياساته الداخليّة والخارجيّة، وقال: "لو بقي أردوغان على نهجه الَّذي كان عليه قبل العام 2011، لما وصلت تركيا إلى ما وصلت إليه الآن في جميع المجالات".
وجاء حزب باباجان بعد إعلان رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو عن حزبه، حزب "المستقبل"، في 13 كانون الأول الماضي/ديسمبر، وكان موقفه أكثر شدةً وحدّةً ضد الرئيس أردوغان، مهدّداً إياه بالكشف عن كلّ ما يعرفه من أسرار السّياسة الداخليّة والخارجيّة، وخصوصاً في سوريا.
ومع انشغال الرأي العام الداخليّ بالقضايا السّاخنة في سوريا وليبيا، لم يحظَ حزبا داوود أوغلو وباباجان بالاهتمام الكافي من قبل الإعلام الحكوميّ والخاصّ، الذي يسيطر أردوغان على 80% منه. وتوقَّع آخر استطلاع للرأي لحزب داوود أوغلو أن يحصل على 3% مقابل 5% من أصوات الناخبين في حال إجراء الانتخابات البرلمانيّة الآن، وهي نسب مهمة ستنعكس سلباً على حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان مباشرة.
وسيدفع هذا الاحتمال أردوغان إلى وضع العديد من الخطط لمواجهة الحزبين الجديدين بأساليبه الخاصَّة، بغياب الديمقراطية وسيطرته على جميع مؤسَّسات الدولة وأجهزتها ومرافقها، وأهمها الأمن والمخابرات والقضاء، وهي أسلحة أردوغان التقليدية في حربه على أعدائه، بل حتى منتقديه الَّذين يعترضون على سياساته في الداخل والخارج، وخصوصاً في سوريا، باعتبار أنها السبب الأساسيّ لمجمل مشاكل تركيا في الداخل والخارج.
ولهذا السَّبب، أراد أن تبقى سوريا الموضوع الأساسي في أجندة السّياسة التركية، حتى يبقى الشارع الشعبي منشغلاً بهذه القضيّة بكلّ انعكاساتها وتبعاتها الخطيرة التي شكا منها المواطن التركي طيلة السنوات التسعة الماضية من عمر الأزمة السورية، فعلى الرغم من سيطرة أردوغان على الإعلام، فقد أثبتت جميع استطلاعات الرأي أنَّ ما لا يقلّ عن 70% من الشعب التركي كان، وما يزال، ضدّ سياساته في سوريا، وخصوصاً بعد إرساله الجيش التركيّ إلى إدلب لحماية الإرهابيين، وفق رأي الشّارع التركيّ عموماً وقناعاته، وذلك لسببين:
أولاً، إنَّ إدلب مدينة سورية، وسوريا لم تفعل أيّ شيء ضد تركيا، كما قال الرئيس السوري بشار الأسد عشيَّة قمّة موسكو.
ثانياً، إنَّ الموجودين في إدلب إرهابيون، ويشكلون خطراً على تركيا التي صنّفت "جبهة النّصرة" رسمياً تنظيماً إرهابياً. ولهذا السَّبب، يتحجّج أردوغان بين الحين والحين بخطر الإرهابيين الكرد، ويقصد بهم وحدات حماية الشّعب الكردية السّورية، ناسياً أنَّهم غير موجودين في إدلب، ومتجاهلاً أنَّهم مدعومون من حليفه الأكبر ترامب.
وجاءت انتكاسات أردوغان في إدلب لتضعه أمام تحدّيات جدية في الداخل، بعد أن مُني بهزائم مماثلة في علاقاته مع الدول الأوروبية، بعد أن توعَّدها بالملايين من اللاجئين السوريين وغير السوريين، لأنها رفضت مساعدته في إدلب، وهو ما انعكس على استقبال ميركل وماكرون، كلّ على حدة، للجنرال خليفة حفتر؛ عدو أردوغان اللدود، في الوقت الَّذي كان يساوم مسئولي الاتحاد الأوروبي في بروكسل من أجل المزيد من المساعدات المالية، بعد أن فقد أمله من الدعم السياسي.
وكان لمقتل 59 من العساكر الأتراك في إدلب انعكاس سلبيّ على شعبية أردوغان، وخصوصاً بعد الحملة العنيفة التي تعرَّض لها من قبل المعارضة، بسبب المعاملة السيئة التي عومل بها في موسكو من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطاقمه، وبشكل مقصود.
واعتبرت المعارضة نتائج قمَّة موسكو هزيمة مدوية لسياسات أردوغان الَّذي هدَّد وتوعّد الرئيس الأسد وجيشه إذا استمرَّ في حصاره نقاط المراقبة التركية ورفض الانسحاب من المناطق التي سيطر عليها خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، وهو ما لم يتحقَّق بعد أن اضطرّ إلى الإعلان رسمياً في موسكو عن التزامه بوحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها، كما تعهد بمحاربة الإرهابيين مع روسيا، وأرسل عساكره من أجل ضمان حركة المرور في الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، لتكون سوريا المستفيد، بل المنتصر الأكبر من اتفاق موسكو سواء تم تطبيقه بشكل كامل أو جزئي، فالجيش السوري لن يتأخَّر في تحرير إدلب حتى تتفرَّغ دمشق لشرق الفرات، وهو ما أكدته الدكتورة بثينة شعبان، ليلة الأربعاء، في برنامج "لعبة الأمم"، عبر قناة الميادين.
ويبقى الرهان هنا على مفاجآت الرئيس أردوغان لمواجهة كلّ الاحتمالات، بما في ذلك التهرب من تطبيق اتفاق موسكو، وهو ما سيضعه أمام تحديات أخطر، ليس فقط في علاقاته مع روسيا وإيران وسوريا، بل أيضاً في حساباته الداخلية، فقد بات واضحاً أن الربيع سيحمل معه الكثير من تحركات أحزاب المعارضة القديمة والجديدة، ليكون همّ أردوغان الوحيد منعها من التنسيق والتعاون والعمل المشترك ضده، فمن دون هذا التنسيق والتعاون بين حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيّد وحزب الشّعوب الديمقراطي، وتوجّهاتها مختلفة، لن يكون سهلاً عليها تحقيق أيّ انتصار على أردوغان، وكما جرى في انتخابات إسطنبول والولايات العشرين الرئيسية التي فاز فيها مرشحو المعارضة في الانتخابات البلدية في آذار/مارس العام الماضي.
ويعرف الجميع أن أردوغان سيستنفر كلّ إمكانياته، ويلجأ إلى كل الطرق والأساليب لشقّ وحدة الصف بين أحزاب المعارضة، ولكن قبل ذلك سدّ الطريق أمام داوود أوغلو وعلي باباجان، المدعوم من الرئيس الأسبق عبدالله غول، لأنهما أخطر بكثير من أحزاب المعارضة السابقة، ما داموا ذوي تأثير مباشر في أعضاء حزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه وأتباعه وأنصاره.
وأثبتت استطلاعات الرأي أنَّ شعبيّة هذا الحزب تراجعت إلى حوالي 32% مقابل 42,5% كان قد حصل عليها في انتخابات حزيران/يونيو 2018، كما أثبتت أنَّ أردوغان سيحصل على 44% من أصوات الناخبين في حال إجراء انتخابات الرئاسة الآن، مقابل 54,8% لرئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، مع الإشارة إلى أنَّ أردوغان كان قد حصل على تأييد 52,5% من الأصوات في انتخابات حزيران/يونيو 2018.
وستدفع كلّ هذه الاحتمالات أردوغان إلى التَّفكير ملياً قبل وضع استراتيجياته الجديدة وتطبيقها، بعد أن بات واضحاً أنّ الوضع الاقتصاديّ والماليّ والسياسيّ والأمنيّ والنفسيّ لم يعد يتحمَّل الكثير، ما قد يهدّد بانفجار أزمات أخطر باستمرار سياساته الحالية.
وفي هذه الحالة، إما يعود إلى التصعيد في سوريا من جديد، ليجد نفسه في وضع صعب جداً، وإما يتفرغ لأعدائه في الداخل، وسلاحهم الأهمّ ضدّه هو سياساته الفاشلة والخطيرة في سوريا، على حدّ قول زعماء المعارضة وعدد كبير من الوزراء والجنرالات والدبلوماسيين السابقين، وهم يحمّلون جميعاً أردوغان مسؤولية كلّ ما تعانيه تركيا على صعيد السياسة الخارجية التي انتهجها بعد ما يُسمى بالربيع العربي، متوقعاً لهذا الربيع أن يساعده على إحياء ذكريات وأحلام الخلافة والسلطنة العثمانية بمضامين إخوانية أثبتت فشلها، ليس بحسب رأي المعارضة فحسب، بل أيضاً وفق تحليلات الصّحافيين الَّذين وضعوا في السجون لأنهم كشفوا خفايا التورط التركي في سوريا وأسراره فقط.
ساحة النقاش